إنجي عطوان
تصعيد خطير للأزمة في مدينة إدلب السورية، يهدّد بأزمة إنسانية أكبر ويعيد خطر تسلل آلاف اللاجئين لحدود أوروبا، تلك الورقة التي طالما استغلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لـ”ابتزاز” الأوروبيين، والحصول على مزيد من الدعم والمكاسب السياسية في المنطقة. كما أن خطر التصعيد المستمر أيضاً ربما يتحول إلى مواجهة غير محمودة العواقب بين تركيا، التي تدعم الجماعات المتطرفة في الشمال السوري، وروسيا التي تدعم حكومة الرئيس بشار الأسد.
منذ بداية فبراير (شباط) الماضي، سقط أكثر من 50 جندياً تركيّاً في معركة إدلب خلال دعمهم قوات التمرد في مواجهة محاولة القوات السورية وقوات الدعم الروسية استعادة السيطرة على المدينة. وفي ظل هذه الخسائر المتزايدة، سعى الرئيس التركي إلى الدعم الدولي مستنداً إلى عضوية بلاده في حلف شمال الأطلسي، لكن بينما لم يجد استجابة سريعة وقوية، هدّد بفتح حدود بلاده مع أوروبا أمام الحشود الساعية للجوء للدول الأوروبية، وهو ما فعله خلال الأيام القليلة الماضية، مما دفع بأزمة لاجئين جديدة على حدود اليونان وبلغاريا، كما بدأت تركيا عملية عسكرية واسعة النطاق في سوريا باسم “درع الفرات”، حيث أعلنت دمشق أن أنقرة أسقطت طائرتين حربيتين، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل 19 جندياً سوريّاً، لكن أردوغان يقول إن خسائر الجانب السوري أكبر كثيراً.
وأمام هذه التطورات أعلنت بروكسل عن اجتماع طارئ لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الأسبوع المقبل، بناء على طلب اليونان التي تواجه آلاف المهاجرين على حدودها مع تركيا، قدّرتهم الأمم المتحدة حتى مساء السبت، بما لا يقل عن 13 ألف مهاجر، كما أعلنت الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية “فرونتكس”، الأحد، رفع مستوى التأهب إلى “الأقصى”.
وغرّد رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، على حسابه بـ”تويتر”، أمس الأحد، بأن مجلس الأمن القومي في البلاد قرر “رفع مستوى الردع عند حدودنا إلى الحد الأقصى. حتى الآن لن نقبل أي طلبات لجوء جديدة لمدة شهر واحد”، وأضاف “حدود اليونان هي الحدود الخارجية لأوروبا، سنحميهم”.
اليونان تشكل عاملاً كبيراً في أزمة أوروبا مع تركيا، فمن جانب هي عضو في الاتحاد الأوروبي، وعضو أيضا في منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، لكن تجمعها علاقات متوترة للغاية مع تركيا، العضو أيضا في الاتحاد الأوروبي، مما يتسبب في وضع الدول الأوروبية في موقف حرج يستدعي تدخلاً سريعاً.
والجمعة الماضية، أكدت صحف يونانية رفض البعثة اليونانية الدائمة لدى “الناتو” بياناً للتحالف لدعم أنقرة في أعقاب مقتل العشرات من جنودها في سوريا. ووفقاً لصحيفة “فيما”، أصدر وزير خارجية اليونان، نيكوس ديندياس، تعليمات مباشرة للممثلين باستخدام حق النقض (الفيتو) إذا كان نصّ البيان المشترك لا يتضمن اقتراحاً يونانياً يشير إلى الامتثال لاتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا الصادر في مارس (آذار) 2016 بشأن اللاجئين والمهاجرين.
وبالفعل كشف أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن أحد الأهداف الرئيسة للاجتماع الطارئ المقرر عقده لوزراء الخارجية يهدف لتعزيز الوحدة الأوروبية بشأن سياسة سوريا والتعامل مع موجة اللاجئين الجديدة، للتأكد من عدم ذهاب الدول الأعضاء المذعورة في مسار مختلف عن الأزمة الحقيقية.
سياسة ردّ الفعل
هذه التطورات تعيد التذكير بأن الدور الأوروبي في الأزمة السورية لا يزال يتوقف عند رد الفعل، فمنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا وضع الأوروبيون أنفسهم على الهامش. لكن بينما يحتمّ عليهم واقع الأمر التدخل سريعاً، لم يعد بإمكانهم الاكتفاء برد الفعل. ومن قبل، أقرّ دبلوماسيون أوروبيون بانعدام نفوذ الكتلة في الصراع السوري، وأن الدول الأعضاء لديها أدوات محدودة للردّ على الأزمة المتفاقمة هناك.
وتقول جولين بارنيز ديكاى، الباحثة لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الأوروبيين بحاجة إلى الانخراط على نحو عاجل في جهود رفيعة المستوى لتشجيع النتيجة الوحيدة التي يمكن أن تخفف من الوضع وتساعد المدنيين السوريين، وهي إنجاز صفقة تركية روسية. علاوة على ذلك، يجب على الأوروبيين زيادة دعمهم الإنساني بشكل عاجل للاجئين الباحثين عن مأوى على طول الحدود التركية.
وفي 22 فبراير (شباط) الماضي، تم الإعلان عن عقد اجتماع بين قادة روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وإيمانويل ماكرون والمستشارة أنغيلا ميركل، في 5 مارس (آذار) الحالي، في محاولة من فرنسا وألمانيا التعامل مع الأزمة. لكن تأخر التحركات الأوروبية عمّق أزمة المدنيين السوريين الذين باتوا في انتظار اتفاق الأطراف على خطة لإنهاء العنف.
اتفاق روسي تركي
وأعرب الرئيس التركي، اليوم الاثنين، عن أمله في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا، إذ يتوجه الخميس المقبل إلى موسكو لإجراء محادثات مع نظيره الروسي في القمة الرباعية التي تضمّ قادة فرنسا وألمانيا. وربما تكون هذه القمة فرصة للجانب الأوروبي لتحقيق إنجاز على صعيد الأزمة السورية. وتقول ديكاى “في حين أن الكثيرين سيستبعدون قيمة أي شكل من أشكال المسار الدبلوماسي أو الاتفاق مع موسكو ودمشق، فإن البدائل أسوأ”.
وتضيف “لا أحد على استعداد للمخاطرة بالتورط في صراع عسكري مع روسيا، بخاصة عندما تكون تركيا متحالفة مع جماعات متطرفة على الأرض. فحتى بالنسبة إلى الولايات المتحدة فإنها أكدت مراراً عدم رغبتها في التدخل، وبينما كان الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا، جيم جيفري، في أنقرة حاشداً وراء الموقف التركي، إلا أن مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، صرح على الملأ بأن الولايات المتحدة لن تتدخل”.
وفي ظل هذه الظروف، فإن الخيار الوحيد القابل للتطبيق في إدلب هو تحفيز اتفاق بين تركيا وروسيا ينهي الهجوم العسكري، بحيث تنطوي هذه الصفقة على إضفاء الطابع الرسمي على التقدم الذي أحرزه نظام الأسد، بما في ذلك السيطرة على طريقين استراتيجيين رئيسين يتقاطعان في إدلب، مع إنهاء القصف والبقاء على مساحة أوسع للمتمردين السوريين من الشريط الضيق من الأراضي الحدودية الذي تعرضه روسيا حالياً على تركيا.
المصدر: اندبندنت عربية