سامي خليفة
يطرح مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، عدة أسئلة محورية تتعلق بحدود رد حزب الله على عملية الاغتيال، وبمستقبل التأثير الأميركي والإيراني في منطقة الشرق الأوسط، على خلفية التوتر المتصاعد، واتباع واشنطن سياسة الاغتيالات لتحسين شروط المفاوضات، بينما يدق الرئيس الأميركي دونالد ترامب طبول الحرب، متوعداً إيران إذا أضرت بالمصالح الأميركية.
تحذير لنصر الله
يفتخر الرئيس الأميركي بأنه لا يمكن التنبؤ بخطواته. ويرى ذلك عامل قوة، وينتقد كثيرون في الولايات المتحدة حقيقة أنه لا توجد استراتيجية حقيقية أو إطار عمل مشترك. لذلك يتم اتخاذ القرارات التكتيكية من الفراغ، أو تكون غير مرتبطة بأهداف الأمن القومي الأميركية الأوسع.
وانطلاقاً من خطوات تصعيدية قد يقدم عليها ترامب في مقبل الأيام، أشارت القناة 13 الإسرائيلية، إلى أن إيران حذرت أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، من أنه قد يكون الهدف التالي للولايات المتحدة. ونصحته بتعزيز الإجراءات الأمنية بعد أن قتلت الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني في 3 كانون الثاني الجاري.
كما زعم تقرير القناة الإسرائيلية أن إسرائيل نظرت مراراً وتكراراً في قتل سليماني منذ عام 2011، وسنحت لها العديد من الفرص للقيام بذلك. لكنها لم تتصرف، بسبب المخاوف من الرد الانتقامي من إيران وحزب الله.
وتعليقاً على التقرير، أشار يوآف غالانت، وهو عسكري سابق وسياسي إسرائيلي يمثل حزب الليكود، إلى أن الشخصية الأبرز المتبقية على لائحة الاغتيالات الأميركية في الشرق الأوسط بعد أبو بكر البغدادي وقاسم سليماني، هي بلا شك نصر الله. وبالتالي فإن تقييم إيران الحالي من البديهي أن يشير إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر.
الرد في أميركا اللاتينية؟
يعتقد الأميركيون أن الرد الإيراني ليس سوى الدفعة الأولى من الحساب. ويفترضون أن حزب الله سيقوم بعمل انتقامي قد تكون ساحته أميركا اللاتينية. وفي هذا السياق، قالت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأميركية، أن الخبراء والساسة في الولايات المتحدة، لطالما أصدروا تحذيرات بشأن حزب الله، وغيره من التنظيمات، التي تشكل تهديداً خطيراً في أميركا اللاتينية.
واكتسبت مهمة تقييم المخاطر الحالية، حسب الصحيفة، طابعاً ملحّاً جديداً هذا الأسبوع، عندما تعهدت إيران بالانتقام لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وقد علق إيمانويل أوتولنغي، وهو زميل في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، بالقول: “لن أتفاجأ إذا وقع هجوم في أميركا اللاتينية، إذ أن مستوى التهديد ارتفع بشكل واضح”.
المخاوف بشأن انتقام حزب الله في أميركا اللاتينية لها أسس تاريخية؛ فبدعم من إيران، يُعتقد أنه نفذ تفجيرين داميين في الأرجنتين في تسعينات القرن الماضي، استهدفا مركز الجالية اليهودية والسفارة الإسرائيلية، وأسفرا عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة المئات.
تهديد مبالغ فيه
يجادل بعض الخبراء، كما تشير الصحيفة، بأن هذه التحذيرات مبالغ فيها. ويقولون إن الحزب ليس له هيكل منظم في أميركا الجنوبية. ومن المحتمل أنه لا يملك القدرة على شن هجمات كبيرة. كما يضيفون أن الحزب قد يشارك في عمليات تهريب أو غسيل أموال بالمنطقة، لكن كثيراً من الناس الذين وجهت إليهم اتهامات تتعلق بمثل تلك الأنشطة يبدون كمجرمين ساذجين، وأن الاشتباه بصلتهم بالإرهاب ترجع بسبب أصولهم الشرق أوسطية.
