مجموعة من الخبراء
غالب دالاي
فيروس كورونا المستجد سيزيد من نقاط ضعف الاقتصاد التركي
سبق أن بدأ فيروس كورونا المستجد بتغيير معالم الحياة الاجتماعية الاقتصادية في تركيا. وبينما يرى الشعب التركي بالإجمال أن الحكومة تعاملت مع الأزمة بشكل جيد نسبياً، تتزايد أعداد الحالات المُشخَصة والوفيات بشكل تصاعدي. ورداً على ذلك، اتخذت الحكومة إجراءات حازمة، شملت رزمة تدابير تحفيزية بقيمة مائة مليار ليرة (15,4 مليار دولار) وإقفال الحانات والنوادي الرياضية والنوادي الليلية وتعليق صلاة الجمعة وفرض حظر للتجول وحظر الرحلات الجوية من 68 دولة وإليها.
وتتسبب هذه الإجراءات، مقرونة بتداعيات الجائحة حول العالم، بضرر اقتصادي كبير لتركيا. والمخيف أكثر أن الجائحة حدثت في وقت يشهد فيه الاقتصاد التركي أصلاً عجزاً كبيراً في الموازنة ونظاماً مالياً ضعيفاً ومستوى منخفضاً في احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية. وبعد أن تأثرت الليرة التركية بدايةً بأزمة إدلب، تخسر الليرة الآن أكثر فأكثر من قيمتها مقابل العملات الأخرى المهمة، ولا سيما الدولار الأميركي. وقد وصلت الليرة إلى أدنى مستوياتها منذ أيلول (سبتمبر) 2018.
ستكون قطاعات النقل والسياحة والطيران هي الأكثر تأثراً بالجائحة. ففي العام 2019 وحده، استقبلت تركيا نحو 52 مليون سائح، لتصبح الدولة السادسة الأكثر زيارة في العالم. ولأن السياحة من أهم مصادر الدخل للاقتصاد التركي الفقير بالنقد، سيكون أثر الجائحة على هذا القطاع مقلقاً للغاية.
وفي سياق مشابه، سيواجه قطاعا النقل والطيران في تركيا تحديات كبيرة. ففي العام 2019، سجلت الخطوط الجوية التركية الوطنية أرباحاً صافية بلغت 788 مليون دولار ومعدل إشغال نسبته 81 في المائة. وستتكبد هذه الشركة خسائر جسيمة في الأشهر المقبلة، خاصة مع خططها لإلغاء رحلاتها كافة تقريباً بحلول 27 آذار (مارس) -باستثناء الرحلات من إسطنبول إلى خمس وجهات أساسية.
في وقتٍ سابقٍ، توقعت الحكومة التركية أن ينمو الاقتصاد بنسبة 5 في المائة في العام 2020. أما الآن، فيبدو أن الاقتصاد التركي سيسجل هذا العام معدل نمو هزيلاً للغاية -أو حتى انكماشاً. أما إلى أي مدى ستكلف نقاطُ الضعف والويلات الاقتصادية التركية الحكومةَ على الصعيد السياسي، فشيء يعتمد على طول الأزمة، فضلاً عن عدد الوفيات والتداعيات الاقتصادية.
* *
نادر قباني
الخلاف الخليجي يمكن أن يفاقم التداعيات الاقتصادية التي ستخلفها الجائحة
أبلت دول مجلس التعاون الخليجي حسناً في احتواء تفشي فيروس كورونا المستجد، وكانت خطواتها وقائية وضمن المعقول وطُبقت بفعالية. فقد بدأت دول مجلس التعاون الخليجي بإلغاء الفعاليات الكبيرة والحد من عدد الزائرين القادمين من البلاد الشديدة التأثر. ثم حدت تدريجياً من التجمعات العامة وأغلقت المدارس وقيدت السفر وأقفلت المطاعم والأعمال غير الأساسية، وحالت دون انتشار الهلع بين مواطنيها وقاطنيها بتحديثات إخبارية منتظمة. وطرحت برامج فحص الوافدين وإجراءات الحجر، وحرصت على استمرار الخدمات الأساسية وقدمت تطمينات بأن مخازن الطعام مليئة. وأخيراً، أعلنت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي عن حُزم تدابير تحفيز اقتصادي بقيمة 97 مليار دولار لتهدئة مخاوف المستثمرين ومساعدة القطاع الخاص على امتصاص صدمة الأزمة.
