أمين العاصي
ساد هدوء حذر في عموم مدن وبلدات الشمال الغربي من سورية أمس السبت، عقب وقف إطلاق النار المعلن من روسيا، بعد 4 أشهر من القتال الضاري بين قوات النظام ومليشيات تساندها تتحرك تحت غطاء ناري روسي غير مسبوق، وبين فصائل المعارضة السورية التي فقدت الكثير من مواقعها في ريفي حماة وإدلب بسبب القوة النارية الهائلة من الجانب الروسي، التي قتلت وشردت عشرات آلاف المدنيين في محافظة إدلب ومحيطها. وعلى الرغم من غياب الطيران عن أجواء الشمال الغربي من سورية بعد سريان الهدنة، إلا أن قوات النظام قصفت أمس قرى وبلدات ريف إدلب بعشرات القذائف الصاروخية، في أول خرق لوقف إطلاق النار الذي أعلن النظام موافقته عليه، ما أدى إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى. وأشارت مصادر محلية إلى أن قوات النظام المتمركزة في معسكر تلة النمر بالقرب من مدينة خان شيخون قصفت بعشرات القذائف والصواريخ بلدات كفرنبل وجرجناز والتح والغدفة، وقرية الدير الشرقي في ريف مدينة معرة النعمان الشرقي.
كما ذكرت مصادر محلية في مدينة معرة النعمان لـ”العربي الجديد” أن هدوءاً حذراً ساد كامل محافظة إدلب أمس السبت، مشيرة إلى أن وقف إطلاق النار لم يدفع النازحين للعودة إلى منازلهم بسبب مخاوف من خرق قوات النظام للاتفاق كعادتها في كل هدنة أُعلن عنها في شمالي غرب سورية، آخرها الهدنة التي اتفق عليها المشاركون في أستانة 13 ولم تصمد كثيراً.
وكانت وزارة الدفاع الروسية وما يسمى بـ”مركز المصالحة الروسية في سورية” أعلنا عن وقف لإطلاق النار من جانبهما وإيقاف العمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام، ابتداء من تمام الساعة السادسة من صباح أمس السبت. ووافق النظام على وقف إطلاق النار في منطقة إدلب، مع تأكيده أن قواته ستحتفظ بحق الرد على أي خرق من قبل من أطلق عليهم تسمية “الإرهابيين”.
ولم يحصل أي تنسيق مع فصائل المعارضة من أجل وقف إطلاق النار، إذ أعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير”، أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها، يوم الجمعة الماضي أنه “لا علم لنا باتفاق وقف إطلاق النار”، مؤكدة استمرارها بـ”وضع الخطط الدفاعية”.
ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، يكون قد مرّ أربعة أشهر على الحملة العسكرية من قبل النظام والروس والإيرانيين على شمالي غرب سورية، إذ بدأت قوات النظام والطيران الروسي العمليات أواخر إبريل/نيسان الماضي عقب فشل مباحثات الجولة 12 من مسار أستانة. وسيطرت قوات النظام بدعم روسي إيراني خلال الحملة على مدن وبلدات هامة في ريفي حماة وإدلب، إذ انتزعت أغلب ريف حماة الشمالي، وطردت فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” من مناطق: لحايا، ولطمين، ومورك، وكفرزيتا، واللطامنة، ومعركبة، والزكاة، والأربعين، وحصرايا، والصياد، والبويضة، وأبو رعيدة، والصخر، والجيسات في ريف حماة الشمالي. كما سيطرت على كفرنبودة، والشنابرة، وتل هواش، والجابرية، والشيخ إدريس، والتوبة، قيراطة، والحميرات، والمستريحة، والكركات، وقلعة المضيق، والتوينة، والشريعة، والحمراء، وباب الطاقة، والحويز، في ريف حماة الشمالي الغربي.
وفي ريف إدلب الجنوبي، سيطرت على مغر الحمام، ومغر الحنطة، وعابدين، والقصابية، والهبيط، وكفرعين، وتل عاس، ومدايا، وأم زيتونة، وكفرطاب، وخان شيخون، والتمانعة، وترعي، وسكيات، وسكيك. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 1045 مدنياً، بينهم 260 طفلاً، بالقصف الجوي والمدفعي من قبل النظام والروس بين 30 إبريل و31 أغسطس/آب الماضيين.
