يعتقد الخبراء أن الحظر المفروض على شركة هواوي الصينية يعبّر عن خوف الولايات المتحدة من فقدان مكانتها الاقتصادية، ومن رغبة الصين في مواجهة الاحتكار التكنولوجي لواشنطن التي تمتلك الكثير من الشركات العملاقة على غرار غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون.
ففي تقريره الذي نشرته صحيفة “إلباييس” الإسبانية، قال الكاتب كارلوس مولينا إن وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة بداية مرحلة قمع التجارة الحرة والتعددية باعتبارها وسيلة للتفاهم بين الكتل الاقتصادية الكبيرة.
وقد شن ترامب حربا تجارية غير مسبوقة على الصين واتهمها بكل المشاكل التي عانى منها الأميركيون، ومنها العجز التجاري.
فمنذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين، مر الاقتصاد الأميركي بعملية تحول صناعي لم يسبق لها مثيل، حولت البلاد من دولة مصدرة إلى مستوردة، وجعلتها تعتمد على الصين، أكبر مصنع في العالم.
ونشأت العديد من المعارك الأخرى بين البلدين في ظل تلك الحرب التجارية، مثل الانفتاح المحدود للاقتصاد الصيني، أو الحرب التكنولوجية للسيطرة على المعلومات.
وذكر الكاتب أنه فيما يتعلق بالصراع بين الصين والولايات المتحدة، يعتقد الخبراء أن المشكلة ترسخت بسبب التحول السريع الذي عانت منه الصين في العشرين سنة الماضية. ويعد التغيير في دور الكتل الاقتصادية الكبرى خلال العقدين الأخيرين، المفتاح الرئيسي لفهم بداية اندلاع المعركة التجارية بين البلدين وتحولها إلى التكنولوجيا.
وقال أستاذ التحليل الاقتصادي بجامعة فالنسيا الإسبانية فرانسيسكو بيريز إن “انعدام الثقة بين العمالقة الاقتصاديين قد ظهر، لأن نمو الصين وسعيها لقيادة الاقتصاد العالمي والمجال التكنولوجي جعلا الولايات المتحدة تشعر بأن نفوذها مهدد”.
وأضاف بيريز أن “الولايات المتحدة أخذت على محمل الجد الإستراتيجية الصينية المتمثلة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتنفيذ ما يُسمى المذهب التجاري التكنولوجي”.
وتابع أن هذه المواجهة بين العملاقين الأميركي والصيني، أدت إلى نسف ما يسمى تعددية الأطراف وبروز الخطابات التي تخلط بين الشؤون الاقتصادية والسياسية.
من جهته، يرى الأستاذ الفخري بجامعة “إميرتو ديل آي.أي.أس.أي” بيدرو نوينو أن “إقحام السياسة في مجال الاقتصاد يعني حتما أننا اخترقنا الاقتصاد، حيث يمكن أن يكسب السياسيون الشعبيون إعجاب الكثير من الناس، دون التحضير لذلك”.
وقال نوينو “قد لا يكون ترامب مدعوما في بوسطن أو نيويورك، ولكن هناك ملايين الأشخاص الآخرين في الولايات المتحدة الذين يشاركونه أفكاره.. يجب أن نحارب حتى لا نخلط بين الاقتصاد والسياسة، وحين يقع هذا الخلط، يمكن لأي شركة أن تختفي لأسباب سياسية”، في إشارة صريحة إلى المعركة التي أطلقت ضد شركة هواوي الصينية منذ 16 مايو/أيار 2019.
فقد اختار ترامب هذا التاريخ للتوقيع على أمر تنفيذي بحظر شركة هواوي من بيع منتجاتها في الولايات المتحدة. وفي الواقع، استفاد الرئيس الأميركي من قانون صدر عام 1977، يسمح له بتنظيم التجارة وحظر بيع السلع والخدمات في الأراضي الأميركية طالما تمثل “خطرا غير مقبول” على الأمن القومي.
وأبرز الكاتب أن هذا القرار الخطير المتمثل في منع شركة مصنعة من بلد آخر من بيع منتجاتها، يرتبط بشكل كبير بالدور المهيمن الذي تلعبه الصين في صناعة التكنولوجيا.
ولعل أوضح مثال على ذلك يتمثل في أن أكبر ثلاث شركات مصنعة للهواتف المحمولة تعتبر آسيوية الجنسية. في المقابل، تسيطر الشركات الأميركية العملاقة الأربع -غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون- على مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات.
وظهرت أوروبا في هذا الصراع الأميركي الصيني، إذ تعتبر من أكبر مستهلكي السلع والخدمات في العالم، ولكن حجم صناعتها في هذا المجال -فضلا عن أهميتها- ضئيل للغاية بحيث لا يمكنها منافسة الكتل الاقتصادية الأخرى.
وتعليقا على هذه المسألة، قال أستاذ الاقتصاد في كلية الدراسات المالية بإسبانيا سانتياغو كاربو إن “أوروبا تعتبر جزءا مهما للغاية من الطلب على المنتجات التكنولوجية، وخاصة من الولايات المتحدة التي لا تريد منها أن تستخدم هاتف هواوي 5جي”.
وخلص الكاتب إلى أن شركات التكنولوجيا الأميركية ستنجح في فرض نفوذها بمساعدة حكومتها التي تدعمها في أوروبا، حيث ترفض أن تُفرض عليها ضرائب في البلدان التي تنشط فيها، بينما تضغط واشنطن على الأوروبيين لمنعهم من الحصول على التكنولوجيا الصينية.
المصدر: الجزيرة نت