أمين العاصي
يكتنف الغموض الهدنة الجديدة في الشمال الغربي من سورية التي بدأت ليل السبت الأحد، باتفاق روسي ـ تركي، وسط ترقب حول صمودها وما إذا كان مصيرها سيكون مشابهاً لما حصل في فترات سابقة، إذ شهدت محافظة إدلب ومحيطها هدناً عدة، لم يلتزم بها النظام إلى جانب روسيا. واستبق النظام وروسيا بدء سريان الهدن بارتكاب مجزرة جديدة، إذ قتل ما لا يقل عن 17 مدنياً وجرح العشرات جراء غارات النظام وروسيا أمس. كذلك تأتي الهدنة عشية جولة مباحثات روسية تركية جديدة في موسكو، غداً الاثنين، سيكون الملف السوري حاضراً فيها بقوة، وفي أعقاب المباحثات الأميركية التركية بشأن سورية في اليوميين الماضيين.
ولا تنظر فصائل المعارضة السورية بعين الرضا إلى الهدنة الجديدة، التي تبدو وكأنها “خدعة” روسية جديدة كي تلتقط قوات النظام أنفاسها لمواصلة قضم مزيد من المناطق في محافظة إدلب، في حال عدم التوصل إلى اتفاق مرضٍ مع الأتراك، في ظل معلومات عن ضغط أميركي على الجانب الروسي للحيلولة دون تقدم قوات النظام إلى عمق محافظة إدلب لإخضاعها.
وقبل ساعات من حلول موعد وقف إطلاق الجديد عند منتصف ليل السبت – الأحد، كثفت طائرات النظام السوري من غاراتها على مناطق مختلفة من شمالي غرب سورية، فقُتل 17 مدنياً وأصيب العشرات. وأفاد مصدر من الدفاع المدني لـ”العربي الجديد” بأن طائرات استهدفت الأحياء الشرقية من مدينة إدلب، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين وإصابة نحو 40. وأضاف أن قصفاً مماثلاً طاول مدينة بنش القريبة، وأسفر عن مقتل أربعة مدنيين معظمهم نساء، وإصابة نحو 10 آخرين بجراح متفاوتة. كذلك طاول القصف بلدة النيرب، واستهدف المنازل السكنية، وأدى إلى مقتل أربعة مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة نحو 10 معظمهم أطفال ونساء. وتعرّضت بلدتا سرمين وخان السبل في ريف إدلب للقصف، كما ألقت مروحيات النظام البراميل المتفجرة على مدينة معرة النعمان ومحيطها في جنوب إدلب.
وأفادت مصادر محلية بأن طائرات النظام المروحية قصفت بالبراميل المتفجرة محيط بلدة تلمنس، بينما قصفت الطائرات الحربية بالصواريخ بلدة خان السبل بريف إدلب الجنوبي الشرقي. وطاول القصف المروحي والحربي أطراف بلدات كفربطيخ وخان السبل ومعردبسة في ريف إدلب الجنوبي. وقصفت قوات النظام جبل شحشبو في سهل الغاب شمالي غرب حماة، كما قصفت بصواريخ أرض – أرض شديدة الانفجار بلدتي سرجة وبنين بجبل الزاوية في ريف إدلب.
من جهتها، أكدت مصادر في الفصائل السورية، لـ”العربي الجديد”، أن الطيران الروسي قصف المنطقة المحيطة بالمركز الثقافي في قلب مدينة إدلب، بعد غياب الطيران عنها منذ أكثر من شهر، مؤكدة مقتل وإصابة عدد من المدنيين بالقصف.
وفي تطور ميداني بارز، ذكرت مصادر في الفصائل أن مليشيات تابعة لقوات النظام استهدفت بصاروخ “كورنيت” نقطة المراقبة التركية في جبل عندان بريف حلب الشمالي الغربي، من نقطة تمركز هذه القوات في محيط قرية الطامورة. وأكد موقع “بلدي نيوز” الإخباري المعارض سقوط جرحى في صفوف القوات التركية، التي ردّت بقصف مدفعي على مواقع النظام في القرية المذكورة. وتحاصر قوات الأسد نقطتين من 12 نقطة مراقبة للجيش التركي في محيط محافظة إدلب، هما نقطة مورك في ريف حماة الشمالي، ونقطة الصرمان في ريف إدلب الشرقي.
وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت، في بيان لها مساء الجمعة، أن الجانبين التركي والروسي اتفقا على وقف إطلاق نار بمنطقة “خفض التصعيد” في إدلب اعتباراً من مساء السبت ـ الأحد، وفق التوقيت المحلي. وأشار البيان إلى أنّ “وقف إطلاق النار يشمل الهجمات الجوية والبرية، بهدف منع وقوع المزيد من الضحايا المدنيين ولتجنّب حدوث موجات نزوح جديدة وإعادة الحياة لطبيعتها في إدلب”.
وجاء الإعلان التركي عن وقف لإطلاق النار بعد يوم من قول وزارة الدفاع الروسية إن “وقف إطلاق نار” بدأ في إدلب، إلا أن طيران النظام واصل قصف عدد من البلدات والمدن في ريف المحافظة، ما أوحى بأن الاتفاق التركي الروسي الجديد لم يحل دون استمرار النظام بالتحشيد في ريف حلب الجنوبي والغربي. وفي السياق، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان وصول تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات النظام إلى مدينة حلب، تضم جنوداً وآليات عسكرية وأسلحة ثقيلة، بالتزامن مع وصول تعزيزات مقابلة للفصائل المقاتلة إلى جبهة حلب.
ولم تتضح بعد أبعاد ومدة الهدنة الجديدة في الشمال الغربي من سورية، في ظلّ الغموض المحيط بالاتفاق الروسي ـ التركي، الذي أكدت مصادر مطلعة أن مفاوضاتهما حول مصير محافظة إدلب ومحيطها لا تزال مستمرة، في مسعى لإرساء قواعد اتفاق دائم، ينهي الأعمال العسكرية، في المنطقة التي تضم نحو 4 ملايين مدني بانتظار تسوية شاملة للقضية السورية.
ومن الواضح أن الروس يريدون عودة “إعلامية” للنظام إلى مدن وبلدات وقرى محافظة إدلب من خلال رفع علم النظام وإدخال شرطة مدنية وبعض دوائر ومؤسسات الدولة، لكن الجانب التركي يعارض الرغبة الروسية في هذا الاتجاه. ويظل مصير “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) هو الملف الأكثر سخونة والأكثر استعصاء على الحل، في ظل مماطلة واضحة من “الهيئة” التي لا يزال قادتها يرفضون حلها والانصهار في فصائل المعارضة السورية. وتدرك أنقرة أن اجتثاث “الهيئة” بالقوة له تبعات سلبية ومخاطر جمّة، لذا تفضل التعامل “الناعم” مع هذا الملف في المدى المنظور، ولكن من المتوقع أن يصطدم الجانبان التركي والروسي، ولو بعد حين، في هذا الملف الشائك والمعقد.
من جهته، قال القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد مصطفى البكور، إن الهدنة لم تنفذ حتى الآن، على الرغم من أن الروس أعلنوا عنها من يوم الخميس الماضي. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أن الطيران الروسي قصف مدينة إدلب أمس السبت. ويوم الجمعة، قصفت 7 طائرات ريف إدلب.
وحول أبعاد وتفاصيل الهدنة، أشار البكور إلى أنه حتى اللحظة لا يوجد شيء رسمي يمكن الاستناد إليه، معرباً عن اعتقاده بأن “أي هدنة ليست بمصلحة الثورة السورية، خصوصاً بعد العمليات النوعية التي قمنا بها في الآونة الأخيرة”.
ولفت إلى أن الوقائع العسكرية أثبتت أن قوات النظام من دون الطيران الروسي ليست قادرة على الثبات على الأرض. كذلك أشار إلى أن الأحوال الجوية تحول دون قيام الطيران الروسي بتنفيذ غارات على الشمال الغربي من سورية، من هنا ربما طرحت روسيا الهدنة لتحقيق هدفين، الأول إيقاف عمليات الفصائل الثورية على الأرض، والثاني إحراج تركيا في حال التزام الفصائل بهذه الهدنة. ووفقاً للبكور فإن كل الهدن السابقة أدّت إلى تقوية وضع النظام العسكري واستعداده للتقدم إلى مناطق جديدة. ولفت إلى أن هدناً سابقة شهدت اقتتالاً بين الفصائل، ومن ثم فإنه ربما يكون من أهداف الروس إضعاف الفصائل من خلال خلق عداوات بينها. وكشف أن هناك معلومات عن ضغط أميركي لمنع أي تقدم للنظام والروس باتجاه إدلب.
