هبة محمد
بعد التعثر في إيجاد حل لوقف العمليات العسكرية في ادلب، وبروز خلافات بين اللاعبين الكبار في المسألة السورية، روسيا وتركيا، تولد انفجار شعبي بعث برسائل قوية تدق ناقوس الخطر من موجة نزوح هي الأضخم إلى أوروبا، وعبر عنه آلاف السوريين بمظاهرات غاضبة حاولت كسر الحدود، وفتح معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا شمال إدلب، للضغط على السلطات في وقف حمام الدم، ومنع تقدم قوات النظامين السوري والروسي، كون تركيا إحدى الجهات الضامنة لاتفاق خفض التصعيد، أو اجبارها على تشريع أبوبها أمام موجة نزوح هي الأضخم الى تركيا وأوروبا.
وترجم مراقبون تحرك المدنيين في مظاهرات حاشدة باتجاه الحدود السورية – التركية ودخول أراضي هذه الأخيرة، بأنه ناجم عن الشعور بانعدام الثقة بدور نقاط المراقبة التركية بحماية المدنيين وممتلكاتهم من اجتياح النظام السوري وروسيا وإيران. ومن الواضح أنّ الأهالي يريدون إيصال رسالة إلى تركيا بتحميلها المسؤولية الأخلاقية والسياسية إزاء ما يجري من انتهاك بحق أمنهم ووجودهم.
إغلاق المعابر وإصابات
وكانت السلطات التركية أغلقت معبر باب الهوى على الحدود مع سوريا، ومنعت آلاف المدنيين الغاضبين من كسر المعابر، بعدما تجمهروا في مظاهرات حاشدة، الجمعة، بهدف تشكيل ضغط شعبي على أنقرة، من اجل التدخل وايقاف العمليات العسكرية في ادلب شمال غربي سوريا، كون تركيا هي أحد أضلع أستانة الثلاثي، معتبرين انها مضطرة لايقاف الهجمات العسكرية أو فتح حدودها أمام المدنيين للخروج إلى أراضيها وتشكيل موجة نزوح جديدة تهدد أوروبا.
وقال احمد الجدعان أحد الشبان المشاركين في المظاهرات لـ»القدس العربي»، ان مثقفي ادلب وحماة، دعوا مسبقاً ونظموا خروج هذه التظاهرات باتجاه الحدود السورية – التركية، هرباً من القصف المتصاعد، وهجمات سلاح الجو السوري والروسي وتقدم وقوات النظام التي انتزعت السيطرة على 8 مواقع خلال الأربع وعشرين ساعة الفائتة في ريف ادلب.
المرصد السوري لحقوق الانسان قال ان آلاف المتظاهرين يواصلون تدفقهم نحو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وقوات الجندرما تفتح نيران رشاشتها تجاههم وتصيب أحد المتظاهرين، مضيفاً «لايزال الآلاف من المواطنين يواصلون زحفهم تجاه معبري باب الهوى الحدودي مع تركيا شمال إدلب على الحدود السورية – التركية عند لواء إسكندرون، ومعبر أطمة شمال إدلب. وفي سياق ذلك رصد المرصد السوري إصابة أحد المتظاهرين برصاص قوات الجندرما التركية جراء استهداف المتظاهرين بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع مجدداً بعد وصول أعداد المتظاهرين لما يقارب الـ10 آلاف متظاهر عند البوابة الحدودية التركية باب الهوى، حيث يردد المتظاهرين شعارات ضد الجيش التركي وهتفوا «نطالب بوقف القصف للعودة إلى مناطقنا أو فتح الحدود التركية أمامنا».
ونشر المرصد السوري شريطاً مصوراً لمظاهرة حاشدة لما يقارب الـ 5000 مواطن توجهت إلى المعبر الحدودي باب الهوى على الحدود السورية – التركية شمال إدلب لمطالبة الأتراك إما التدخل لوقف الأعمال القتالية بريفي إدلب وحماة، أو السماح لهم بالعبور نحو الأراضي التركية.
ويعتبر مراقبون ان سياسات تركيا في الملف السوري ساهمت بتقليل شأنها الاعتباري أمام الرأي العام السوري، وهذا يتناقض مع طموحها الرامي إلى تعزيز دورها ووجودها الإقليمي بين الفاعلين الدوليين، وفي هذا الاطار قال الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي لـ»القدس العربي» ان الأهالي ينظرون بحالة من عدم الثقة إلى وجود القوات التركية في سوريا، لعدم قدرتها على تأدية دورها الحيوي كضامن في حماية المنطقة من الخروقات والتصعيد، فقد وضعت نفسها بموازاة قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه الأقل منها قوة وقدرة. واعتبر أن لهذا الأمر تداعيات سلبية قد لا تدركها تركيا الآن، لكن إن لم تعالج هذا الواقع سوف تلقاها لاحقاً. من جهته فسر الخبير السياسي لدى مركز عمران للدراسات منير الفقير لـ»القدس العربي» خروج هذا الحشد الهائل من الأهالي هو لإداركهم ان النظام السوري مدعوم من قوى عظمى، مثل روسيا وايران، وهو يستطيع ان يتقدم الى مناطق استراتيجية، بضوء اخضر من داعميه، مثل خان شيخون، وهو أيضاً ماضٍ الى نقاط أخرى، وما يقابل ذلك من تردد ضامنهم الدولي، وخيبة أملهم بفعالية نقاط المراقبة التركية من حماية ما بقي من ادلب، اذ اعتقد هؤلاء الناس بضرورة التوجه الى الحدود، ليس فقط للضغط على تركيا بقدر ما هو ضغط على اوروبا بشكل اساسي وعلى العالم، باعتبار ان مشكلة اللاجئين هي مشكلة دولية سياسية، بالمقام الأول، وليست مشكلة إنسانية فحسب.
