منهل باريش
سقط قتيل مدني أثناء اعتراض شعبي واسع ضد فتح هيئة تحرير الشام لمعبر تجاري بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، بين منطقة مزناز ومعرة النعسان في ريف حلب الغربي. وأطلق عناصر في الجناح الأمني لتحرير الشام النار على المتظاهرين الرافضين لفتح المعبر الذي شرعت هيئة تحرير الشام بافتتاحه.
وتداول نشطاء شريطا مصورا لعناصر الهيئة يقومون بدهس المتظاهرين، ومن ثم بدأ إطلاق نار لتفريق المتظاهرين. وقتل المدني صالح مرعي من أهالي بلدة معرة النعسان إثر إطلاق النار عليه وعلى آخرين، بعد عملية الدهس وسقط عدد من الجرحى.
وتعرفت “القدس العربي” على القائد الأمني الذي قام بعملية الدهس وأمر بإطلاق النار على المتظاهرين. والملقب “أبو محمد مهام” واسمه ضياء الدين عمر حسموس وهو من مدينة بنش القريبة، وكان مساعدا في جيش النظام انشق عنه نهاية 2011.
وقال ناشط من معرة النعسان: “استقدمت تحرير الشام تركس لإزالة السواتر الترابية التي وضعها الجيش التركي قبل يوم، لإغلاق الطريق إلى المعبر المزمع افتتاحه”. على تداعيات ذلك، توجه وفد من وجهاء البلدة، ضم أربعة أشخاص بينهم الناشط القتيل صالح مرعي، نقلوا مطالب المحتجين إلى حسموس المتواجد شرق البلدة بالقرب من مزناز حيث تنصب الهيئة حاجزا لها. وأعرب الوفد عن رفض الأهالي لفتح معبر مع النظام لعدة أسباب أهمها أن افتتاح المعبر يعني اعترافا بالسيطرة الجديدة، في حين يترقب المهجرون عودتهم إلى بلداتهم وانسحاب النظام إلى حدود نقاط المراقبة التركية. ما أغضب المسؤول الأمني وهدد الوجهاء أن المعبر سيفتح مهما فعلوا وان استطاعوا الاعتراض فليعترضوا.
وعقب تطور الأوضاع في معرة، تظاهر أهالي مدينة إدلب احتجاجا على تفريق المظاهر بقوة السلاح، وتجمع عشرات الشبان يهتفون ضد تسلط هيئة تحرير الشام وزعيمها أبي محمد الجولاني. وتوسعت التظاهرات لتشمل كفر تخاريم غربي إدلب، احتجاجا على مقتل مرعي.
وحاولت تحرير الشام فرض فتح المعبر وجعله أمرا واقعا، عندما أدخلت عدة شاحنات بعد مقتل المتظاهر، وأدخلت أربع شاحنات من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة، رافقتها تعزيزات أمنية كبيرة للجناح الأمني في الهيئة.
ودعا نشطاء إلى التظاهر في اليوم التالي لمقتل الناشط المدني تحت اسم جمعة “كلنا الشهيد صالح مرعي” وخرجت مظاهرات في إدلب وتفتناز وبنش ومعرة النعسان وكللي وكفر تخاريم ودارة عزة وحربنوش والأتارب.
ورفض أهالي معرة النعسان تشييع المتظاهر القتيل يوم الخميس، إلى يوم الجمعة من أجل إقامة تشييع لائق وكبير وإعطاء الفرصة لأبناء القرى والبلدات القريبة من أجل المشاركة. وبالعفل، تم التشييع وسط غضب شعبي كبير دفع بعض وجهاء البلدة إلى التبرؤ من أبنائهم المنتسبين إلى تحرير الشام في حال بقائهم فيها.
وانطلقت المظاهرة من وسط معرة النعسان إلى النقطة التركية غرب البلدة، وسلم نشطاء البلدة رسالة إلى الضابط التركي المسؤول، أعربوا فيها عن استنكارهم لفتح المعبر، وطالبوا الجيش التركي بالتدخل والضغط على تحرير الشام لإغلاق المعبر.
والجدير بالذكر أن الناشط القتيل هو معتقل سابق لدى النظام السوري، اعتقل لدى المخابرات الجوية في عام 2012 ولديه ابن قتل في المعارك ضد النظام في سجن حلب المركزي عام 2014 واثنان من أبنائه في جيش الأحرار أحد فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير”.
