درويش خليفة
حتى اللحظة الأحزاب السورية الناشئة والتي تمتلك خبرة التنظيم الحزبي لم تستطع جذب الشارع السوري نحوها لعدة أسباب منها ظاهر ومنها مبهم، فالظاهر منها عدم فعاليتها السياسية والمجتمعية وهذا ما يجعل السوريون الفاعلون في الفضاء العام ينظرون لها على أنها تنسيقية بين عدة أشخاص تربطهم إيديولوجية سياسية، باطنها قومي أو ديني.
تنظيمات المجتمع المدني
ما بعد ثورة آذار السورية، حاول السوريون استعادة الثقة بالعودة للشأن العام عبر تنظيمات مجتمع مدني وتنظيمات سياسية؛ الكيانات المدنية بدأت مع التنسيقيات أو عبر جمعيات تقدم المساعدات للمناطق التي تتعرض لهمجية النظام إلى أن تطورت الحالة المدنية في إنشاء مجالس محلية تغطي الفراغ الحكومي الذي أحدثه تحرير المناطق من أفرع النظام الأمنية والثكنات العسكرية.
وفي الفترة التي كان الثوار ورواد التغيير يعملون على سد الفراغ وتأمين ما يلزم لاستمرار الحياة للمواطنين السوريين في المناطق الخارجة عن حكم الأسد تشكلت كيانات سياسية تتحدث باسم الثورة جل أعضائها من السياسيين المبعدين عن وطنهم بسبب معارضتهم للنظام، بدأت مع «المجلس الوطني السوري» وانتهت بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والذي كان خلطة عجيبة من أحزاب وقوى معارضة ومستقلين، معظم أعضائه ليسوا معروفين للسوريين ولم يرهم المتظاهرون السوريون في مظاهرتهم المناهضة لنظام الأسد.
وهذا لا ينكر أن الأحزاب والكيانات السياسية جزء أصيل من قيام الديمقراطية في أي بلد طامح للتغيير، شرط أن تكون العملية منسقة وذا مرجعية تعتمد قانون أحزاب متضمنا في الدستور الذي يجمع عليه جميع السوريين.
عاشت سوريا الحياة الحزبية ما بعد استقلالها ولكن الانقلابات العسكرية أرهقت السوريين والقوى السياسية وجعلتها تذهب نحو المحاور الإقليمية المتنافسة آنذاك.
حيث شهدت الساحة السياسية في حينها منافسة وانقساما مناطقيا والذي جسد العلاقة الملتبسة بين مدينتي دمشق وحلب، إذ ذهب الحزبان الكبيران؛ «حزب الشعب» الذي يمثل مصالح صناعيي حلب نحو حلف بغداد- و«الحزب الوطني» الذي يمثل مصالح تجار دمشق، باتجاه حلف الرياض وليحقق كل منهما مصالحه بعيدا عن الحركة الوطنية التي كانت مشتعلة في حينه.
ولا ننكر وجود تنظيم الإخوان المسلمين والذي يعتبر امتدادا للحركة التي نشأت في مصر عام 1928، ولكنها لم تنتشر بشكل أفقي، حيث أقتصر وجودهم في المدن الرئيسية فقط، نظرا للشعار الذي رفعته «الإسلام هو الحل» في ظل تنامي القومية العربية آنذاك.
وما يسرده التاريخ يوجد فيه القليل من المغالطة، وإلا لما وجدنا البعث يسيطر على جميع مفاصل الدولة.
اما المرحلة التاريخية التي كان من المفروض ان يذكرها التاريخ ويركز عليها، هي وجود شخصيات وطنية غير متجانسة، كل منهم يرى سوريا من نظرته الوطنية الخاصة. لتأتي مرحلة حزب البعث متفوقا فيها على من سبقه من الأحزاب بتسييس الجيش السوري وتحويله لمرتزقة يعملون لصالح البعث كما عمل على بعثنة المجتمع بدءا من الفئة العمرية الأصغر وهم طلاب الابتدائية وتأطيرهم تحت مسمى «منظمة طلائع البعث» مرورا بشبيبة الثورة وطلاب الجامعة وهم الفئة الشبابية وربط مستقبلهم والامتيازات الوطنية بانتسابهم للحزب!
وهذا ما جعل الشباب الطامح في لعب دور وطني في العزوف عن العمل السياسي والتفكير في الهجرة عساهم أن يجدوا فرصا تساعدهم في العودة مستقبلا لانتشال وطنهم من مخالب حزب البعث ومرتزقته المحليين.