رسائل إلى أوروبا
وأعرب المتحدث لـ«القدس العربي»، عن اعتقاده ان الحراك الشعبي يساعد تركيا في تحريك ادواتها السياسية من حيث إخبار الشركاء الدوليين ان ملف اللاجئين السوريين في تركيا هو ملف ضاغط لا يمكن تجاوزه كما انه لا يمكن حسم موضوع ادلب لصالح النظام او صالح روسيا، وخارج اطار الحل السياسي. مضيفاً «أن المجتمعات المحلية لن تقبل بعودة النظام بالقوة ولا بالسلم ولا بالهدن، وهذا مؤشر حقيقي، وأن السكان المهجرين والمقيمين يرفضون الاسد، وكان بإمكانهم التحرك باتجاه مناطق سيطرته على المنافذ التي فتحتها روسيا مؤخراً، لكنهم يرفضون ذلك اطلاقاً».
واعتبر ان الناس فقدت الأمل بقدرة الضامن التركي على الدفاع عنهم، وهي أصلاً ليست مهمتها، لكن مجرد وجود نقاطها العسكرية، كان بمثابة ردع للنظام وروسيا ووقف تقدمهما وهو ما لم يحصل. فكسر الحدود بحسب رؤية المتحدث هي رسالة للمجتمع الدولي اكثر منها الى تركيا، وتعني اننا سوف نكسر حدود الدنيا كي نضمن حقنا كبشر.
وكان واضحًا منذ أيام أن المسألة فاقت كل حد، حسب المعارض السياسي، أحمد مظهر سعدو، الذي اعتبر في حديثه مع «القدس العربي» أنه لا بد من محاولة إعادة الحراك السلمي المدني من جديد، وخاصة بعد فشل قمة الضامنين الاثنين في موسكو، بالوصول إلى أي توافق على وقف المقتلة الروسية الأسدية، المستمرة منذ ما يزيد عن أربعة أشهر ونيف، مضيفاً «لقد وصل الحال بالشعب السوري الذي يتم تهجيره قسرًا، وسط صمت مريب وغريب من العالم أجمع، أن باتت الطرقات وما تبقى من أشجار الزيتون هي ما يلتحف به من استطاع النجاة من القتل أو البراميل والصواريخ النازلة فوق رؤسهم من طيران العدوان الروسي الأسدي، فقد تنادى عدد كبير من النشطاء خلال الأيام الأخيرة، من أجل تحريك المياه الراكدة، وإعادة إرسال الرسائل للضامنين تارة أو الاتحاد الأوروبي تارة أخرى، وهو الذي يتخوف من تدفق جديد للمهاجرين أو اللاجئين إليه، بعد أن غابت عن الأنظار تلك القمة الرباعية التي كان من المفروض أن تعقد في إسطنبول بين (تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا)، وكأن العالم لم يعد يعنيه كل هذا الحجم من القتل الذي يفقأ الأعين في وضح النهار».
ناقوس الخطر
لذلك فإن التحرك المدني اليوم والمهم نحو الحدود مع تركيا، يقرع ناقوس الخطر، بحسب رؤيته، ويشير إلى أن تلك الدول إن لم تتدخل عاجلًا غير آجل من أجل وقف هذا الاستفراد الروسي بدماء مدنيي سوريا، ومن ثم لجم هذا «الطاغوت التتري»، الذي يعيث فسادًا في أرض ادلب، التي تضم بين ظهرانيها ما يزيد عن 4 ملايين إنسان سوري، كان قد تهجر القسم الأكبر منهم من كل المحافظات التي وطأتها يد «أستانة» وما نتج عنها من تمظهر مناطق خفض التصعيد، والتي أضحت مناطق للتصعيد وليس خفضه، كما يجري في ادلب وما حولها اليوم.
واعتقد المعارض السياسي أنه فيما لو استمرت هذه التحركات المدنية باتجاه الحدود، من الممكن أن تتحرك المياه الساكنة، وتحرج العالم المتفرج، وتنجز ما عجزت عن إنجازه، مفاوضات خفض التصعيد أو الدول الضامنة، وبالتالي تعيد اتفاق سوتشي (على الأقل) إلى سكة القطار التي أُخرج منها عسفًا، منذ بداية الهجوم العدواني على ريف حماة، في نيسان المنصرم.
المصدر: القدس العربي