استخدمت روسيا قوتها العسكرية وتفاهماتها مع دول بينها تركيا لتعزيز «مكاسبها» في سوريا، وكانت «الرابح الأكبر» في العام الماضي، بحيث إنها أعادت قوات النظام إلى شرق الفرات وأقامت قاعدة في القامشلي شمال شرقي سوريا، إضافة إلى تعزيز تقدم قوات النظام في جنوب شرقي إدلب، ضمن مناطق خاضعة لتفاهمات روسية – تركية، ما رفع مناطق الحكومة إلى أكثر من 72 في المائة من مساحة سوريا البالغة 185 كلم مربع.
وأفاد مصدر مطلع أمس، بأنه وثق في الشهر الـ51 من التدخل العسكري الروسي «مقتل 67 مدنياً بينهم 20 طفلاً، جراء الغارات الروسية، كما قضى وقتل 40 مقاتلاً من الفصائل المقاتلة جراء ضربات جوية روسية على مواقعها في جبال الساحل وريف إدلب».
بذلك، بلغت حصيلة الخسائر البشرية 19274 منذ 30 سبتمبر (أيلول) من عام 2015، بينهم 8427 مدنياً منهم 2040 طفلاً.
في 30 سبتمبر 2015، منح مجلس الاتحاد الروسي تفويضاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانخراط العسكري في سوريا، حيث أعلن وقتها أن التدخل الروسي سيقتصر على الضربات الجوية من أجل هزيمة تنظيم «داعش» والمتطرفين في «الحرب الشرعية التي يخوضها الجيش السوري ضد تلك الجماعات، بطلب من رئيس النظام بشار الأسد».
وبدأت القوات الروسية على الفور بشن ضربات جوية على مواقع تابعة لتنظيم «داعش»، وفقاً لما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، لتنطلق بعدها سلسلة من الضربات والغارات والمساعدات العسكرية والسياسية للنظام أفضت إلى استعادة النظام السيطرة على نحو 71.7 في المائة من إجمالي الأراضي السورية، بعد أن كان يسيطر على نحو 10 في المائة منها.
التطورات التي شهدها عام 2019، أفضت في نهاية المطاف إلى سيطرة روسيا وقوات النظام – حتى 30 ديسمبر (كانون الأول) 2019 – على مساحة 132750.8 كلم مربع، أي ما يعادل نحو 71.7 في المائة من إجمالي الأراضي السورية، حيث استعادها النظام من خلال المساعدات الروسية المقدمة إليه؛ سواء على المستوى العسكري أو المستوى السياسي من خلال الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع تركيا عبر اتفاقات آستانة وسوتشي. ووفقاً لإحصائيات «المرصد السوري»، فإن الأشهر الـ12 الماضية، شهدت مقتل 439 مدنياً سورياً، هم: 245 رجلاً و81 امرأة و104 أطفال، بالإضافة إلى مقتل 728 من مقاتلي الفصائل، وعدد القتلى الذين سقطوا بنيران روسيا منذ بدء مشاركتها في الحرب السورية في 2015، بلغ 19274 شخصاً من بينهم 8427 مدنياً.
إدلب
كان شهر أبريل (نيسان) 2019، بمثابة نقطة تحول على مسرح الأحداث في إدلب مع بدء التصعيد الأعنف على الإطلاق، حيث تمكنت قوات النظام من السيطرة على ما لا يقل عن نحو 115 منطقة على مرحلتين؛ الأولى 70 منطقة بدعم روسي براً وجواً خلال الفترة الممتدة من نهاية شهر أبريل، وحتى مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول).
وكانت المرحلة الثانية لاستعادة السيطرة على 115 منطقة، هي تلك التي انطلقت في 17 ديسمبر، حيث أطلقت القوات الروسية وقوات النظام عملية عسكرية جديدة على إدلب، تعدّ من بين الأعنف على الإطلاق، ومنذ ذلك الحين – أي خلال 14 يوماً – سيطرت قوات النظام على 45 منطقة جديدة.
ووفقاً لإحصاءات المصدر، فإنه على مدار تلك الفترة، فقدت قوات النظام 129 من مقاتليها ومقاتلي الميليشيات الموالية لها، في حين سقط 165 قتيلاً من مقاتلي الفصائل من بينهم 33 من الفصائل المعارضة، بينما البقية من الفصائل المتطرفة. ومنذ بدء التصعيد الذي تنفذه قوات النظام المدفعية وطائراته الحربية والمروحية والطائرات الحربية الروسية، وثق «المرصد السوري» مقتل 80 مدنياً.