من جانبه، أشار القيادي في الجيش الوطني السوري، التابع للمعارضة السورية، مصطفى سيجري، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “لا يوجد الكثير من التفاصيل حول الهدنة”. وعن تفسيره للحشود الكبيرة لقوات النظام ومليشيات تابعة لها في ريف حلب، على الرغم من إعلان الهدنة، قال سيجري إنه “ربما يؤكد هذا الأمر عدم التزام النظام بالهدنة”. وأضاف: “يفترض أن تشمل الهدنة كامل المنطقة”. وعن إمكانية صمود الهدنة، كشف أن “الاجتماعات بين تركيا وروسيا حول الشمال الغربي من سورية سوف تستمر”، مشيراً إلى أن الوفد التركي سيتوجه إلى العاصمة الروسية موسكو غداً الاثنين، وبناء على ما سيدور في الاجتماعات يمكن معرفة إن كانت الهدنة ستصمد أم لا. واعتبر أن الملف السوري يزداد تعقيداً كل يوم. أعتقد أنه لم يعد بالإمكان فصل الملف السوري عن الملف الليبي.
في هذه الأثناء، بحث المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، في مدينة إسطنبول، الملف السوري وأهم التطورات في المنطقة. وذكرت وكالة “الأناضول” أن قالن وجيفري عقدا لقاءً مغلقاً، أمس السبت، في المكتب الرئاسي بقصر “دولمة باهتشة” في إسطنبول، استمر ساعة و25 دقيقة. وتناول اللقاء التطورات الأخيرة في سورية، والأزمة الأميركية – الإيرانية وآخر التطورات المهمة في المنطقة. وجرى خلال اللقاء التأكيد على ضرورة استكمال تأسيس المنطقة الآمنة في إطار الاتفاق المبرم بين البلدين يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لضمان عودة السوريين إلى منازلهم بطريقة آمنة وطوعية وكريمة. وأشار الجانبان إلى ضرورة زيادة المبادرات الدبلوماسية من أجل الحيلولة من دون حدوث أزمة إنسانية وموجة نزوح نتيجة تصاعد الاشتباكات في إدلب. واتفقا على ضرورة أن يقدم المجتمع الدولي مزيداً من الدعم لأعمال اللجنة الدستورية وإجراء انتخابات حرة وعادلة وشفافة لضمان نجاح العملية السياسية في سورية. كذلك شدّد الجانب التركي خلال اللقاء على حزمه في مكافحة جميع العناصر الإرهابية، خصوصاً “داعش”، و”حزب الاتحاد الديمقراطي” و”الوحدات الكردية” و”حزب العمال الكردستاني”. وأعرب قالن عن هواجس تركيا إزاء احتمال زيادة الصراعات الجديدة والتطرف بسبب مناخ التوتر المتصاعد بالمنطقة. وكان جيفري قد التقى، يوم الجمعة، وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ونائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، في العاصمة أنقرة، بحضور السفير الأميركي في أنقرة ديفيد ساترفيلد. وأوضحت وزارة الدفاع التركية في بيان لها أن “الجانبين تبادلا وجهات النظر حول قضايا الأمن الإقليمي، وعلى رأسها ملف سورية”. وأفادت بأن “الاجتماع جرى بمشاركة نائب وزير الدفاع التركي يونس أمره قره عثمان أوغلو”، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى. وكان المسؤول الأميركي قد وصل إلى تركيا، مساء يوم الخميس الماضي، في إطار جولة لبحث آخر التطورات الإقليمية، على أن يتوجّه غداً الاثنين إلى السعودية، لعقد لقاءات مع مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى لبحث مستجدات الملف السوري.
وفي سياق آخر، صوّت مجلس الأمن، مساء الجمعة، لصالح قرار يتيح تسليم المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود التركية لمدة ستة أشهر، ما يعني تقليص عدد معابر إدخال المساعدات من أربعة معابر إلى معبرين فقط. وكان بالإمكان إدخال المساعدات الإنسانية من معابر الرمثا بين سورية والأردن، واليعربية بين سورية والعراق، ومعبري باب الهوى وباب السلامة على الحدود مع تركيا، قبل أن يتقرر اعتماد المعبرين الأخيرين فقط.
المصدر: العربي الجديد