أمين العاصي
يستعر الصراع في الشمال الغربي من سورية، ويتسع نطاقه مع استمرار حملات القصف المدفعي والجوي على ريفي حلب وإدلب، والذي يستهدف مدناً وبلدات تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، التي تستعد لصدّ هجوم كبير محتمل من قبل قوات النظام، إذ تروّج وسائل إعلام الأخير لمعركة مرتقبة تهدف من خلالها هذه القوات لإخضاع ريفي حلب الغربي والجنوبي، من أجل تأمين مواقعها في حلب، والسيطرة على طريق حلب- حماة الاستراتيجي.
وتضع فصائل المعارضة جانباً مهماً من قواها في معركة الشمال الغربي من سورية، إذ تقاتل “الجبهة الوطنية للتحرير”، أكبر تجمّع لفصائل المعارضة في محافظة إدلب، إلى جانب “الجيش الوطني” الذي زج بمقاتليه في معركة تبدو مصيرية في حال اندلاعها. وواصلت قوات النظام، أمس الأحد، حملة القصف المدفعي على ريفي حلب وإدلب. وقصفت منطقتي الصحفيين، وخان العسل بريف حلب الغربي، بعد قصف صاروخي استهدف كفرناها والراشدين وكفرداعل بريف حلب الغربي، ومناطق أخرى في مدينة معرة النعمان وقرى وبلدات بريفها. وذكرت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن الأحوال الجوية “فرضت حالة حظر طيران في الشمال الغربي من سورية”، مشيرة إلى تراجع عمليات القصف الجوي بسبب منخفض جوي يعم المنطقة.
في غضون ذلك، لا تزال فصائل المعارضة تتصدى لمحاولات تقدّم من قبل قوات النظام ومليشيات تساندها على كل من تل مصطيف وتل خطرة وأبو جريف شرق مدينة إدلب. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن 16 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها قُتلوا في الاشتباكات الدائرة منذ أيام في هذا المحور، حيث تحاول قوات النظام استعادة قرى مهمة سيطرت عليها فصائل المعارضة الجمعة الماضي بعد هجوم مضاد، شتت شمل هذه القوات التي تتحرك تحت غطاء ناري جوي روسي. ونقلت وكالة “إباء” المقربة من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) عن مصدر عسكري قوله إن “مليشيات الفيلق الخامس التابعة للقوات الروسية حاولت التقدم مساء السبت، في منطقة تل مصطيف بريف إدلب الشرقي، بيد أن تحرير الشام أحبطت تلك المحاولة”. وبحسب المصدر العسكري فإن العملية استمرت حتى الساعات الأولى من فجر الأحد، وأسفرت عن مقتل العديد من العناصر المهاجمة.
وتحاول قوات النظام ومليشيات محلية وايرانية تساندها شق طريق لها باتجاه مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، من المحور الشرقي الذي تقدمت به أخيراً، قبل أن تصطدم بفصائل المعارضة التي تحاول منعها من التقدم باتجاه هذه المدينة الاستراتيجية وذات الرمزية الثورية العالية. كما تضع فصائل المعارضة في اعتبارها أهمية مدينة سراقب، كبرى مدن ريف إدلب الشرقي، كونها عقدة طرق رئيسية، حيث يلتقي عندها الطريقان الدوليان “إم 4″، و”إم 5″، لذا من المتوقع أن تجد قوات النظام مقاومة كبيرة من فصائل المعارضة في حال تقدمها باتجاه هذه المدينة.
مقابل ذلك، بردت جبهات القتال بعض الشيء في ريف اللاذقية الشمالي، بعد فشل قوات النظام المتكرر في إحداث اختراق في محور الكبانة الاستراتيجي، وهو ما دفع هذه القوات إلى تغيير خطط القتال بنقل المعركة إلى ريفي حلب وإدلب. من جهتها، قالت وسائل إعلام تابعة للنظام إن قوات الأخير تمهد بالوسائط النارية المناسبة باتجاه مقرات وتجمعات مقاتلي المعارضة السورية في ريف حلب الغربي، مشيرة إلى أن هذه القوات وضعت وحداتها البرية في حال من التأهب القصوى، استعداداً لعملية مرتقبة في هذا الريف. ونقلت صحيفة “الوطن”، التابعة للنظام، عن “مصدر ميداني في حلب” قوله إن ضربات قوات النظام “مركزة ومتعاقبة، وبموجب بنك أهداف يجري تحديثه بشكل آني”، زاعماً أنها تحقق الهدف المرجو منها بتدمير مستودعات ذخيرة الفصائل المعارضة ونقاط الدعم والإسناد ومراكز التحكم والسيطرة، وأرتال التنظيمات العسكرية في الخطوط الخلفية لجبهات الريف الغربي.
