عبد الرزاق دياب
قريباً وعن مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” يصدر كتاب المحامي الفلسطيني السوري “أيمن أبو هاشم” الذي يعدّ وثيقة تاريخية أولى عن أوضاع الفلسطينيين السوريين قبل وأثناء الثورة السورية وما آلت إليه أوضاعهم الآن في ظل حالة التهجير والقتل الكبرى التي تعرضوا لها شأنهم في ذلك كإخوتهم السوريين الذين طالتهم يد التوحش الأسدية.
إطلالة عامة الكتاب يرصد جملة من التحولات الكبرى التي عاشها فلسطينيو سوريا على الصعيد القانوني والإنساني، وذلك جملة الانتهاكات القانونية الصارخة لحقوقهم، والآثار الجسيمة وتداعيات المحنة السورية بهم وبأملاكهم وعائلاتهم، ويطل على أوضاع المخيمات الفلسطينية في سوريا والكوارث التي لحقت بها وبساكنيها من تشرد ودمار، وتحديات إعمارها، ومسؤولية الأطراف المساهمة فيما حصل.
لا يغفل الباحث أيضاً عن التطرق لعلاقة اللاجئين الفلسطينيين بالمرجعيات الوطنية والدولية، وتحولات هذه العلاقة، واختبار الأونروا كأحد أهم الأطراف الفاعلة في حياتهم، والمسؤولية الدولية اتجاه حمايتهم التي تكفلها القرارات ذات الصلة. البحث يسلط الضوء على أوضاع فلسطيني سوريا في دول اللجوء والمهجر، والذين فروا من الحرب سواء إلى الدول العربية وتركيا أو إلى أوروبا، ومصائر هؤلاء وخياراتهم، ومشكلاتهم القانونية.
القسم الأكثر أهمية هو الذي عنونه الباحث أبو هاشم (بين الوضعية القانونية وجدل الهوية) وهو يتطرق إلى بعدين أساسيين هما: (الاجتماعي والنفسي، يؤديان دورهما في صوغ هوية اللاجئين الفلسطينيين وتأثير البيئات التي يعيشون فيها على تعريفهم لأنفسهم وعلاقتهم بالآخر)، وهو ما سنفرد له شرحاً مفصلاً في سياق القراءة.
الانتهاكات الإنسان والمكان
يعرض الباحث جملة من الانتهاكات بحق اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من كل أطراف الصراع، وإن كانت حصة النظام وميليشياته هي الأكثر دموية وحجماً، وهي التي تتحمل وزر كل الجرائم الأخرى المرتكبة: (ومن أبرز تلك الانتهاكات والجرائم المشهودة التي يتحمل النظام والميليشيات الحليفة له المسؤولية الكبرى عنها، ومسؤولية أطراف أخرى عنها مثل تنظمي “الدولة” و”النصرة” (الاعتقال والإخفاء القسري لآلاف الفلسطينيين السوريين في سجون النظام، وتصفية المئات منهم تحت التعذيب بصورة تعسفية وبإجراءات موجزة غير قانونية – تدمير ممنهج للمخيمات الفلسطينية بصورة كلية أو جزئية لأهداف سياسية واضحة – جرائم الحصار والتجويع حتى الموت، ومنع وصول الإغاثة للمدنيين المحاصرين طيلة خمس سنوات متتالية في مخيم اليرموك).ومن ثم تبعت هذه الجرائم عملية تهجير واسعة للفلسطيني داخل وخارج سوريا من مخيمات اللجوء ومنها: (اليرموك ودرعا وسبينة وخان الشيح والرمل وحندرات..).
تحديات الهوية الفلسطينية السورية تضمن البحث الذي أعده أبو هاشم استطلاعاً لعينة من فلسطيني سوريا حول مجموعة التحديات التي تواجهها الهوية الفلسطينية السورية وكيفية الحفاظ عليها، وكانت نتائج استطلاع العينة ترى أن الوضع القانوني يتصدر التحديات الداهمة لهذه الهوية التي تعرضت لأقسى انتهاكاتها بعد الحرب في سوريا.
النتائج التي حصل عليها الباحث في استطلاع التحديات جاءت على الشكل التالي:
1- كان الوضع القانوني هو التحدي الأكبر برأي أفراد العينة في موضوع الحفاظ على الهوية وتمثل: أ. (الحفاظ على الهوية الفلسطينية حتى في حال اكتساب الجنسية السورية) بنسبة 98% من آراء أفراد العينة.
ب- (ضمان وضع قانوني للفلسطينيين السوريين في سورية المستقبل) بنسبة 86% من آراء العينة.
2- التحدي السياسي: والذي تمثل بـ (ضمان الحقوق السياسية والمدنية وممارستها) بنسبة 84%.
3- تحدي اجتماعي: وتجلى في (عودة المهجرين بسبب الحرب السورية) بنسبة 80% من موافقة أفراد العينة.
أضاف الباحث سؤالاً مفتوحاً حول المخاطر الأخرى التي تشكل هاجساً عند بعض من شملهم الاستبيان فجاءت على الشكل التالي: (فقد رأى بعض المبحوثين (4%) أن من التحديات إنهاء وجود الفلسطينيين في سوريا، ونسبة (2%) منهم وجدوا تحديين هما: (تهجير ما تبقى من الفلسطينيين وخصوصاً الشباب من سوريا) و(تخلي منظمة التحرير عن تمثيل كافة الفلسطينيين). وتوصل الباحث في استبيانه حول التحديات والمخاطر التي تواجه الهوية الفلسطينية السورية إلى مدى تأثير الوضعية القانونية وتحولاتها على أصحاب تلك الهوية وكذلك:
(الصعوبات التي تواجههم في إعادة بنائها وترميمها، ليس فقط على صعيد المكان والذاكرة الجمعية، بل وكذلك الصعوبات الناجمة عن تفكك المركز القانوني الخاص بهم. ما يشير إلى إدراك أهمية الوضعية القانونية على سيرورة الهوية وجدلياتها المفتوحة، لا سيما أن غموض مستقبل الحالة السورية عموماً، وغموض خيارات التعامل مع الوضعية القانونية بالنسبة لفلسطينيي سوريا يفتح على مخاطر وتحديات متعددة تضفي على جدل الهوية شكوكاً وأسئلة كبرى).
