نبيل السهلي
بعد تصريحات نتنياهو وغيره من قادة أحزاب دولة الاحتلال الصهيوني خلال حملة انتخابات الكنيست 22 حول ضرورة ضم الضفة الغربية من خلال ضم المستوطنات بداية؛تبرز قضية المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية باعتبارها أحد رموز ومعالم الاحتلال للأرض الفلسطينية، وتالياً ضرورة توضيح مخاطر النشاط الصهيوني في فلسطين. حيث تم إخضاع النشاط الاستيطاني الصهيوني لمنهاج تدريجي في عملية التوسع غير محدد برقعة واضحة دلل عليها بشكل جلي تصريح أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال دافيد بن غوريون قائلا «حدود إسرائيل ستعينها الأجيال القادمة»، وهذا المنهاج كان مرهونا بالإمكانيات المتاحة ديمغرافيا، أي إحلال المهاجرين اليهود مكان السكان العرب أصحاب الأرض الأصليين بعد طردهم بشكل ممنهج ومدروس.
الدور البريطاني
تشير الدراسات إلى سعي الحركة الصهيونية قبل وبعد مؤتمرها الأول الذي عقد في نهاية شهر آب/ أغسطس 1897 لللسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورانس أوليفانت (1888-1820)، الذي كان عضوا في البرلمان الإنكليزي،وعمل أيضا في السلك الدبلوماسي الإنكليزي واعتقد بضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدرة على جمع الأموال.
ومن أجل ذلك قام في العام 1880م بنشر كتاب بعنوان «أرض جلعاد» اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستوطنات جديدة. وبالإضافة إلى أوليفانت، حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين، ومن بين هؤلاء مونتفيوري (1784-1885) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاما مقابل 10٪ إلى 20٪ من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحكم المصري لبلاد الشام آنذاك، ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء عدد من الأراضي بالقرب من القدس ويافا، والتي أسكن فيها مجموعة من العائلات اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضا تحت تحفظ السلطات العثمانية على مشاريع الاستيطان في فلسطين. كما بذل وليم هشلر جهوداً في جمع تبرعات مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت الحماية البريطانية.
وقد استمرت المحاولات الصهيونية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى العام 1881 الذي يعتبره المؤرخ اليهودي والتر لاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة بين 1882 و1884، وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل.
المؤسسات الصهيونية
لعبت المؤسسات اليهودية التي أنشئت لهذا الغرض دورا كبيرا، ومن بينها منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897، والصندوق القومي اليهودي (الكيرن كايمت)، وصندوق التأسيس اليهودي (الكيرن هايسود) والشركة الإنكليزية الفلسطينية.
ونشطت هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الأولى خصوصا بعد تمكن المنظمة الصهيونية العالمية من استصدار وعد بلفور الشهير عام 1917 الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حيث لعبت حكومة الانتداب دورا كبيرا في تمكين اليهود من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية وذلك باتخاذها العديد من الإجراءات، منها فتح الأراضي الأميرية وجعلها أراضي ملكية، وسن قانون أملاك الغائبين. وتمكن اليهود بالاعتماد على تلك الإجراءات من استملاك أكثر من عشرين مليون دونم من أراضي الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل في مايو/أيار 1948.
فرض وقائع استيطانية
لقد نجحت الحركة الصهيونية في إعلان دولة الاحتلال الصهيوني في الخامس عشرمن شهر أيار/ مايو 1948 على 78٪ من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني في العام المذكور بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر، وإثر ذلك تمت عملية تدمير مبرمجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستوطنات تخدم أهدافا أمنية واقتصادية للمجتمع الصهيوني. ولم تتوقف تلك المؤسسات عند الحد المذكور، بل ابتكرت العديد من القوانين الجائرة لمصادرة أراضي الأقلية العربية (1،5) مليون عربي، ولم يتبق في العام 2019 سوى 2٪ من المساحة التي أنشئت عليها دولة الاحتلال لاستخدامات الأقلية العربية رغم أنها تشكل أكثر من 20٪ من سكان دولة الاحتلال الصهيوني، وثمة قوانين جائرة استصدرت في السنوات الأخيرة أو تمّ إحياؤها بغية تهويد كافة مناحي حياة الأقلية العربية لفرض وترسيخ يهودية دولة الاحتلال وتهميش الأقلية العربية، ولهذا يمكن القول إن سياسة ابتلاع الأرض والاستيطان لم تتوقف في المناطق المحتلة عام 1948 حيث تتم تحت مسميات تطوير منطقتي الجليل والمثلث.
واللافت أن شبح الاستيطان والتهويد بات يهدد الأسماء والمعالم العربية في داخل الخط الأخضر، وهناك مخطط حتى نهاية العام المقبل 2020 لتغيير أسماء الطرق والمحال واللافتات العربية إلى اللغة العبرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر تمت عملية استبدال لأسماء القرى العربية. ففي الجليل الفلسطيني تمت تسمية قرية الجاعونة في قضاء مدينة صفد بروشبينا، وفي الساحل الفلسطيني تمت عملية استبدال لاسم قرية بلد الشيخ؛وهي قرية في قضاء مدينة حيفا دفن فيها رفات الشهيد عز الدين القسام في بيت حنان، ويعود الاسم العبري لاسم ضابط يهودي ألماني قتل من قبل أهل القرية وهو يحاول ارتكاب مجزرة فيها مع مجموعة صهيونية في نهاية عام 1947.
في الخامس من شهر حزيران/ يونيو 1967 تمت سيطرة الجيش الصهيوني على الأراضي الفلسطينية الناجية من الاحتلال الصهيوني في العام 1948، ونقصد هنا الضفة الغربية وقطاع غزة الذي تمً تفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين عنه بفعل كفاح الغزيين في عام 2005، لكن ذلك لم يمنع دولة الاحتلال في الاستمرار بنشاطها الاستيطاني في عمق الضفة الغربية بما فيها الجزء الشرقي من مدينة القدس المحتل عام 67. وتشير دراسات إلى تضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين بعد اتفاقات إعلان المبادئ (أوسلو) في أيلول / سبتمبر 1993، وقد أدى النشاط الاستيطاني الصهيوني إلى إنشاء (151) مستوطنة في الضفة الغربية حتى عام 2019، ويتركز فيها أكثر من خمسمائة ألف مستوطن، فضلاً عن (26) مستوطنة تلف القدس من جميع الجهات بطوقين من المستوطنات،و تستحوذ على (190) ألف مستوطن صهيوني.
ويبقى القول أن الوقائع الاستيطانية التي فرضت بقوة الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية بما فيها القدس خلال الفترة (1967 -2019)،دفعت العديد من قادة دولة الاحتلال وعلى رأسهم نتنياهوللحديث عن ضرورة ضم المستوطنات كخطوة رئيسية لضم الضفة الغربية، الأمر الذي يحتم الإسراع لتحقيق مصالحة وطنية فلسطينية، والاتفاق على سبل كفاحية محددة لمواجهة مخاطر ضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال الصهيوني.
المصدر: القدس العربي