منهل باريش
تغيرت خريطة الصراع في سوريا بشكل لافت. وشهد العام أحداثا كبيرة، حيث اعتبر عام القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في آخر معاقل سيطرته الجغرافية في منطقة الباغوز أقصى شرق سوريا. وتمكنت القوات الأمريكية من القضاء على قائد التنظيم أبو بكر البغدادي في منطقة باريشا قرب حارم في محافظة إدلب، بعد عملية إنزال جوي.
وشن النظام السوري برعاية روسية هجوما بريا على ريف حماة الشمالي أسفر عن خسارة كامل الريف إضافة إلى مدينة خان شيخون. وبدأت تركيا عملية عسكرية سمتها “نبع السلام” قرب شريطها الحدودي داخل الأراضي السورية بعمق 30 كم وامتدت من مدينة تل أبيض إلى رأس العين. ومع العملية قررت أمريكا إعادة انتشارها في سوريا وتخلت عن أجزاء كبيرة من منطقة شرق الفرات لصالح روسيا والنظام السوري، وانتهت العملية باتفاق روسي تركي يضمن انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من كامل الشريط الحدودي. لكن هذا الاتفاق ما زال طور التنفيذ ولم يرض عنه اردوغان ووجه نقدا دائما له وللدرويات العسكرية الروسية التركية المشتركة.
وأعادت القوات الأمريكية انتشارها شرقي محافظتي الحسكة ودير الزور، وركزت جهودها في المناطق النفطية لمنع النظم السوري من الاستفادة منه، ومنع تنظيم “الدولة الإسلامية” من السيطرة على حقول النفط مجددا. وأمنت السجون والمخيمات التي تضم أهالي المقاتلين وخصوصاً مخيم الهول شرقي محافظة الحسكة. ونقلت القوات الأمريكية القيادات البارزة في التنظيم إلى سجن جديد أقامته في حقل العمر النفطي، أكبر الحقول السورية.
هزيمة تنظيم “الدولة”
أحكمت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” سيطرتها على مخيم الباغوز، في 20 آذار (مارس) الماضي بعد نحو عشرين يوماً من الهجوم الأخير على آخر معاقل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” وأجلت قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر عناصر “الوحدات” الكردية عمودها الرئيسي، أجلت ما يقارب 20 ألف طفل وامرأة من عوائل مقاتلي التنظيم وتم فصلهم عن المقاتلين الجرحى ومصابي الحرب السابقين، حيث نقل الرجال إلى سجون خاصة للتحقيق فيما نقلت النسوة والصغار إلى مخيم الهول شرقي الحسكة.
ومع تلك الهزيمة بدأ نشاط الخلايا الأمنية أو الولايات الأمنية حسب البنية التنظيمية في “الدولة” حيث يرتبط كل أفراد دولة الخلافة بمسؤول أمني محلي يتبع بدوره إلى مسؤول أعلى فمسؤول الولاية. ومع تلك المرحلة انتقل عمل التنظيم إلى شكل مختلف، يعتمد على الاغتيالات والهجوم المباغت وفرض أتاوات على المدنيين في مناطق عمل الخلايا من خلال التهديد والترهيب، بهدف إعادة تمويل التنظيم مادياً. وسهلت تلك الولايات انتقال أبو بكر البغدادي وعدد من مرافقيه إلى شمال غرب سوريا، كما سهلت انتقال عدد من الشرعيين والولاة ومسؤولي التفخيخ. وأفضى تحرك الكوادر العراقيين في شمال وشمال غرب سوريا إلى كشف خيوط تحرك زعيم تنظيم “الدولة” وتعقبه وصولا إلى مكانه الأخير. وحددت المخابرات الأمريكية شخصية البغدادي، قبل الهجوم على مقر إقامته والقضاء عليه وسحب جثته ومن ثم تدمير منزله، بتاريخ 29 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي أي بعد سبعة أشهر من نهاية التنظيم في مخيم الباغوز.
المعارضة تخسر ريف حماة الشمالي
يعتبر الهجوم الذي شنه النظام السوري وحليفه الروسي بداية التحول بالنسبة لمناطق “خفض التصعيد” التي أقرتها روسيا وتركيا في أيار (مايو) 2017. والتي تعززت من خلال اتفاق الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان في قمة سوتشي في 17 أيلول (سبتمبر) 2018. وانتهى الهجوم بسيطرة قوات النظام والمرتزقة الروس واسناد من الميليشيات الإيرانية بالسيطرة على كفرنبودة واللطامنة وقلعة المضيق وخان شيخون بعد أربعة أشهر من بدء العملية، حيث حاصر النظام خان شيخون في 21 آب (اغسطس) الماضي. وحوصرت نقطة المراقبة التركية في مورك بعد عملية الإلتفاف تلك. وما زالت متمركزة في مناطق سيطرة النظام حتى اللحظة وتقوم القوات التركية بإرسال الإمدادات لها برا بتنسيق مع الشرطة العسكرية الروسية التي أنشأت نقطة إلى جوارها.
