عدنان علي
بعد ساعات من انقضاء القمة الروسية – التركية، كثّف الطيران الروسي والتابع للنظام السوري، قصفه لبلدات ريف إدلب الجنوبي، بما في ذلك استهداف محيط نقطة المراقبة التركية في المنطقة، وسط توقعات بتصعيدٍ ميداني، نتيجة عدم اتفاق أنقرة وموسكو في ما يبدو على رؤية مشتركة للوضع في الشمال السوري. وجاءت الغارات المكثفة أمس الأربعاء، بعد يومٍ من شن قوات المعارضة السورية هجمات مضادة على تخوم إدلب، بالقرب من المناطق التي استولت عليها قوات النظام أخيراً.
وبحسب مصادر محلية، فقد تناوبت الطائرات الروسية والسورية أمس، على قصف المناطق السكنية في محيط معرة النعمان جنوبي إدلب، مشيرة إلى أن 13 طائرة حربية (للنظام وروسيا) عملت في وقت واحد على استهداف بلدات وقرى الريف الجنوبي لإدلب، خاصة ريف معرة النعمان الشرقي.
كما استهدف الطيران الحربي محيط نقطة المراقبة التركية في منطقة شير المغار بريف حماة الغربي، وفق وسائل إعلام تركية، أكدت عدم وقوع إصابات في صفوف الجنود الأتراك، محملة الطيران التابع للنظام مسؤولية القصف، الذي كان قريباً بمسافة 500 متر من نقطة المراقبة.
وفي هذا الإطار، أبلغ مصدر أمني تركي كبير وكالة “رويترز” للأنباء بأن اشتباكات عنيفة دارت بين قوات النظام السوري ومقاتلي المعارضة على بعد 500 متر تقريباً من موقع المراقبة التركي. وقال المصدر إن “الصراع يدور على مقربة شديدة (من موقع شير مغار التركي) وهو عنيف. القوات السورية قصفت مواقع للمعارضة”. ولم يتضح على الفور ما إذا كان الموقع التركي هو المستهدف، لكن المصدر قال إن الجنود الأتراك لم يصبهم سوء.
وسبق لنقطة المراقبة التركية في شير المغار أن تعرضت في السابق لقصف مدفعي من جانب قوات النظام السوري، إلا أن القصف الحالي يعتبر الأول من قبل الطائرات الحربية، ويأتي في وقت حساس تعيشه إدلب والعلاقة بين أنقرة وموسكو.
من جهته، نقل موقع “عنب بلدي” المحلي عن “مرصد 20” التابع لـ”الجبهة الوطنية للتحرير”، قوله إن “الطيران الحربي الروسي استهدف شمالي النقطة التركية بـ50 متراً وجنوبها بـ50 متراً”، واصفاً ذلك بـ”التهديد الواضح والتحدي الصريح”.
وتأتي هذه التطورات غداة القمة التي جمعت الرئيسين التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، في موسكو، والتي تصدّرها ملف محافظة إدلب واتفاق سوتشي، وهو ما يضع الجانب التركي أمام تحدٍ جديد بعد تأكيد أردوغان خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع نظيره الروسي، على حق بلاده في الرد على أي اعتداء من جانب قوات النظام السوري يعرّض حياة الجنود الأتراك للخطر.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، حذّر من أي هجوم يطاول النقاط والقوات التركية في إدلب، مؤكداً، في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” يوم السبت الماضي، على “حق أنقرة في الدفاع المشروع حتى النهاية، في حال حصول أي هجوم ضد نقاط مراقبتنا أو وجودنا في إدلب”. وأقامت تركيا 12 موقع مراقبة في شمال غرب سورية، بموجب اتفاق مع موسكو وطهران قبل عامين.
وأدت سيطرة قوات النظام السوري على ريف حماة الشمالي ودخول قوات الأسد إلى مدينة خان شيخون، إلى عزل الريف الشمالي لحماة بالكامل، والذي توجد فيه نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك، فيما يجري تهديد نقاط مراقبة أخرى في المنطقة.
كما شمل القصف كلا من التح وجرجناز والدير شرقي وسراقب وتلمنس ومناطق أخرى بريف معرة النعمان، عبر عشرات الغارات الجوية. وطاول أيضاً محور كبينة في ريف اللاذقية الشمالي.
من جهة أخرى، وقعت انفجارات عدة في ريف مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية ناجمة عن سقوط صواريخ، سقط بعضها في أراضٍ زراعية، من دون وقوع خسائر بشرية، بحسب مراقبين.
وكانت “الجبهة الوطنية للتحرير” التابعة للمعارضة السورية أعلنت التصدّي لمحاولة تسلل للقوّات الخاصة الروسية على محور الحاكورة في سهل الغاب بريف حماة الغربي.