وبسبب حدة القصف، أجبر نحو 105 آلاف مدني على النزوح من منازلهم ومناطقهم خلال الأيام الـ14 الماضية منذ 17 ديسمبر، وهو ما يعني أن عدد النازحين من تلك المناطق منذ مطلع الشهر الحالي، ارتفع إلى أكثر من 160 آلاف مدني.
شمال سوريا
منذ لحظة انطلاق العملية العسكرية التركية في الشمال السوري في 9 أكتوبر (تشرين الأول)، تقدمت القوات التركية والفصائل الموالية بغطاء جوي وبري مكثف في إجمالي مساحة تقدر بـ4875 كلم، أي 9.2 في المائة من إجمالي مساحة المناطق التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية».
وفي الوقت نفسه، دخلت قوات النظام بموجب اتفاق بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) والنظام بوساطة روسية، إلى منطقة تقدر مساحتها بـ18821 كلم مربعاً؛ 35.6 في المائة من إجمالي سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التي فقدت السيطرة على 23641 كلم، بعد أن كانت تسيطر على مساحة قدرها 52916 كلم؛ 28.6 في المائة من إجمالي مساحة سوريا، قبل انطلاق العملية العسكرية «نبع السلام»، ما يعني أن «قسد» لم تعد تسيطر سوى على 15.7 في المائة من مساحة سوريا.
كان قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من شمال سوريا في 6 أكتوبر، إيذاناً ببدء العملية العسكرية التركية لإعادة ترتيب خريطة التحالفات والنفوذ في المنطقة بالكامل، حيث أدى الانسحاب الأميركي إلى لجوء قوات سوريا الديمقراطية إلى روسيا و«النظام» لنشر القوات النظامية على الحدود مع تركيا في مقابل انسحاب قواتها من تلك المنطقة.
ومع انسحابات «قسد» المتتالية وفقاً للاتفاق الروسي – التركي الذي جرى التوصل إليه في سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، بدأت معالم السيطرة تتضح يوماً بعد يوم. حيث وحتى اللحظة باتت المنطقة الممتدة من القامشلي إلى عين ديوار تحت النفوذ الأميركي، بينما المنطقة الممتدة من القامشلي إلى رأس العين (سري كانييه) ومن تل أبيض إلى عين العرب (كوباني) تحت النفوذ الروسي، بينما المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض تخضع للنفوذ التركي والفصائل الموالية لها، في الوقت الذي تشهد فيه محاور بمنطقة أبو راسين وريف تل تمر الواصل إلى رأس العين اشتباكات متجددة بين «قسد» والفصائل الموالية لأنقرة، حالها كحال المنطقة الواقعة بين عين عيسى وتل أبيض.
ووفقاً لما رصده «المصدر» على مدار الشهرين الماضي والحالي، أفضت اتفاقات سوتشي بين روسيا وتركيا إلى دخول قوات النظام إلى مناطق كثيرة للمرة الأولى منذ سنوات عدة منذ أن انسحبت منها وتركتها، حيث انتشرت قوات النظام في الريف الشرقي لمدينة القامشلي، للمرة الأولى منذ 7 سنوات، على طول المنطقة الممتدة من القامشلي حتى القحطانية بمسافة أكثر من 20 كلم. وجرى كل ذلك وفقاً لاتفاق روسي – تركي – أميركي، أعاد مناطق كثيرة شمال وشمال شرقي سوريا إلى سيطرة النظام، وفقاً لاتفاق أبرمته «قوات سوريا الديمقراطية» مع النظام وروسيا من أجل مواجهة العملية العسكرية التركية «نبع السلام».
كما رصد «المصدر»، انتشار قوات النظام في كامل ريف الدرباسية الغربي وشمال منطقة أبو راسين (زركان) وعين عيسى وريف عين العرب (كوباني) وريف منبج، ناهيك بسيطرة روسيا على 5 قواعد سبق أن كانت قواعد للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، قبل أن تنسحب منها قوات التحالف وفقاً لقرار ترمب.
ووفقاً لمعلومات، فإن النظام السوري اتفق على تأجير مطار القامشلي للقوات الروسية لمدة 49 عاماً لاتخاذه مقراً للقوات الروسية على غرار ما حدث في قاعدة حميميم، حيث رصد «المصدر»، بدء القوات الروسية في نقل عدد من المروحيات من حميميم إلى مطار القامشلي على الحدود مع تركيا، ضمن إجراءات روسيا لتأمين عمل الشرطة العسكرية التي تقوم بدوريات بشمالي سوريا في إطار الاتفاق الروسي – التركي. وتم نشر منظومات الدفاع الجوي «بانتسير» في المطار لحماية المروحيات، حيث هبطت مروحية للنقل العسكري من نوع «مي – 8» في المطار، فيما تعمل مروحيتان من نوع «مي – 35» على تأمين المطار من الجو.
المصدر: الشرق الاوسط