مع ذلك، ستواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات مهمة عدة في الأشهر المقبلة. أولاً، مثل أي مكان آخر في العالم، ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي ركوداً في النشاط الاقتصادي بسبب تفشي الفيروس. بيد أن الانخفاض المرافق في أسعار النفط العالمية سيؤثر بشدة في اقتصاداتها. ثانياً، بين هذا التفشي مكامن الضعف الهيكلية في أنظمة العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الصعوبات في ضمان حقوق العمال الوافدين وتقديم الدعم المناسب لمجمعات السكن المكتظة حيث النقص في الخدمات. وأخيراً، في زمن تبرز فيه الحاجة الطارئة إلى التعاون والتنسيق الوطيدَين بين الدول، ما تزال العوامل الجيوسياسية تقوض منطقة دول مجلس التعاون الخليجي والمصالح الفضلى للدول الأعضاء فيه.
ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي اللجوء إلى عدد من الإجراءات بشأن السياسات لمعالجة هذه المسائل. أولاً، ينبغي عليها الحرص على الاستعمال الفعال لحُزم تدابير التحفيز التي أطلقتها. ويعني ذلك منح الائتمانات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عوضاً عن محاولة دعم قطاعات محددة أو الأسواق المالية المتقلبة. ثانياً، عليها أن تستمر بإدارة مرحلة ما بعد الأزمة بفعالية. وسيتطلب ذلك المحافظة على الخدمات العامة ودعم النشاط الاقتصادي عبر تسريع عمليات الدفع الحكومية للشركات وإجبار الشركات على دفع رواتب الموظفين في الوقت الصحيح. ثالثاً، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي تخطي الخلاف الداخلي والعمل معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية التي ستخلفها الجائحة والتراجع الناتج عنهها في أسعار النفط، وليس لديها الكثير من الوقت لتضيعه.
* *
عادل عبد الغفار
فيروس كورونا المستجد سيرغم شركات الطيران الخليجية على مواجهة وقائع صعبة
مع استمرار تداعيات فيروس كورونا المستجد في تدمير قطاع شركات الطيران، يُرجح أن تعاني شركات الطيران الخليجية الثلاثة الكبرى، طيران الإمارات، والاتحاد للطيران، والخطوط الجوية القطرية. وحتى الآن، تمكنت هذه الشركات من جذب العملاء من خلال طائرات أحدث وخدمة أفضل وأسعار تنافسية. لكنها واجهت تحديات كبيرة في السنوات الماضية. وتواجه شركة الاتحاد للطيران في أبوظبي مشاكل مادية، مما دفعها إلى الاستغناء عن طيارين وإلغاء طلبات لطائرات جديدة. وكان وضع شركة طيران الإمارات أفضل، لكنها سجلت أرباحاً أدنى في العام المالي 2018-2019، وشهد مطار دبي تراجعاً في أعداد المسافرين في العام 2019. وتعاني الخطوط القطرية منذ العام 2017 بسبب الحصار الذي تفرضه الدول المجاورة، وقد سجلت خسارة قدرها 640 مليون دولار بعد احتساب الضرائب في العام المالي 2018-2019.
ومن المتوقع أن يفاقم فيروس كورونا المستجد هذه المشاكل. فقد ألغت “الاتحاد” عدداً كبيراً من الرحلات وطلبت من الموظفين أخذ عُطلٍ سنوية مدفوعة. وطلبت طيران الإمارات أيضاً من الموظفين أخذ إجازات، وتتوقع أن يتأثر أداؤها المالي كثيراً. أما القطرية، فقد بدأت بالاستغناء عن موظفين. وأوقفت الشركات الثلاثة معظم طائراتها عن العمل مؤخراً.
لأن شركات الطيران المملوكة للدولة هذه تُعَد رموزاً وطنية ذات اعتبار، ستهُب حكوماتها لنجدتها على الأرجح. والاتحاد للطيران هي الأكثر تأثراً بين الشركات الثلاث، بعد أن تكبدت مؤخراً خسائر تبلغ 4.8 مليار دولار على مدى ثلاثة أعوام وأجرت سلسلةً من الاستثمارات الرديئة. ونظراً لهذه الضغوط، قد يحث فيروس كورونا المستجد إمارتَي أبوظبي ودبي على اللجوء إلى دمجٍ لطالما سرت الإشاعات عنه بين الاتحاد وطيران الإمارات. وفي الأثناء، قد تضطر القطرية إلى التراجع عن طلباتها الطموحة لطائرات حديثة يُقال إن قيمتها تصل إلى مبلغ خيالي قدره 90 مليار دولار.