التوصيات في النهاية يوصي الباحث بضرورة إبراز (طبيعة المخاطر والتحديات التي تتعلق بالوضعية القانونية لفلسطينيي سوريا، وحث المؤسسات الحقوقية والمدنية المعنية بحقوق الإنسان وقضايا اللاجئين، على بناء ثقافة الدفاع عن حقوق فلسطينيي سوريا، في كافة المحافل المحلية والعربية والدولية).
وكذلك لا بد من (كشف مسؤولية السلطات السورية عن إهدار الوضعية القانونية التي كانوا يتمتعون بها رغم عيوبها ونواقصها) …، والتخلي الفاضح للمؤسسات العربية والدولية عن فلسطيني سوريا (آثار التقصير الفاضح للجامعة العربية والمجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة، عن واجباتهم في حماية فلسطينيي سورية، والنتائج الخطيرة الناجمة عن التخلي عنهم وإنكار مأساتهم المروعة خلال الحرب السورية).
يدعو الباحث في توصياته إلى تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات المرتكبة من خلال: (الانتقال من مهام إحصاء وتوثيق الانتهاكات التي تعرض لها فلسطينيو سوريا خلال محطات الصراع، إلى تحفيز ضحايا تلك الانتهاكات على طرق أبواب المحاكم في الدول التي تتيح بموجب قوانينها الوطنية مقاضاة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم المشهودة بحق أولئك الضحايا، والتي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية).
يشير الباحث أيضاً إلى ضرورة لفت انتباه الراي العام السوري ومؤسساته المدنية والسياسية إلى ضمان حقوق الفلسطينيين في ضوء مسعى كبير لإحداث تغيير ديموغرافي في سوريا على اعتبار أنهم جزء من النسيج السوري، و(تعزيز وضعيتهم القانونية من خلال نظام سياسي جديد يكفل حقوق المواطنة للسوريين ومن في حكمهم، وبما لا ينتقص من حقهم بالعودة إلى وطنهم الأصلي في فلسطين).
كذلك يشير الكاتب إلى ضرورة تشكيل لجنة أو هيئة خاصة بالدفاع عن أملاك اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وأهمية دورها في حفظ وثائق الملكية لمن تهجروا من بيوتهم ومخيماتهم، ومطالبة كافة دول اللجوء والجهات المعنية بإدارة شؤون فلسطينيي سوريا، بحقهم في تثبيت جنسيتهم الفلسطينية الأصلية في كافة الوثائق والسجلات والبيانات، التي تنظم أحوالهم المدنية حيثما تواجدوا في دول المنافي واللجوء، ومعالجة الآثار السلبية الناجمة عن القصور والخلل في تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للاجئين، وتحفيز فلسطينيي سوريا للتحرك الشعبي الضاغط، من أجل مواجهة سياسات التهميش والتنكر والإهمال المتبعة بحقهم من قبل قيادة المنظمة والفصائل الفلسطينية.
أما بخصوص دور وكالة الأونروا، فيؤكد الباحث على ضرورة استمرار تفويض المساعدة الذي تضطلع به منذ تأسيسها، بوصفها المنظمة الدولية المعنية بمساعدة فلسطينيي سوريا وتقديم الخدمات لهم، وباعتبارها كذلك الشاهد الدولي على قضيتهم، وتصعيد الحملات الشعبية الرافضة لتصفية الأونروا وتجفيف التمويل الدولي عنها.
قضيتان متلازمتان يختم الباحث مجموعة التوصيات السابقة بتلازم مساري القضيتين السورية والفلسطينية في الحل، ويرى أن الحل الحقيقي لمشكلة فلسطيني سوريا مرهون بمسارات ونهايات القضية السورية: (فإن كل محاولة لمعالجة وترميم ما أصاب تلك الوضعية من شروخ عميقة، سيبقى مرهوناً بمسارات ونهايات القضية السورية).
أما خلاف ذلك فإنه سيؤدي إل خيارات أكثر مأساوية: (وليس من السهل توقع مقاربات أو حلول، تُطمئن الفلسطينيين إلى مستقبل وجودهم في سوريا، وتؤدي إلى انتقالهم إلى وضعية قانونية أكثر ضماناً لحقوقهم فيها، طالما أن عجز الإرادة الدولية على وقف الحرب وفصولها الكارثية، يُنذر بخيارات أكثر مأساوية، على واقع ومستقبل السوريين والفلسطينيين على حدٍ سواء).
كما أن عدم حل تلك القضيتين المتلازمتين سيؤدي إلى استعصاء حل القضية الأم للفلسطيني في العودة إلى دياره التي تم تهجيره منها: (لا ينفصل عن تلك الخيارات المحتملة تباعد فرص وإمكانيات ممارسة اللاجئين لحقهم الأسبق والأساسي، في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، لا سيما وأن الحرب السورية ومآسيها المتواصلة أبعدتهم أكثر عن فلسطين، وحتى عن مخيماتهم الأقرب إليها).
المصدر: زمان الوصل