ياسر الحسيني
لا يمكن اختصار الكارثة التي حلت بالشعب السوري بحجم الدمار، أو عدد الضحايا، أو أشكال الموت المتعددة، ولا المعاناة في المخيمات، ولا الرعب المتلازم مع كلّ مرور من أحد الحواجز على اختلاف راياتها أو مرجعياتها.
الكارثة فاقت كلّ التصورات، وتخطّت حدود الخيال، فهي وكأنّها قد استحضرت كلّ جرائم الغزاة والموتورين عبر التاريخ البشري منذ آلاف السنين وحتى اليوم، ليشاهدها العالم في غضون سنوات قليلة، وعلى الهواء مباشرة بثّاً حيّاً لما مرت به البشرية من مآسي ومحن.
لكن الكارثة الحقيقية ـ علاوة على ما سبق ـ هي في محاولة بعض الدول التي استقبلت اللاجئين، الإجهاز على ما تبقى من الذاكرة الجمعية لملايين السوريين بدعوى الإندماج في المجتمعات الجديدة.
إنّ فرض تعليم لغة الدولة المضيفة هي خطوة إيجابية فعلاً، وتسرّع من عملية الاندماج، لكن ماذا عن اللغة الأصلية للاجئين؟ هل هناك مساعٍ من تلك الدول للحفاظ عليها؟
العديد من الدول المضيفة لا يوجد في حسبانها ذلك الأمر، ولعلّه لم يسقط سهواً وإنما عمداً، في محاولة لطمس الهوية الأصلية ونسيانها، وخاصة لدى شريحة الأطفال الذين سرعان ما يتعلمون اللغة الجديدة والقوانين الجديدة ، ومع مرور الوقت سينسون لغتهم الأصلية وانتماءهم، ويجدون أنفسهم وقد ذابوا في مجتمع يحمل ثقافة تختلف جذرياً عن ثقافتهم التي يحملها آباؤهم، فتتجدّد المعاناة داخل الأسرة الواحدة ما بين ثقافتين غير متّسقتين، و يحتدم الصراع والغلبة حتماً لثقافة البلد المضيف.
المهندس (محمود خليف) لجأ إلى ألمانيا منذ أربع سنوات يقول :” اللغة العربية هاجس بالنسبة لنا، ونحرص على تعليم أطفالنا لغتهم الأم قراءة وكتابة، وقد انتشرت مراكز في العديد من المدن الألمانية لهذه الغاية، وهذه المراكز أقامتها بعض الجمعيات الإسلامية وليس الحكومة، لتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية، بمعدّل أربع ساعات في الأسبوع، وهناك إقبال كبير عليها، أمّا عن الاندماج مع المجتمع الألماني فهذا يعتمد على المستوى التعليمي للاجئ “.
المحامي (ياسر العمر) يرى حجم المعاناة للاجئين كجبل الجليد، الذي لا يبدو منه إلّا قمّته، وهو المقيم في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، وبرأيه أنّ الأسر السورية لم تكن جاهزة للإنتقال فجأة من حياة محافظة إلى أخرى منفتحة على الحريّات بشكل كبير، ما أفقد الآباء دورهم في التربية، وغالبية الأطفال الذين ألحقوا بالمدارس الألمانية نسوا اللغة العربية، وسلبيات ذلك ستظهر مستقبلاً.
فقط تركيا التي تضم أكبر عدد من اللاجئين، لم تحذو حذو دول الغرب في هذا الاتجاه، بل على العكس، قامت بفتح المدارس للسوريين باللغة العربية منذ البداية، ولكافة المراحل التعليمية، وقامت بتوظيف المعلّمين السوريين في تلك المدارس، وكذلك فعلت بالنسبة للمرحلة الجامعية، إذ عمدت إلى إضافة التدريس باللغة العربية في بعض الجامعات وخاصة في الولايات الجنوبية التي احتضنت الغالبية من السوريين (غازي عينتاب، ماردين) على سبيل المثال لا الحصر.
أما ما يخدم عملية الاندماج، فقد أنجزت العديد من الدورات المجانية لتعليم اللغة التركية، من أجل تيسير الأمور الحياتية والمعاشية للاجئين للوصول إلى تحقيق عملية الإندماج بالمجتمع التركي بشكل سلس، ومنح الجنسية التركية لعدد كبير ممن استطاعوا الإندماج إن كان في التعليم، والاقتصاد وسوق العمل.
حجم التغول على الشعب السوري في أوروبا يصل إلى الجذور إذ أنّ عملية اقتلاعهم وتشتيتهم في بلاد اللجوء، ماتزال مستمرّة، وهذا يتطلّب جهداً مضاعفاً من النخب السياسية الثورية السورية، للتصدّي وبشكل عملي لكلّ ما يحاك للشعب السوري من محاولات سلخه عن هويته وثقافته، ومحاربة ما تقوم به إيران في الداخل السوري لاستبدال الهوية الدينية والثقافية لمن تبقوا تحت سيطرة النظام والمليشيات الطائفية، عبر حملات التشيّع وبناء الحوزات والمقامات في معظم المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
المصدر: صحيفة اشراق