عملية “نبع السلام” العسكرية
أعلن الرئيس التركي عن بدء عملية نبع السلام في التاسع من تشرين الأول (اكتوبر) الماضي وشملت المستطيل الحدودي مع سوريا والممتد بين رأس العين وتل أبيض قرب الحدود شمالا، وطريق حلب -القامشلي (ام 4) جنوبا. وانطلقت العملية بعد موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس اردوغان. وبعد أيام على بدء الهجوم أعلن ترامب سحب قواته من “حرب سخيفة”. ما دفع الوحدات الكردية إلى إبرام اتفاق مع النظام السوري، قلبت من خلاله الطاولة على الأطراف جميعاً. ولاقت “نبع السلام” انتقادات كبيرة في مركز صناعة القرار الغربية وخصوصا في واشنطن.
وبعد أقل من عشرة أيام على بدء المعركة، وصل وفد أمريكي رفيع يتزعمه نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس العاصمة أنقرة وتمكن خلالها من إبرام اتفاق مع الرئيس اردوغان في 17 تشرين الأول (اكتوبر) ينص على تفويض أمريكي لتركيا بإنشاء المنطقة الآمنة، مقابل انسحاب القوات الكردية في مدة 120 ساعة. ولم يحدد الإتفاق طول وعمق المنطقة المزمع انشائها.
وبعد أيام قليلة تمكن اردوغان من عقد اتفاق سوتشي مع بوتين، في 23 تشرين الأول (اكتوبر). يقضي بانسحاب الوحدات الكردية إلى ما بعد عمق 30 كم وتسيير دوريات عسكرية مشتركة.
ومع هذه التطورات، بدأت قوات لنظام السوري بالانتشار في عدد من المناطق شرقي نهر الفرات، فيما انسحبت الوقات الأمريكية تدريجيا وحددت منطقة نفوذها غربا من طريق دير الزور-الحسكة او ما يعرف محليا “طريق الخُرافي” وصولا إلى جنوب الحسكة وشرق القامشلي والسيطرة على كامل الحقول النفطية في مثلث الحدود العراقية السورية التركية. وعززت انتشارها على الضفة اليسرى لنهر الفرات، في مواجهة الميليشيات الإيرانية المتمركزة على الضفة الأخرى (ضفة الشامية).
اللجنة الدستورية
توافقت الأطراف الدولية والإقليمية نهاية شهر تشرين الأول (اكتوبر) على أسماء أعضاء اللجنة الدستورية المكونة من 150 عضوا، وتم اختيار هيئة مصغرة مؤلفة من 45 عضوا، 15 عن وفد النظام و15 عن المعارضة و15 عن أعضاء المجتمع المدني. وجرت الاجتماعات الأولى في مقر الأمم المتحدة في جنيف، فيما فشلت اللجنة في عقد الاجتماعات في الجولة الثانية، في 26و 27 تشرين الثاني (نوفمبر). وعلمت “القدس العربي” أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون “أبلغ الأعضاء أن موعد الجلسة المقبلة غير محدد وأنه سيتم تبليغهم بالموعد في حال توافقت الأطراف من خلال الرئيسين المشتركين”.
“المستقلين” في الرياض
دعت وزارة الخارجية السعودية عدد قرابة الثمانين عضواً من المستقلين من أجل إعادة ترتيب كتلة ما يعرف بـ”المستقلين” في الهيئة العليا للمفاوضات والذين يبلغ عددهم ثمانية أعضاء، في تجاوز واضح لدور رئاسة الهيئة، ما دفع نصر الحريري إلى عقد مؤتمر صحافي عبر من خلاله عن استنكاره لما حصل، معتبرا أن لا سند قانونيا للاجتماع الحاصل، حيث لم توجه الخارجية دعوة له لحضور الاجتماع وانسحب الأمر على باقي الكتل المكونة للهيئة كالائتلاف الوطني ومنصتي القاهرة وموسكو وهيئة التنسيق. وفسر غالبية المتابعين أن ما حصل هو بمثابة انقلاب وتصفية حسابات إقليمية تريد إبعاد الائتلاف المحسوب على تركيا من مركز صناعة القرار داخل الهيئة.
ومع كل الخسائر والتحولات، يشن تحالف روسيا والنظام هجوما على أكبر معاقل المعارضة السورية في محافظة إدلب. حيث بدأ التحالف بعملية قضم جديدة في شرق إدلب بهدف السيطرة على طريق حلب-دمشق الدولي. وسيطر النظام على أكثر من اربعين بلدة وقرية في الهجوم الذي بدأ مطلع شهر كانون الأول(ديسمبر). وتبقى عقبة مدينتي معرة النعمان وسراقب أبرز الصعاب أمام قوات النظام السوري. وفي إحصائية للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، ذكرت أن قرابة 235 ألف مدني نزحوا من بيوتهم نتيجة الهجوم العسكري والقصف الروسي المركز على المدن والبلدات والمنشآت الحيوية والمشافي. في حين، فشلت المفاوضات الروسية التركية الجارية في روسيا، بسبب رفض هيئة “تحرير الشام” الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح الثقيل وتسليم الطرق الدولية للنظام والروس.
المصدر: القدس العربي