من جهته، قال فرناندو برانكولي، الأستاذ بجامعة ريودي جانيرو الفيدرالية، للصحيفة، إن حزب الله قد يستخدم هذه المنطقة على نطاق ضيق في غسيل الأموال، لكن التهديد الحالي الذي يتداول في وسائل الإعلام الأميركية مبالغ فيه.
استنفار في نيويورك
بدوره، نقل معهد “أتلانتيك كاونسيل” الأميركي، عن مسؤوليّن سابقيّن في قسم الاستخبارات في إدارة شرطة نيويورك، مكلفيّن بتقييم احتمال قيام إيران وحزب الله بالانتقام في مدينة نيويورك، قولهما بأن هناك سبباً مهماً لليقظة الشديدة في المدينة الأميركية.
في عام 2017، قال نيكولاس راسموسن، المدير السابق للمركز القومي الأميركي لمكافحة الإرهاب، أن الحزب اللبناني مصمم على إدخال الأراضي الأميركية في صلب معركته العسكرية والسياسية. لذلك يرى المعهد، بأن الأجهزة الاستخباراتية تأخذ بعد اغتيال سليماني هذا الأمر على محمل الجد.
إن ما يثير المخاوف الأمنية في مدينة نيويورك هو ثلاث عمليات اعتقال حديثة ومنفصلة لـ”عملاء حزب الله” في المدينة. هذه الاعتقالات التي قامت بها شرطة نيويورك وفرقة العمل المشتركة المعنية بالإرهاب، كانت مرتبطة بمنظمة الأمن الخارجي التابعة لحزب الله، واعتقل فيها على التوالي: علي كوراني الذي جمع معلومات حول أهداف محتملة داخل الولايات المتحدة، وسامر الدبق الذي تلقى تدريبات على التكتيكات العسكرية الأساسية، والتعامل مع مختلف أساليب الأسلحة والمراقبة، وأليكسي صعب الذي خدم كضابط في حزب الله وأجرى مراقبة للمواقع، كاستعداد لهجمات مستقبلية محتملة ضد الولايات المتحدة.
رمز القوة الأميركية
يعتبر الحزب، حسب المعهد، مدينة نيويورك هدفاً مميزاً للهجمات الإرهابية المحتملة، حيث يُنظر إليها على أنها الرمز النهائي للقوة الأميركية. والأهم من ذلك، هناك تشابه ملحوظ بين مدينة نيويورك والعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. حيث يوجد في المدينتين تجمعات سكانية لبنانية شيعية كبيرة، يمكن للخلايا النائمة أن تتوغل فيها، كما أن وجود بعثة إيران للأمم المتحدة في مدينة نيويورك يسمح لمسؤولي وزارة الاستخبارات الإيرانية بالعيش والعمل في نيويورك بغطاء دبلوماسي رسمي.
ويقول المعهد أنه بين عاميّ 2002 و 2010، اكتشفت شرطة نيويورك والسلطات الفيدرالية ما لا يقل عن ستة حوادث تورط فيها موظفون دبلوماسيون إيرانيون، تم تقييمهم على أنهم يقومون باستطلاع عدائي في المدينة.
مع وضع كل هذا في الاعتبار، وكذلك التحقيقات السابقة في شعبة الاستخبارات في شرطة نيويورك، يجزم المعهد نقلاً عن معلومات موثوقة أن تهديد حزب الله بالانتقام في مدينة نيويورك يشكل تهديداً حقيقياً يجب التعامل معه بيقظة شديدة. خصوصاً أن نصر الله، كان قد صرح بأنه سيواصل السير على طريق قاسم سليماني، ودعا ناشطي حزب الله على الصعيد العالمي إلى تنفيذ “العقوبة المناسبة”، مشيراً إلى أن هذا سيكون مسؤولية ومهمة كل مقاتلي المقاومة في جميع أنحاء العالم.
المصدر: المدن