أحمد مظهر سعدو
ليس من السهولة بمكان أن يتحمل شعب سورية، ومعهم العالم العربي والإسلامي، أن تطأ أقدام الفرس الطائفيين القذرة مقام وقبر الخليفة الراشدي الخامس (كما يسمى) والعادل عمر بن عبد العزيز، حفيد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، لكنها الحقيقة، عندما تخلى العالم كله بمسلميه ومسيحييه، بعربه وعجمه، عن الشعب السوري، وصمت طويلاً عن المغول التتري الفارسي الروسي الأسدي، وتركه يعبث بدماء الشعب السوري، حيث تم تجميع أحرار سورية أو القسم الأكبر منهم في إدلب وما حولها، وبدأت بعدها الحرب العدوانية الحاقدة التي يقودها الروس والايرانيون، ليتم قضم الأراضي قطعة إثر قطعة، ومدينة وقرية إثر أخرى، قتلًا وتهجيرًا لم يشهد القرن الفائت له مثيلاً، وهي التي مازالت فصولها متتابعة، ليصبح العدو الفارسي الأسدي على بعد أمتار فقط من مدينة أبي العلاء المعري، معرة النعمان، وليتم الاستيلاء على القرية الجميلة بالقرب من معرة النعمان التي آثر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز أن يدفن فيها جثمانه الطاهر فاحتضنته بحب وتقدير.
اليوم تمكن المغول الفارسي الحاقد من قبر عمر بن عبد العزيز في جو من الصمت المريب عالميًا، ولكأن العرب والمسلمين قد ماتوا منذ زمن، لا من مجيب، ولا من متيقظ لحجم الكارثة التي أوصلوا إليها الشعب السوري في إدلب، ضمن هذا الحيز من الخذلان، والوعود الإقليمية والأميركية بإيقاف العدوان والمقتلة /المحرقة التي يتعرض لها يوميًا أهلنا في إدلب وريف حلب الغربي والجنوبي.
وإذا كان قتل الناس الأبرياء من المدنيين واستيلاء المغول/ الفرس على قبر الخليفة العادل، لم يحرك أي ضمير إنساني أو عربي أو مسلم، فمتى ستتحرك الضمائر؟، وهو لسان حال أهلنا في إدلب كل ادلب، بل كل سورية، وهم ينظرون إلى حالة التخلي القاتلة، والتسويفات الممضة، التي جعلت من أهالي إدلب ومن فيها جميعًا عرضة للموت المحقق أو التهجير القسري، إلى حيث لا مكان، لا يلوون على شيء.
وإذا كانت سيطرة الروس والعصابات التي معهم على قرية (معرشمارين) بعد اشتباكات مع الفصائل المسلحة الموجودة في المنطقة، وذلك عقب سيطرتها على قرية (الدير الشرقي) المجاورة. والكثير من القرى المجاورة لا تعني لهم شيئًا، فإن ما بحثه الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) حول الوضع في سورية، ولا سيما قضية اللاجئين مع المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) خلال زيارتها لإسطنبول يوم الجمعة الفائت، حيث أشار في مؤتمر صحافي مشترك عقب المباحثات إلى أن هناك 400 ألف مدني سوري نزحوا من إدلب باتجاه الحدود التركية بسبب استمرار هجمات النظام السوري. وكل ذلك لم يعد يحرك ساكنًا، ولا يشير إلى جدية إقليمية أو دولية في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مدينة الزيتون/ ادلب، وقد لفت المبعوث الأممي (بيدرسن) إلى أن تسوية الوضع في إدلب هو شرط أساسي لعودة اللاجئين إلى سورية. وقال: «المشكلة هي أن أكثر من 50% من سكان سورية غادروا منازلهم، ولهذا ما نريد تحقيقه الآن هو إيجاد وضع ليبدؤوا في العودة، ومن ثم سنحتاج العملية السياسية في البلاد واستقرار الوضع في إدلب». وأضاف: «نحن نتفهم التحديات عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، لكننا حذرنا أيضًا مما نراه الآن وهو ثمن مرتفع للغاية يدفعه المدنيون». ومضى المتحدث الأممي بالقول إن هناك حوالي 700 ألف نزحوا منذ نيسان/ابريل الماضي وقتل أكثر من 1500 مدني حسب وكالة الأناضول.
لكن كل ذلك لا يعني السوريين بشيء وهم يرون الموت قادم باتجاههم، كما يرون أن مصائرهم غير واضحة المعالم، وأن كل ما يجري من تحركات دولية، هي حتى الآن غير جدية، ولم تستطع إيقاف المجرم الروسي الأسدي الإيراني الذي يعيث فسادًا ودمارًا بكل شيء في إدلب وما حولها.
إدلب اليوم ذاهبة إلى المجهول، ولا يمكننا هنا بيع الهواء أو الوهم لشعبنا الصابر والصامد، لأن ما هو قادم يبدو أنه بات أدهى وأمر، ويتحمل مسؤوليته كل العالم العربي والإسلامي والدولي الصامت على استمرار المقتلة، والذي ما برح يشيح بنظره عن إجرام واضح وصريح، وهذا العالم لم يعد يلتفت إلا لمصالحه، ومصالح ربيبته إسرائيل، ولا يبدو أن ثورة الشعب السوري اليوم وإنقاذ أهالي ادلب، ضمن أتون مصالحه النفعية البراغماتية الآسنة، لذلك يُترك الشعب السوري في إدلب يلقى مصيره لوحده، عبر منع السلاح الحديث أو الفتاك الذي كان من الممكن أن يوقف (على الأقل) هذه المحرقة المستمرة عبر الطيران الروسي الأسدي وبدعم إيراني واضح وملموس.
شاهت الوجوه، وماتت النخوة، وبيعت الضمائر بثمن بخس، وصمتَ العالم أجمع عن جريمة العصر الأهم بحق الشعب السوري الذي خرج في آذار / مارس 2011 من أجل الحرية والكرامة فقط، فكان مصيره كما نرى من قتل ودمار وتهجير.
المصدر: موقع المدار نت