سمير خراط
منذ ثلاثة أشهر والعالم بأكمله يتعرض لهجمة فيروسية بدأت بقتل البشر وتسببت بأزمات اقتصادية انسانية لا مثيل لها، عرت حكومات وأشخاص وأظهرت حقيقة الجشع الذي يتبعونه، والمخرج الوحيد للإنسان من هذه المحنة هو العودة للمفاهيم الاقتصادية الانسانية بإدارة موارد الطبيعة.
عندما نسمع كلمة اقتصاد يخطر في أذهاننا علم الأرقام والمادة ولكن هذا العلم يخفي بداخله كثير من الجوانب الانسانية وهو العلم الذي لا يكذب. يروي لنا الواقع دون مبالغة ومن يتلاعب به يسقط في أزمة اقتصادية يصعب حلها في الأمد القصير.
كلنا قرأ عن النظرية الشيوعية بالاقتصاد وأغلبنا عايش بطريقة أو أخرى تطبيقاتها، البعض آمن بها والبعض رفضها جملة وتفصيلا، اعتمدوا بذلك على فشلها بتحقيق تلك العدالة الاجتماعية المنشودة، نتساءل هل كان السبب مكونات واسس النظرية أم القائمين على تطبيقها ، أما النظرية الرأسمالية بالاقتصاد فليست بأحسن حال ونعيش اليوم أكبر براهين عن تخبطها بمستنقعات الحروب لأنها أثبتت بكل قوة أنها تقوم على مآسي الشعوب لإثراء شعوب أخرى، وهذا بحد ذاته يتنافى ومفاهيم العدل الاجتماعي وقيم الانسانية ، ماذا تبقى لنا لنتحدث عن اقتصاد يحمل بطياته مفاهيم انسانية ، الاقتصاد الاجتماعي ، الاقتصاد السياسي ، أم الاقتصاد الانساني بحد ذاته ، فما هو هذا الاقتصاد وما هي النظريات الأقرب لواقعنا .
لنعد بالتاريخ لوصية بسيطة جدا (الناس شركاء بالماء والكلأ والنار)، ولنرى هذا الكلام ونحلله بدقة ماذا يعني:
شركاء بالماء
فقول إن الناس شركاء في الماء، إشارة إلى العناية بـ (الموارد المائية)، والعناية بالأنهار والبحار، وكيفية الاستفادة من تلك الموارد المائية، وأنه لا يجوز احتكارها؛ لأن منفعتها للجميع، وهذا ما يتوافق مع القوانين الدولية.
كما أن الحديث عن شراكة الماء فيه إشارة إلى (الثروة السمكية)، وأنها عامة للناس، فلكل الناس الحق في الصيد من البحار والأنهار والمحيطات، ويكون دور الدولة هو التنظيم وليس المنع، وفيه تشجيع على الثروة السمكية، وما ينتج عن ذلك من أثر في الأسواق، وحاجة الناس إلى هذا النوع من الطعام.
الشراكة في الكلأ
والحديث عن الشراكة في الكلأ فيه إشارة عن (الثروة الحيوانية)، وتشجيع الدولة أفرادها على تنمية الثروة الحيوانية، مما يترتب عليه كثرة المعروض من لحوم الإبل والبقر والغنم والماعز، كما يعني رخص اللحوم في الأسواق، ومما يعني تصدير تلك اللحوم، ليكون له أثر في نهضة الاقتصاد ونماؤه داخليًا وخارجيًا. كما أن فيه إشارة إلى الثروة الزراعية باختلاف أنواعها، وإن كان الكلأ ينبت في الجبال عادة، ففيه إشارة إلى العناية بالزراعة الجبلية، بالإضافة إلى الزراعية السهلية.
الشراكة في النار
المقصود عن شراكة البشر في النار، هو العناية بالطاقة بجميع أنواعها، خاصة ما يعرف بالطاقة الطبيعية التي تتولد عن النار أو البترول أو الشمس، أو ما يتولد عن حركة الرياح، وحاجة الناس جميعًا إلى تلك الطاقة التي يستفيد منها الناس في الإنتاج والحياة.
إن العناية بالموارد الطبيعية أساس من أسس الاقتصاد القائم على تدبير الممتلكات بأحسن وجه يمنع من التبذير أو التلف، وأن ينتفع بها على الوجه الصالح للإنسان.
وإن كان العلماء المعاصرون قد عرفوا الاقتصاد بأنه:” النشاط البشري الذي يشمل إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات.” فإن الاقتصاد الانساني يطالبهم لهؤلاء العلماء بتحقيق عدالة اجتماعية عن كيفية استثمار ثروات الأرض وناتجها، وثبت لنا أن لا وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، ولا البنك الدولي ولا صناديق التنمية سيكونون الأطراف التي ستُعيد توازنات المجتمعات، وإطلاق اقتصادات البلدان التي خرجت من حرب كارثية أخيراً. فالحكومات والشركات الكبرى هي من سيقوم بذلك على أن يأخذوا بعض النصائح من المجتمع الإنساني حول كيفية القيام بذلك على النحو الصحيح، بإعطاء الاهتمام الصحيح للإنسان وكيفية ادارة الثروات التي أنعم الله علينا بها لتكون وسيلة عدالة اجتماعية لا أن يتقاتلوا على كيفية الهيمنة على ثروات الأرض وابتداع الطرق بالهيمنة والاستغلال.