ليس فيروس كورونا المستجد التحدي الأول الذي تواجهه هذه الشركات الثلاث، ولن يكون الأخير. فعلى المدى الطويل، ستتحدى طائرات جديدة بقدرة سفر لمسافات أبعد نموذجَ النقل المحوري الذي تعتمده هذه الشركات. كما أن أسعار النفط الأدنى بدأت تؤثر سلباً في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، مما سيحث صانعي السياسات الخليجيين على إعادة تقييم إنفاقهم بعناية، بما في ذلك الإنفاق على إعانات شركات الطيران. وبالإجمال، وفيما سيكون وضع شركات الطيران الثلاث هذه أفضل على الأرجح من شركات الطيران العالمية الأخرى في خضم أزمة فيروس كورونا المستجد، سوف يترتب عليها في نهاية المطاف أن تتكيف مع الوقائع المرة لقطاع الطيران.
* *
نهى أبو الدهب
بعض الحكومات ستستغل الجائحة لترسيخ الحكم السلطوي
شكلت جائحة فيروس كورونا المستجد حجة إضافية لقمع حقوق الإنسان. فالحكومات حول العالم تستخدم سلطاتها الاستثنائية لتطبق قيوداً استثنائية لإبقاء الفيروس تحت السيطرة. وتُذكر هذه المقاربة بالإجراءات السريعة والقمعية التي اتخذتها في السابق لتطبيق ما سُمي بسياسات مكافحة الإرهاب.
تتضمن الاستجابات الأخيرة لفيروس كورونا المستجد إجراءات مراقبة شاملة تتعقب تحركات المصابين بالفيروس ومعارفهم. وسبق أن زادت الصين من استعمالها لتقنيات التعرف إلى الوجوه لديها لهذه الغاية، فيما تستعمل إسرائيل الآن التكنولوجيا الرقمية لاستخلاص المعلومات التي يحتويها الهاتف الجوال الذي يملكه المصاب والأفراد الذين تُحتمل إصابتهم. وعلى الرغم من هذه الإجراءات التدخلية، تتقاعس الحكومات عن التصرف بطرق أخرى ضرورية لإبطاء تفشي الفيروس، مثل إطلاق سراح السجناء.
مع استحالة تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي في السجون المكتظة وغير النظيفة، طالب الكثيرون بإطلاق سراح مشروط لأكبر عدد ممكن من السجناء من أجل الحد من تفشي الفيروس. وفي بعض الدول، يُحتجَز عشوائياً مَن يطالب بإطلاق سراح السجناء. وتم مؤخراً اعتقال أربع مصريات أقمن احتجاجاً صغيراً أمام مقر الحكومة المصرية لهذا السبب بالتحديد. وفي الأثناء، أطلقت إيران سراح 85 ألف سجين من أجل السيطرة على تفشي الفيروس.
ويواجه المحتجزون في سورية، الذين يقدر عددهم بتسعين ألفاً، خطراً كبيراً من معاناة أسوأ تداعيات الجائحة، ولا سيما نظراً إلى ظروف احتجازهم الرديئة أصلاً، في انتهاكٍ للقانون الدولي. ولم تؤدّ العرائض المقدمة إلى المجتمع الدولي للضغط على النظام السوري من أجل إطلاق سراح المحتجزين إلى أي رد بعد.
مع وجود الآلاف من سجناء الرأي في الشرق الأوسط، تعد الدعواتُ إلى سراحهم سياسية للغاية وخطيرة للغاية. وكان الكثير من هؤلاء السجناء قد اعتقلوا عشوائياً بحجج واهية على أساس قوانين مكافحة الإرهاب القمعية التي ازدادت كثيراً بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وما تزال أوضاع السجناء وعائلاتهم متأرجحة بسبب تأثيرات هذه القوانين المُسيسة.
تشير السلطات الاستثنائية التي تلجأ إليها الحكومات إلى تطبيق المزيد من القمع عوضاً عن السيطرة فعلاً على تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، إلى استغلال أزمات الصحة العامة لترسيخ الحكم السلطوي. وعندما تتلاشى هذه الجائحة، سيكون أمام المحامين وصانعي السياسات الراغبين في نقض هذه القيود قدر هائل من العمل.
المصدر: (معهد بروكينغز) /الغد الأردنية