وقبل أسبوعين، اعتبر النازحون بسبب هجوم قوات النظام أن فتح معبر مع النظام في سراقب يعني إقرارا بعدم عودتهم إلى قراهم التي هجروا منها، وقبولا بخطوط التماس التي أقرها اتفاق موسكو في 5 آذار (مارس). ومع تفاقم أزمة النظام الاقتصادية، يرون أن المعبر سيخفف عنه بسبب تأمين الدولار له، واغراق سوقه بمواد غير متوفرة. كما يتخوف السوريون في الشمال من نقل فيروس كورونا إلى مناطقهم عبر البضائع وسائقي الشاحنات، وينتقدون فكرة تعقيم البضائع ويصفونها بأنها غير كافية ويتهمون النظام باختراع أساليب لنقل الفيروس وإلحاق الأذى بهم.
وتصر تحرير الشام على أن غاية المعبر هو تصدير الفائض الإنتاجي في الشمال إلى مناطق النظام، وأشار المسؤول في الإدارة العامة للمعابر، سعيد الأحمد، في تصريح لوكالة “إباء” التابعة للهيئة أن “المناطق المحررة تستورد بضائع من مناطق النظام بنسبة 5 في المئة مقابل 95 في المئة من تركيا”. وهو امر يجافي الحقيقة تماما، فالمعارضة خسرت نصف الأراضي المزروعة بالعمليات العسكرية خلال عام. ولم يعد لديها إنتاج يكفي ثلاثة ملايين مدني في إدلب. كما أن المنطقة مفتوحة باتجاه الشمال السوري في عفرين وشمال حلب، ويمكن نقل فائض السلع والإنتاج إليها.
وعلقت تحرير الشام قضية فتح المعبر على أثر الغضب الشعبي الكبير ضدها، وحملة الانتقاد التي ركزت على قائد الهيئة ونالت منه. ويدرك المدنيون في الشمال السوري أن قرار تعليق فتح المعبر هو محاولة لامتصاص الغضب الحالي، في حين أن القرار الاستراتيجي هو فتح المعابر. فتفعيل معبر مع النظام مرتبط برغبة تركية لا يمكن إغفالها في تنشيط الصادرات التركية والاستفادة المالية من بضائع الترانزيت التي تستورد من إيران أو الصين إلى إدلب ومنها إلى مناطق سيطرة النظام عبر شبكات تجارية تشغل أموال الهيئة وأموال الفرقة الرابعة.
ويقع معبر مزناز في مكان متوسط جغرافيا، فهو قريب على باب الهوى ويمكن أن تسلك الشاحنات طريقا سهلا إلى حلب عبر كفر حلب والشيخ علي، فأورم الكبرى، أو طريق أقرب إلى طريق M5 يسلك كفر حلب ومنها إلى الكماري الواقعة على الطريق. وهو الطريق المفضل لتجنب المرور بطرق البلدات التي تحتاج إلى صيانة كبيرة، وهو الأسرع باتجاه دمشق والمحافظات الجنوبية.
في سياق متصل، فإن الربط بين فتح المعبر والاعتصام على طريق M4 فيه مغالطة كبيرة، فهو سوء تقدير وشائعة يطلقها مناهضو الهيئة في عملية التحشيد ضدها. فالمعبر هو حاجة كل الأطراف ولا يحتاج إلى اتفاقات كبرى لأنه لا يعرض أي جهة إلى الخطر، على عكس طرق الترانزيت التي تحتاج إلى تفاهمات أمنية عريضة وواضحة. وبالطبع فإن تحرير تنظر إلى وجودها على طريق حلب-اللاذقية على أنه قرار وجود أو لا وجود. فهي تدرك أن إبعادها لمرة واحدة عن الاتفاق السياسي يعني إخراجها من المعادلة دائما. ولذلك فإنها ستفرض فتح المعبر المتوقع من مكان آخر في حال إصرار أهل بلدة معرة النعسان، وستبحث عن مكان خال من السكان، تكون فيه حركة المدنيين شبه معدومة، ويرجح هنا اختيار منطقة جنوب طريق M4 حيث ما زال أغلب سكانها نازحون في الشمال.
المصدر: القدس العربي