من جهته، أشار قائد العمليات في “جيش العزة” التابع للمعارضة، العقيد مصطفى البكور، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “لا يوجد قصف طيران على شمالي غرب سورية”، غير أنه أكد استهداف عدد من قرى ريف إدلب الشرقي من قبل قوات النظام بقذائف مدفعية وصاروخية. ورأى البكور أن وقف إطلاق النار “خديعة روسية لتمرير أمر ما وإحراج الجانب التركي والفصائل المشاركة في مسار أستانة”. وحول دور ما للتظاهرات الحاشدة التي شهدها شمالي غرب سورية الجمعة، للمطالبة بإيقاف إطلاق النار، قال البكور: “من يرتكب المجازر بحق الأطفال والنساء لن يتأثر بالتظاهرات”.
وكان مئات المتظاهرين السوريين، قد اقتحموا يوم الجمعة، بوابة معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في ريف إدلب، شمالي غرب البلاد، لمطالبة تركيا بالعمل على وقف الحملة العسكرية التي تشنّها قوات النظام بدعم روسي على إدلب وحماة. وتمكّن المتظاهرون من اقتحام بوابة المعبر من الجانب السوري ودخلوا إلى ساحة المعبر، وقامت الشرطة التركية من الجانب التركي بإطلاق النار في الهواء تحذيراً لهم. وخرجت تظاهرات في مدينة الباب ومدينة مارع بريف حلب الشمالي، تضامناً مع المتظاهرين والأهالي في مدينة إدلب، كما تظاهر المئات عند المعبر الحدودي مع الأراضي التركية في منطقة أطمة وفي منطقة باب السلامة.
ودأب النظام والجانب الروسي على إعلان وقف إطلاق النار خلال سنوات الصراع على سورية، ولكن سرعان ما يتكشف أن السبب الحقيقي وراءها هو حشد مزيد من القوات لاستئناف القتال. ومن المتوقع أن يستغل النظام الهدنة من أجل تثبيت مواقعه في المناطق التي سيطر عليها وتشييد تحصينات وخطوط دفاع، قبل الزج بقوات جديدة من أجل التوغل شمالاً في عمق محافظة إدلب، خصوصاً باتجاه مدينتي معرة النعمان وسراقب اللتين يمر منهما طريق حلب-حماة والمفضي إلى حمص ومن ثم العاصمة دمشق.
ورأى القيادي السابق في الجيش السوري الحر، المقدم سامر الصالح، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الضغط الأميركي “لجم الجانب الروسي”، معرباً عن اعتقاده أن الجانب الأميركي لن يعطي الروس الطريقين “أم 4″، و”أم 5″، مضيفاً: “الأميركيون يديرون اللعبة بشكل كامل في سورية ولن يجعلوا الروس مرتاحين”.
ورجح الصالح بقاء الهدنة في الوقت الراهن، مستدركاً بالقول: “لن تصمد أي هدنة ما لم يبدأ العمل بالحل السياسي”. وأشار إلى أن جميع الأطراف “مستفيدة من وقف إطلاق النار لإعادة ترتيب الصفوف والأولويات، ففصائل المعارضة تستفيد من الهدنة من أجل تحصين وإعادة الروح المعنوية للمقاتلين، وربما الاندماج في كيان عسكري واحد، والنظام يستفيد منها لمعرفة اتجاه الدول الفاعلة بالملف السوري ومدى تأثيرها عليه”.
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المستفيد من الهدنة “الروس والنظام”، مضيفاً: “حققوا ما يريدون على الأرض بعد مقتل وتهجير عشرت آلاف المدنيين. وصلوا إلى أهدافهم من وراء الحملة العسكرية”. ولفت إلى أن الروس “حصنوا قاعدة حميميم في الساحل السوري وسيطروا على مدن وبلدات وهجروا مليونا ونصف مليون”، مشيراً إلى أن المدنيين “مستفيدون من الهدنة، فهؤلاء لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع”. وحول فرص صمود الهدنة، قال رحال: “هذه هدنة مشروطة بإنشاء منطقة عازلة ودوريات روسية وتركية مشتركة، وفتح الطرق الدولية، وتفكيك هيئة تحرير الشام، ومن ثم فإن الكرة في الملعب التركي، فإذا استطاع تحقيق الشروط تصمد الهدنة”.
المصدر: العربي الجديد