عقيل حسين
تباينت قراءة المعارضة السورية لقرار الرئيس الروسي الأخير فلاديمير بوتين تسمية سفير بلاده في دمشق مندوباً خاصاً له، حيث رأى فيه البعض خطوة جديدة من الكرملين لإحكام الهيمنة على النظام في سوريا، بينما وضعه آخرون في إطار خلاف روسي داخلي على طريقة التعاطي مع العلاقة بهذا النظام، في الوقت الذي اعتبرت قراءة ثالثة أن القرار لا يحتمل كل هذه المبالغات في الحكم عليه.
المبعوث الروسي الثالث
وكان الرئيس الروسي قد عين الاثنين سفير موسكو لدى دمشق، ألكسندر يفيموف، ممثلاً رئاسياً خاصاً لتطوير العلاقات مع سوريا، حيث يتولى الأخير منصب السفير الروسي لدى سوريا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2018. وبتسميته في هذا المنصب الجديد، يرتفع عدد المبعوثين الروس في سوريا إلى ثلاثة، بعد ميخائيل بوغدانوف والكسندر لافرنتيف.
ويرى البعض أن تسمية السفير الحالي بهذا المنصب سيعزز مكانته كموكل بالملف الاقتصادي والإشراف على الاستثمارات وعمل الشركات الروسية الحالي والمنتظر في سوريا.
مندوب سامي؟
وكان كثيرون من السوريين قد تلقفوا صدور القرار الجديد عن موسكو للتأكيد على أنه بمثابة إعلان الوصاية الكاملة للروس على سوريا، حيث اعتبر أصحاب هذا الرأي أن تسمية سفير موسكو في دمشق كممثل خاص للرئيس الروسي، هو بمثابة إعلانه مندوباً سامياً وحاكماً روسياً لسوريا.
ويرى هؤلاء أن الخطوة الأخيرة تمثل تتويجاً للهيمنة الكاملة لموسكو على القرار في دمشق، واستتباعاً شبه رسمي، لن يكون بإمكان النظام معه اتخاذ أي قرار مهم من دون موافقة من الكرملين، وهو ما يعني بالضرورة أيضاً رمي ورقة أخرى قوية على طاولة المنافسة الروسية-الإيرانية في سوريا.
ويرى عضو وفد المعارضة إلى جنيف، المحامي محمد صبرا، أن هذا الاستنتاج صحيح من حيث المبدأ، لكنه خاطئ من حيث ربطه بما يجري في سوريا، لأن الصحيح، كما يقول، أن القرار الأخير يرتبط إلى حد كبير بما يحدث في موسكو، فالملف السوري بين عامي 2011 و2016 كان ممسوكاً من قبل وزارة الخارجية الروسية التي يقودها سيرغي لافروف، وللعلم فإن لافروف يمثل إحدى المافيات الثلاثة التي تحكم روسيا.
لكن بعد فشل اتفاق كيري-لافروف تم إبعاد الأخير عن الملف السوري الذي أصبح بعهدة وزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي يمثل المافيا الثانية التي تتشارك حكم روسيا، لكن فشل شويغو في تحصيل المكاسب الاقتصادية الكاملة، خاصة في قطاع النفط الذي أصبح تحت السيطرة الأميركية، وإقرار قانون العقوبات الأميركي “سيزر”، أدى إلى صراع كبير في موسكو أثارته مافيا رئيس الحكومة السابق ديمتري مديفيديف وشركات الطاقة الروسية التي مولت مرتزقة فاغنر والفيلق السلافي وشركة موران.
ولذلك، يضيف صبرا في حديث ل”المدن”، “رأينا سيلاً كبيراً من المقالات التي وردت في الصحافة الروسية ضد بشار الأسد، وكان وراء هذه المقالات رجال أعمال من هذه المافيا، ورأينا قصة سيريتل التي قرر الروسي الاستحواذ عليها ونزعها من رامي مخلوف لتمويل جزء من فاتورة الحرب التي دفعها رجال أعمال روس كانوا يعولون على السيطرة على حقول النفط والغاز السورية لتعويض ما دفعوه”.
ويتابع أن “هذا الصراع في موسكو حسمه الرئيس بوتين، وذلك بأن نزع الملف السوري من يد وزير الدفاع ومن يد الخارجية بحيث سيصبح الملف بإدارة الكرملين مباشرة، لأن بوتين أدرك أن صراع المافيات الثلاث في موسكو أكثر عمقاً وقد يكون له تداعيات أكثر خطورة، مع التنويه أن بوتين يلعب دور الحكم بين المافيات الثلاث ويحافظ على توازن دقيق بينها”.
خطوة تقنية
لكن السفير السوري السابق والمعارض الحالي بسام العمادي، يختلف في قراءته للخطوة الروسية الأخيرة مع التقديرات السابقة، ويرى أنه مجرد إجراء بيروقراطي الهدف منه اصباغ صفة قانونية لربط السفير الروسي بمكتب الرئيس فلاديمير بوتين مباشرة، من دون الحاجة للمرور بوزارة الخارجية.
ويضيف أن “منصب السفير فوق العادة ومطلق الصلاحية، يمثل الصيغة التي يعين تبعاً لها جميع السفراء ذوي المرتبة العالية، وهذا يعطيهم صلاحيات كبيرة خلال عملهم، مع أن صلاحياتهم لا تكون مطلقة في معظم الأحيان. ففي الماضي كان السفير مطلق الصلاحية لعدم وجود وسائل تواصل سريعة كما نرى اليوم، لذا على السفير الآن طلب المشورة من وزارته في الأمور المهمة والتي يقدر أنها تتعدى صلاحياته”.
لكن التسمية الجديدة تعطي السفير الروسي علاقة مباشرة مع بوتين في ما يتعلق بالتواصل دون إعلام وزارة الخارجية التي يتبع لها السفير، ويبدو أن هناك تطورات تستدعي ذلك بالنسبة للرئيس الروسي، وهذا ما دعاه لإعطاء السفير الصفة الجديدة، مع أنها تدخل في نطاق عمله، علماً أنه لم تتضح تماماً بعد الغاية الحقيقية من هذا القرار.
الدكتور زكريا ملاحفجي، وهو معارض سياسي سوري، اعتبر من جهته، أن كل القراءات التي حاولت تفسير قرار الرئيس الروسي الأخير بتسمية سفير بلاده في دمشق كممثل خاص له فيها من الصحة ما يجعلها معتبرة، خاصة وأن الكسندر يفيموف بات اليوم سفيراً مباشر لبوتين إلى جانب كونه سفيراً لروسيا.
وأضاف ملاحفجي ل”المدن”، أن القرار الأخير يعني أنه بات لكل مجال في سوريا مبعوث روسي خاص، وهذا يعني مزيداً من إحكام السيطرة على النظام. وقال: “أنا أوافق بالعموم مع الأراء التي تقول بأن ما سبق يمثل وضع السفير الروسي بموقع المندوب السامي في سوريا، وطالما أن البحر والجو والقرارات المصيرية السورية اليوم هي بيد الروس، فإن القول أن تسمية سفير فوق العادة حدث عادي يصبح غير دقيق في هذه الحالة، فهذه القراءة تصح عندما تكون سيادة البلد محترمة وهو ما ليس متوفراً في الحالة السورية”.
المصدر: المدن