الحياة السياسية
ومع سطوع شمس الحرية في منتصف آذار/مارس 2011 عادت الحياة السياسية لتبرز من جديد في سوريا مع ضعف الأداء بسبب عدم الممارسة والابتعاد عن حساسية العمل السياسي المحلي والخارجي؛ وهذا ما أدى لاستغلال حماسة الشباب من قبل بعض سياسي المعارضة للالتفاف على ثورتهم أو لتحقيق كسب ذاتي أو لسد عقدة نقص ثورية وهناك أسباب عديدة أخرى منها:
– مركزة الحزب في شخص واحد، يكون بمثابة الأب الروحي والمرجعية لشرعنة أي مبادرة يقدمها الأعضاء من الشابات والشبان.
– التقرب من الناشطين الأكثر فعالية وإغرائهم بالمال المقدم من الدول الساعية لتجنيدهم لتحقيق مصالحها على حساب قضية السوريين، وكذلك لكسب قادة الأحزاب، شعبية من خلال هؤلاء الناشطين.
– التقرب من الفصائل العسكرية عساها تكون الجهاز التنفيذي لمأرب متزعمي الأحزاب، حتى وإن كان الانتقام من الذين ينتقدونهم.
– احتكار التمثيل في المؤتمرات واللقاءات السياسية المتلفزة.
– وفي النهاية، يختتمون مسيرتهم بالحصول على جنسية ثانية تكون عامل مساعد لهم ولأسرهم في تأمين حياة أفضل.
وهنا لا أجد هذه المواصفات مجتمعة في شخوص رؤساء الأحزاب كافة، ولكنها تنطبق على معظمهم.
اي حركة تغيير وطنية تحتاج لحوامل مجتمعية بعد تحليل بنية المجتمع ومدى تفاعله مع التغيير والبحث عن أدوات التغيير وهل هي متاحة أم نحتاج لمساعدة خارجية تمكننا من تحقيق الرؤية التي نصبو إليها، لأن التغيير قد يواجه من بعض المتأثرين بنتائجه، كالخوف من المجهول وفقدان البعض امتيازات كانت ممنوحة لهم من السلطة القائمة.
كما أن قادة الأحزاب تحتاج لحنكة مخاطبة الجموع ومراعاة مصالحهم بعيدا عن الشعارات الرنانة التي ملوها السوريون في عهد الأسدين الأب والأبن.
وكذلك الاستفادة من تأثير القوة الناعمة في سياسات الدول الخارجية وفهمها في بناء الاستراتيجيات والشراكات مع الدول الفاعلة في الملف السوري والتي تحاول فرض نفوذها من الناحية السياسية والفكرية.
الأحزاب ليست تهمة ومنتسبيها ليسوا عملاء ولكنهم يجب أن يراعوا حركة التغيير الوطنية وأن يساهموا في إنعاش الجسد السوري المنهك والمثقل بأعباء الماضي المريرة.
إذ أننا إذا ما راجعنا النظم الداخلية لأي حزب نراه مفعما بالروح الوطنية وأسس الحداثة وخطاب الديمقراطية والتعددية ولكن الواقع لا يعكس المكتوب، ولنا في الانشقاقات التي حصلت في الأحزاب السورية المعارضة أمثلة عدة؛ بدءا من حزب الشعب والتيار الشعبي الحر لحزب وعد ومجموعة العمل من أجل سوريا…إلخ.
ومعظم هذه الأحزاب تحمل راديكالية عصبية في توجهاتها إن كانت علمانية أو قومية ودينية، أي أن الجميع نظرتهم للتغيير ما دون وطنية، متجاهلين تشتت الجغرافية السورية وتفكك المجتمع السوري نتيجة ظروف الحرب التي حولتهم شعوبا متفرقة وفئات متنافرة.
وما عدا ذلك، حتى اللحظة ومع كل ما قدمه الشعب السوري من تضحيات ودماء وممتلكات لم تجمع الأحزاب السورية المعارضة على شكل الدولة ونظام الحكم والهوية الوطنية.
وهذا مؤشر خطير عدم إجماع السوريين على الأولويات الوطنية وإلا لماذا يحملون الهم العام؟
وبعد هذه التجارب ومعايشتها أستطيع ان أقول وبكل ثقة أن الخيار المجتمعي هو الحل التمثيلي للشعب السوري بعد فشل كافة تجارب الأحزاب الأيديولوجية إسلامية كانت أو قومية وعلمانية.
ولنا في تجربة تونس أسوة بالناخبين المصوتين لرئيسٍ مستقل وعدم إعطائهم الثقة لمرشحي الأحزاب وكذلك رفض المتظاهرين العراقيين لأي رئيس حكومة يمثل حزبا بعينه.
أي التجارب الحزبية يجب أن تراجع في عالمنا ومحيطنا العربي والإقليمي وعلى السوريين الاستفادة منها كون الوقت مازال حليفهم.
المصدر: القدس العربي