منهل باريش
أكدت مصادر عسكرية قيادية في الجبهة الوطنية للتحرير لـ”القدس العربي” اجتماع قادة فصائل المعارضة السورية في منطقتي إدلب وريف حلب الشمالي مع مدير المخابرات الوطنية التركية، حقان فيدان، الخميس، في العاصمة أنقرة.
وحضر اللقاء وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، اللواء سليم إدريس، ونائباه، عن منطقة إدلب، العقيد فضل الحجي القائد للجبهة الوطنية والقائد العسكري لفيلق الشام ونائبه في منطقة ريف حلب الشمالي والرقة العميد عدنان الأحمد. وحضر كذلك جميع قادة الفصائل المشكلة للجبهة الوطنية للتحرير في إدلب وقادة فيالق الجيش الوطني وفصائله الكبرى.
وذكرت المصادر العسكرية، أن الوفد التركي أعرب عن قراره دعم فصائل المعارضة من أجل الصمود في وجه “هجوم النظام”. ويأتي الاجتماع في مسار زيادة الدعم العسكري التركي لفصائل المعارضة إثر خرق النظام وحلفائه لنظام وقف إطلاق النار الذي أعلنه الضامنان في مسار أستانة الروسي والتركي في 10 كانون الثاني (يناير) الجاري.
وترغب تركيا بإرسال إشارات سياسية لروسيا من خلال تكثيف الاجتماعات بقادة الفصائل العسكرية، حيث يدلل لقاء الرجل القوي في تركيا والوعود بدعم الفصائل في وجه النظام على خيارات أنقرة في حال استمرت العملية العسكرية في إدلب. ويأتي توسيع أعداد المدعوين كنوع من أنواع الدعم المعنوي للفصائل جميعا بهدف الثبات على الأرض. ويعتبر اللقاء الموسع هو الثالث من نوعه بين مسؤولي الملف السوري في جهاز المخابرات الوطنية التركية في أقل من عشرة أيام، عدا عن الاجتماعات المغلقة والضيقة والتي تقتصر على المقربين من أنقرة. ورغم إشاراته إلى الدور السلبي الكبير لـ”تحرير الشام” ووصفها بالمنظمة الإرهابية التي تعيق تنفيذ التفاهمات، فإن المسؤول التركي لم يفضل الإغراق بالحديث عنها، ونوه إلى ضرورة القضاء عليها.
ويحدث ذلك بالتزامن مع ارتفاع حدة القصف الجوي الروسي واشتداد المعارك في أقصى شرق محافظة إدلب، حيث فشل النظام السوري في اقتحام محور قرية تلخطرة مرة أخرى فيما استطاعت الجبهة الوطنية للتحرير تثبيت نقاطها في تل مصيطف الاستراتيجي في المنطقة والتقدم في المزارع المجاورة فيما فشلت في إحراز خرق إلى الجنوب من ذلك المحور في قرية حلبان التي تعتبر عقدة الطرق الأهم. فهي تربط الطريق الواصل بين ريف سراقب الشرقي وسنجار (شمال -جنوب) وتقع على الطريق الواصل بين أبو الظهور ومعرة النعمان (غرب – شرق) في الثلث الأقرب إلى الأولى.
واستمرت سرايا (م/د) من تدمير مزيد من العربات والآليات لقوات النظام ولواء القدس الفلسطيني الذي يعتبر الميليشيا الروسية الأبرز التي تقاتل إلى جانب قوات النظام على جبهات ريف إدلب الشرقي، وهي الميليشيات التي سقط منها أكثر من 120 قتيلا خلال الأسبوعين الماضيين عدا عن قتلى قوات النظام السوري.
وشن الطيران التدريبي نوع “لام-29” هجوما مكثفا على الطرق الرئيسية في الشمال السوري، وقام باطلاق صواريخ “C-8” بهدف فرض حظر تجول على المدنيين في المدن والنازحين إلى الشمال السوي، وتعطيل خطوط الإمداد إلى الجبهة وتعطيل حركة سيارات الإسعاف وسيارات الدفاع المدني التي تقوم بإخلاء الجرحى والقتلى من تحت الأنقاض.
وركزت القاذفات الروسية قصفها على ريف حلب الغربي، بينما انحصر عمل الطيران المروحي على قصف ريف إدلب الجنوبي والشرقي بالبراميل المتفجرة حيث قصفت كفر روما واحسم وحاس وكنصفرة، وارتفعت أعداد الضحايا المدنيين بشكل كبير الأسبوع الماضي نتيجة خرق وقف إطلاق النار.
التصعيد الأخير يعني عمليا موت وقف إطلاق النار الذي أعلنته أنقرة وموسكو بشكل نهائي رغم عدم التطرق إلى ذلك علنا بين الجانبين. ولعل إعلان وزارة الدفاع الروسية يوم الخميس عن مقتل 40 عنصرا من قوات النظام وإخلاء بعض مواقعها بسبب هجوم مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، يعني تحميل فصائل المعارضة مسؤولية انتهاء وقف إطلاق النار وإعلان الحرب من جديد.
تركيز القصف على كامل الأراضي شرق طريق حلب-دمشق بما فيها ريف إدلب الجنوبي ودخول ريف حلب الغربي على بنك أهداف القصف الروسي، مراده الضغط بهدف ازدياد أعداد المهجرين والفارين من القصف باتجاه الشمال وارباك صفوف المقاتلين وإشغالهم بإبعاد أهاليهم عن دائرة الخطر، وهو تكتيك استهدفته القوات الروسية سابقا في معارك ريف حماة الشمالي، إذ اتبعت سياسة تقطيع الطرق واستهدافها وضرب التجمعات السكنية والمدن الكبرى بعد تدمير المستشفيات والنقاط الطبية بهدف الضغط المتكامل على كل مقومات الحياة وجعل اهتمام المدنيين والمقاتلين يتركز على توفر المياه والطعام والحد الأدنى من الشروط الصحية للحياة. ويزيد فصل الشتاء من معاناة المدنيين والمقاتلين على حد سواء.
إن غياب أي إشارة إلى حل سياسي أو تطبيق لاتفاق سوتشي من قبل المسؤولين الأتراك يؤشر إلى المصير الغامض الذي ينتظر منطقة خفض التصعيد الرابعة، ما يعني ان كل الجهود التي بذلتها تركيا لإقناع تحرير الشام بفتح الطرق الدولية قد باءت بالفشل تماما، وهو ما يعني إصرار موسكو على فتح طريق حلب-دمشق (M5).
والغريب في المشهد، أن وزارة الدفاع في حكومة المعارضة وجيشها بفيالقه السبعة، لم تبادر باقتراح أي خريطة طريق من أجل فتح الطرق أو مبادرة من أجل فتح طرق الترانزيت وإجبار “تحرير الشام” وباقي الفصائل المتطرفة للابتعاد خارج المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، واكتفى قادة فصائل المعارضة بالاستماع إلى الشرح الذي قدمه رئيس جهاز المخابرات التركي.
يذكر أن أعداد مقاتلي الجبهة الوطنية للتحرير يزيد عن 45 ألف مقاتل في إدلب وحدها وهو ما يقدر بثمانية أضعاف “تحرير الشام” في الحد الأدنى ومع ذلك تهيمن الأخيرة على قرار الحرب والسلم في منطقة خفض التصعيد، في حين تبقى القوة الكبرى والممثلة بـ”الوطنية للتحرير” في حالة غيبوبة تامة.
المصدر: القدس العربي