أحمد مظهر سعدو
نتيجة للمطالبات الدولية والإقليمية أيضًا، خاصة من قبل الضامن التركي، فقد جاءت الهدنة الروسية في إدلب ضمن آليات وشروط محددة، دأب النظام السوري المجرم ومن معه على استباقها بمجازر طالت المدنيين في بنش وإدلب المدينة وكذلك في بلدة النيرب، راح ضحيتها ما يزيد عن 24 إنسان معظمهم من النساء والأطفال، وهو مؤشر واضح المعالم، يبين مصداقية أو لا مصداقية النظام ومعه روسيا، التي عملت ومنذ بداية العدوان الروسي الأسدي عل ريف حماة وإدلب في 29 نيسان/ ابريل عام 2019، على الاشتغال التكتيكي على مبدأ كيسنجر سيء الصيت، أي سياسة الخطوة خطوة، بمعنى البدء في الهجوم وتحصيل وقضم أراضي من المعارضة السورية، وتهجير السكان إلى الشمال، ومن ثم الاستيلاء على هذه الأراضي والبلدات، وبعدها الدعوة إلى هدنة، يراد منها تثبيت مواقع النظام وتحصين ما سيطر عليه من مناطق جغرافية، وصولًا إلى عمليات عسكرية جديدة ، بل مقتلة ومحرقة جديدة، وبالتالي القضم لأراضي أخرى، وهكذا دواليك، وتسير هذه السياسة التي باتت مكشوفة ومفضوحة، وسط صمت إقليمي ودولي مريب. والأمم المتحدة هي من أكدت ذلك مؤخرًا عندما أعلنت عن “مقتل 1460 مدنياً، من بينهم 417 طفلاً و289 امرأة بسبب الأعمال العسكرية شمال غربي سورية في الفترة ما بين 29 نيسان/أبريل إلى 5 كانون الثاني2020”. وأوضح المتحدث باسم الامم المتحدة أن “أكثر من 312 ألف شخص، ما يقرب من 80 في المئة منهم من النساء والأطفال، تم تشريدهم منذ كانون الثاني 2019 وحتى الآن، معظمهم من إدلب، متجهين شمالاً، بعيداً عن القتال”.
واليوم تشهد إدلب هدنة جديدة أتت في نفس السياق، حيث كانت قد وصلت أدوات الحرب الأسدية ومن يدعمها إلى ما يقرب من 4 كيلو متر فقط من المدينة العريقة معرة النعمان، الذي تم تدمير معظم بنيتها التحتية، وتهجير جل أهلها إلى الشمال، لا يلوون على شيء، لكن المعضلة الأكثر فداحة والتي يعتبرها البعض بمثابة الهدنة الفخ، وهي هذه الهدنة التي وافقت عليها روسيا في إدلب دون أن تشمل ريف حلب الغربي والجنوبي، ودون أن تشمل ريف اللاذقية أيضًا، ومن ثم فإن النظام السوري الآن يتابع حشوده واستعداداته يبدو أنها ستكون معركة كبرى باتجاه قرى ريف حلب، مستغلًا حالة الهدنة في إدلب وريفها، وهي سياسة روسية أسدية ملتوية، تشير (فيما لو حصلت) إلى عدم وجود أية إمكانية جدية على الأرض للوثوق بأية هدن، أو وعود روسية إيرانية أسدية، وبضرورة عدم الانجرار إلى هذه الخدع العسكرية، التي تساهم بوعي أو دون وعي في إنجاز المشروع الأسدي الروسي الإيراني، بإنهاء حالة وجود المعارضة في إدلب وما يحيط بها، أي ما تبقى من مناطق خارج سيطرة النظام، في ريف اللاذقية، وريف حماة، وريف حلب، وأيضًا إدلب المدينة، وما تبقى من ريفها.
ويبقى السؤال الأهم أين يذهب 4 مليون إنسان سوري من سكان هذه المناطق أو ممن هُجِّروا قسرًا إليها أيام سياسات ما سمي بخفض التصعيد المتبعة في كل من حمص وريف دمشق ودرعا، وسواها، وأين سيؤوي هؤلاء، في وقت لم يبق من سكن يلتحفون فيه، ويحمون أنفسهم من برد الشتاء الادلبي القارس، وكيف ستؤول الأمور، ضمن ما يحكى عن تحرك أميركي جاء به (جيمس جيفري) المبعوث الأميركي، عبر رحلاته إلى كل من أنقرة والرياض، دفعًا نحو إعادة إحياء المسار السياسي، وتحجيم الدور الروسي، ولجم الطاغوت الأسدي، وهل يمكن القول أن السياسة الأميركية الجديدة، بعد مرحلة تصفية قاسم سليماني، قد باتت مختلفة نسبيًا عما سبقها، وهل ستتمكن أميركا من إخراج الاحتلال الإيراني من سورية، وإعادة السياسة الإيرانية إلى داخل حدودها؟ أم أن الأمور ستسير وفق المصالح الجديدة باتجاهات أخرى، تخدم المصالح الجيوسياسية الأميركية الإسرائيلية والروسية في المنطقة، حتى لو كانت مستوعبة ضمنها مصالح أخرى إيرانية تصر على بقاء الأسد وتتمسك به خدمة لمشروعها الفارسي الطائفي للمنطقة، وإعادة تدويره أو إنتاجه من جديد، بما يتوافق مع السياسة الأميركية المستجدة في الاقليم، بعد البدء بتطبيق قانون قيصر، الذي بات قاب قوين أو أدنى من الممارسة العملية، وهو ما يرى فيه أهل سورية الأمل بتقويض أركان السلطة / العصابة التي تحكم دمشق؟
المصدر: موقع المدار نت