كما نقلت الصحيفة عن المصدر نفسه “أن غارات الطيران الحربي المشترك السوري الروسي، حققت إصابات مؤكدة في تجمعات ومعاقل هيئة تحرير الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، على امتداد مناطق الريف الغربي”. وزعم أن قوات النظام دمرت مساء السبت مقر عمليات في فندق هرشو ومستودع ذخيرة في قرية الهوتة، وآخر في بلدة عينجارة وفي منطقة الإيكاردا على طريق عام حلب – سراقب، ومثله في ريف المهندسين الأول المحاذي للطريق من جهة الغرب، عدا تدمير آليات عسكرية. ونقلت الصحيفة عمن أسمتهم بـ”خبراء عسكريين” أن الريف الغربي لحلب “يشكل عمقاً استراتيجياً لحلب يصلها بإدلب وبالحدود التركية، ويشكل صلة وصل مهمة بين ريف المحافظة الشمالي والريفين الجنوبي والجنوبي الغربي، وصولاً إلى أرياف إدلب الشرقية والجنوبية”.
وفي السياق، تخوض فصائل المعارضة معارك في الشمال الغربي، وصف القيادي في هذه الفصائل العقيد مصطفى البكور سيرها بـ”الجيد”، إذ تستميت في الدفاع عن معقلها البارز وهو محافظة إدلب ومحيطها. ووضعت المعارضة المسلحة جل ثقلها في المعركة، وتقاتل فيها فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير”، أكبر تجمع لفصائل الشمال الغربي من سورية. وكانت هذه الجبهة قد تشكّلت، أواخر مايو/أيار 2018، حين أعلن 11 فصيلاً عسكرياً معارضاً الاندماج في تشكيل واحد تحت اسم “الجبهة الوطنية للتحرير”. وأشاروا في بيان إلى أن “المشروع جامع لكل المكونات الثورية، التي تؤمن بأهداف الثورة، والتمسك بثوابتها وتسعى لتحقيقها”. وضمّ التشكيل فصائل “فيلق الشام”، و”جيش إدلب الحر”، و”الفرقة الساحلية الأولى”، و”الجيش الثاني”، و”الفرقة الساحلية الثانية”، و”جيش النخبة”، و”الفرقة الأولى مشاة”، و”جيش النصر”، و”شهداء الإسلام (داريا)”، و”لواء الحرية”، و”الفرقة 23”. كما انضم إلى الجبهة، خلال العام الماضي، فصيل “جيش العزة”، عقب انسحابه من مراكزه في ريف حماة الشمالي إبان الحملة العسكرية الأولى التي بدأت أواخر إبريل/نيسان 2019، وسيطرت خلالها قوات النظام على مجمل هذا الريف، إضافة إلى مناطق في ريف إدلب الجنوبي.
وإلى جانب فصائل “الجبهة الوطنية”، هناك فصائل ومجموعات من “الجيش الوطني” السوري والمتمركز في ريف حلب الشمالي. وزج هذا الجيش أخيراً بمقاتلين في المعركة عقب اتفاق مع “هيئة تحرير الشام”. وتؤكد مصادر في فصائل المعارضة أن نحو 1500 مقاتل من “الجيش الوطني” دخلوا منذ أيام إلى نقاط التماس مع قوات النظام في ريف إدلب. وتملك فصائل المعارضة عشرات آلاف المقاتلين الذين اكتسبوا خبرة واسعة في قتال قوات النظام والمليشيات على مدى أكثر من ثماني سنوات. كما تقاتل مع فصائل المعارضة “هيئة تحرير الشام” التي تملك هي الأخرى آلاف المقاتلين، فضلاً عن كونها تملك، وفق مصادر مطلعة، أكثر من 70 دبابة، من المتوقع أن تزج ببعضها في القتال عند احتدامه.
إنسانياً، قال “فريق منسقو الاستجابة في سورية”، أمس الأحد، إن أعداد النازحين من الريفين الغربي والجنوبي في محافظة حلب شمالي سورية ارتفع إلى 26779 نتيجة الحملة العسكرية لقوات النظام السوري وروسيا. وأضاف الفريق، في بيان، أن 3481 نسمة توجهوا إلى ريفي حلب الشمالي والشرقي، أو ما بات يُعرف بمنطقة “درع الفرات”، و4552 نسمة توجهوا إلى منطقة عفرين، أي منطقة “غصن الزيتون”، في ريف حلب الشمالي الغربي. وأشار إلى أن 8569 نسمة نزحوا باتجاه المخيمات على الحدود السورية التركية، و10176 نسمة توجهوا إلى القرى والبلدات التي تعتبر آمنة نسبياً، لافتاً إلى أن 73 في المائة من النازحين هم أطفال ونساء، داعياً المنظمات لتقديم المساعدات الإنسانية لهم.
المصدر: العربي الجديد