رياض الزين
لم تكن نفحات البرد التي بدأت تسود الأجواء الليلية في جنوب سوريا سوى إيذان باقتراب فصل الشتاء وتذكير بمعاناة جديدة قادمة، بحسب تعبير أهالي مناطق بين دمشق وحدود الأردن.
«هذا الشتاء قاسٍ»، بهذه الكلمات بدأ البالغ من العمر 50 عاماً حديثه. وتابع؛ بدأ البرد وبدأت الأهالي بالتحضيرات الشتوية والاستعداد لإقبال الشتاء، ومع شح توفر مادة الديزل (المازوت) للتدفئة يقلق معظم العائلات من عدم قدرتهم على شراء المازوت من السوق السوداء، التي تباع بها المحروقات بضعفي السعر المحدد من قبل الوزارة المختصة في سوريا، بـ180 ليرة سورية للتر الواحد (الدولار الأميركي يسوي نحو 700 ليرة)، بل إن كثيراً من تجار المحروقات بدأوا بسحب كميات كبيرة من المازوت لتخزينها وبيعها خلال الشتاء بأضعاف سعرها الحقيقي، كما يحصل في كل عام، حيث وصل سعر اللتر الواحد من مادة المازوت في الشتاء الماضي في السوق الحرة إلى 850 ليرة سورية، ما يثقل الأعباء على العائلات في فصل الشتاء، ويجعل توفير وسائل التدفئة هاجساً لدى رب الأسرة، وخاصة أصحاب الدخل المحدود، وقدرتهم محدودة على توفير مستلزمات فصل الشتاء التي ارتفعت أسعارها باطراد.
وقال مواطن آخر من سكان جنوب سوريا إن الوزارة المختصة قالت في وقت سابق إنه تم تحديد كمية المازوت المخصص للتدفئة الذي سيقدم لكل عائلة في سوريا بـ600 لتر في هذا الشتاء، ورغم أن التوزيع بدأ في بعض مناطق درعا والقنيطرة؛ حيث وزعت كمية 100 لتر لكل عائلة بالسعر المحدد من قبل الحكومة، وإن بقيت الكمية ستوزع في مراحل مقبلة ريثما يتم تغطية المناطق والعائلات كافة، إلا أن الأهالي تخشى من شتاءٍ قاسٍ، تطول به فترة انتظار الكميات المحددة، وتتضاعف فيه معاناتهم، ويزداد عوزهم لإمدادات التدفئة، في ظلّ تردي الأوضاع المادية، وتضاعف أسعار المحروقات في السوق الحرة حيث يباع اللتر الواحد من المازوت حالياً بـ500 ليرة سورية، أي أن سعر البرميل من المازوت يبلغ 100 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ كبير لا تستطيع العائلات محدودة الدخل توفيره بشكل شهري مع متطلبات ومستلزمات الحياة الثانية.
ويرى علاء من ريف درعا أن معظم الأهالي سيعتمدون على الحطب في التدفئة؛ حيث بدأ كثير من العائلات في تخزين الحطب، وجلّها عمل على قطع ما تبقى من أشجاره والتضحية بها لتوفير وسيلة تدفئ عائلته في الشتاء، بعد عجزها عن شراء المازوت والحطب الذي تضاعف سعره مع أول موجة للبرد حيث يصل سعر الطن الواحد من الحطب إلى 90 ألف ليرة سورية، وتحتاج كل عائلة أكثر من 3 أطنان من الحطب خلال فصل الشتاء، ما جعل من شراء الحطب أمراً مستحيلاً لدى كثيرين، واستعاضوا عن شرائه بقطع الأشجار من حقولهم لتوفير بعض الأحطاب، فضلاً عن شرائها، ولا سيما مع انخفاض أجور اليد العاملة، وضعف الدخل الشهري للعاملين والموظفين، إذ لا يتجاوز مستوى الدخل الشهري للعامل أو الموظف 30 ألف ليرة سورية.
وأضاف أبو جمال أنه رغم تحسن وضع الكهرباء وتقليص ساعات التقنين في مناطق جنوب سوريا بشكل كبير عن السابق، حيث كانت تصل الكهرباء إلى المنطقة مدة 4 ساعات في اليوم فقط، إذ باتت اليوم شبه مستمرة، لكن لا يمكن الاعتماد عليها في فصل الشتاء وسيلة للتدفئة، باعتبار أن نظام التقنين غير مستقر، وتخشى الأهالي من عودة التقنين لساعات طويلة في فصل الشتاء، إضافة إلى الأعطال المستمرة في المحولات الكهربائية خلال الشتاء، وفصلها عن العمل نتيجة الضغط الكبير والحمولة الزائدة عن طاقتها، باعتبار أن كثيراً من الأهالي يستغل التيار الكهربائي لإشعال وسائل التدفئة الكهربائية وتوفير ما لديه من المازوت أو الحطب خلال ساعات الكهرباء المحددة، فبات الاعتماد على الكهرباء وسيلة للتدفئة خياراً مستبعداً بسبب الخوف من انقطاعها أو تقنينها يومياً، إضافة إلى أنها تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، يعجز أبو جمال وكثيرون مثله عن تسديد فواتيرها.
لم يكن أبو أحمد الوحيد الذي شعر بناقوس الخطر الذي بدأ يدق مع اقتراب فصل الشتاء. أيضاً عامر ذو الأربعين عاماً رب أسرة لـ3 أولاد، شعر به أيضاً، وقال؛ حاله حال كثير من العائلات في المنطقة، من حيث عدم القدرة على شراء المازوت والحطب، إضافة إلى العجز عن توفير كسوة الشتاء الجديدة للأطفال لغلاء ثمنها، والاعتماد على كسوتهم القديمة، حيث يصل سعر اللباس الشتوي للطفل، مؤلفاً من قطعتين من الصوف الصناعي، إلى 4 آلاف ليرة سورية، بينما أسعار الكسوة الشتوية للرجال والنساء باهظة؛ حيث يصل سعر المعطف الشتوي إلى 15 ألف ليرة سورية أو أكثر، ما يزيد معاناة رب الأسرة في توفير الكسوة الجديدة لأولاده، وخاصة من لديه أكثر من طفل أو يافعون.
وأضاف سنلتحف ملابس وأغطية نملكها منذ أعوام، اهترأت بسبب الاستعمال المستمر، ولا سيما مع الأعباء المادية في توفير وسائل التدفئة في كل شتاء.
وفيما يعتبره كثيرون «فصل الخير»، ينظر آخرون إلى الأعباء الجديدة، التي يحملها هذا الفصل، الذي سيتسلل برده بين المفاصل الجدارية والنوافذ، مخترقاً كل شقّ في منزلك، ما يدفع للتحضير والاستعداد لقدومه، غير آبهٍ بظروف وحالة الناس، بعد أن أصبح تأمين وسائل التدفئة حكراً على الطبقة الغنية لارتفاع أسعارها.
المصدر: الشرق الأوسط