وقالت مصادر محلية إن مجموعة من القوات الخاصة الروسية برفقة قناصين، حاولت، عند منتصف ليل الثلاثاء ــ الأربعاء، التسلل إلى إحدى النقاط المتقدّمة على محور خربة الناقوس – الحاكورة، لكن عناصر المعارضة اشتبكوا معها وأحبطوا الهجوم. وبحسب الدفاع المدني في إدلب، فقد قتل وجرح 32 مدنياً نتيجة قصف روسيا وقوات النظام السوري، أول من أمس الثلاثاء، على المحافظة، بينما قتلت أمس طفلة في بلدة معصران بريف إدلب الشرقي، فيما نعى “جيش النصر” ثلاثة من مقاتليه سقطوا خلال عملية تسلل قوات النظام على محور الحاكورة. وأصيب ثمانية مدنيين جرّاء القصف على سراقب.
وأكدت مصادر عسكرية أن القوات الروسية زادت مؤخراً من معدلات تدخلها في المعارك، مشاركة غالباً في الهجمات الليلية ضد مواقع الفصائل المسلحة باستخدام معدات متطورة، تسعى روسيا كما يبدو إلى اختبارها في القتال الحقيقي.
وتوقعت مصادر أن تحاول قوات النظام بمساندة روسية إطلاق عملية عسكرية جديدة في ريف معرة النعمان الشرقي بتكثيفٍ ناري، بهدف قضم بعض المناطق هناك تدريجياً، حيث تلجأ منذ أيام إلى تكثيف القصف على هذه المناطق بهدف إفراغها من المدنيين. كما تحاول قوات النظام السيطرة على محور ريف إدلب الشرقي من خلال الالتفاف على بلدة التمانعة والسيطرة عليها من أجل تأمين منطقة خان شيخون بشكل كامل، ومنع أي عملية اختراق لهذه الجبهة من قبل الفصائل في حال كان هناك أي نية لهجومٍ معاكس. ورأى القيادي في “الجيش السوري الحر”، العميد فاتح حسون، أن روسيا “تريد باختصار شديد تطبيق اتفاقية قمة سوتشي بالقوة، خاصة ما يتصل بمحاربة جبهة النصرة والوصول إلى الطرق الدولية”.
وأضاف حسون، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن روسيا “تتذرع بأنه لم يتم حتى الآن تطبيق اتفاق سوتشي حول إدلب، وتريد وفق مطالبها إبعاد الفصائل الثورية عن مناطق النظام في ريف حماة الشمالي، وإبعاد الخطر عن مطار حميميم (صواريخ “غراد” والطائرات المسيرة)، لكنها تسعى في الواقع للسيطرة على كامل منطقة إدلب، باستثناء 15 كيلومتراً على عرض الحدود التركية، وهو ما كانت تخطط له قبل انعقاد قمة طهران الثلاثية العام الماضي”.
من جهته، اعتبر القيادي في “الجيش الحر” مصطفى السيجري، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنه “استناداً للتفاهمات السابقة، لم يكن هناك التزام من الجانب الروسي، ومن المستبعد تالياً أن تشهد المرحلة المقبلة أي تهدئة”، داعياً الفصائل الثورية إلى “العمل على ترتيب صفوفها استعداداً لأي هجمات جديدة متوقعة من جانب قوات النظام وروسيا”.
واستناداً إلى تصريحات أردوغان وبوتين أول من أمس، رأى السيجري أن “الأتراك متمسكون بثوابتهم ورفضهم العمليات الإجرامية التي يقوم بها النظام وروسيا، بينما تتمسك الأخيرة بمزاعمها حول محاربة الإرهاب، ما يعني أنها ماضية في سياستها العدوانية”، معتبراً أن “أي تهدئة بسيطة يجب أن تكون فرصة للفصائل لتكثيف استعداداتها لأي تطورات محتملة، لأن الروس والنظام لا يستكان لوعودهم”.
وكان الرئيس التركي اشترط، في ختام قمته مع بوتين، وقف هجمات النظام السوري في منطقة إدلب، للعمل على استكمال تنفيذ “سوتشي” الموقع بين البلدين. وقال أردوغان، أول من أمس الثلاثاء، من العاصمة الروسية موسكو، إن “المسؤوليات الملقاة على عاتقنا بموجب اتفاقية سوتشي، لا يمكن الإيفاء بها إلا بعد وقف هجمات النظام”، وفق “الأناضول”، مضيفاً أن “هجمات النظام، خاصة في المناطق القريبة من حدودنا، تدفعنا إلى استخدام حق الدفاع والإقدام على الخطوات الواجب اتخاذها عند اللزوم”، من دون أن يكشف عنها.
من جهته، اعتبر وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن اتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه مع تركيا في سبتمبر/أيلول الماضي حول منطقة إدلب “قائم، لكنه يواجه صعوبات ومشاكل”. وأضاف، بحسب وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، أن تنفيذ “الاتفاق الروسي – التركي حول منطقة إدلب يتم بصعوبة وتوتر”، مشيراً إلى أن “تركيا تقوم بتسيير دوريات داخل منطقة خفض التصعيد، فيما يستمر تسيير دوريات روسيا خارجها”.
وفي إشارة إلى وجود تباينات في الموقف من الوضع في إدلب مع تركيا، قال وزير الدفاع الروسي “لم يكن بإمكان روسيا أن تقف متفرجة على هجمات المسلحين من هذه الأراضي، وقد أبلغنا زملاءنا الأتراك بالإجراءات التي اتخذناها وسنتخذها”.
المصدر: العربي الجديد