منهل باريش
يدخل قانون قيصر حيز التنفيذ في 17 حزيران (يونيو). واستبق موعد تطبيقه انهيار كبير في أسعار صرف الليرة السورية، والذي وصل إلى حد غير مسبوق (3000 ليرة للدولار الواحد) قبل أن يعود ويتراجع إلى سعر 2650 ليرة للدولار. ودفع الوضع الاقتصادي الضاغط بعدة احتجاجات في مناطق سيطرة النظام، أبرزها محافظة السويداء، حيث تدخل المظاهرات أسبوعها الثالث.
وتلاقي حركة احتجاجات السويداء صدى إيجابيا وترحيبا عاليا لدى أغلب السوريين في مناطق المعارضة، فيما تشهد مناطق في حلب الشرقية ودمشق اعتراضات شعبية يومية تتطور للاصطدامات خصوصا بين الميليشيات والمدنيين، بسبب سرقة مخصصاتهم اليومية من مادة الخبز.
ولم تقتصر الاحتجاجات على مناطق النظام، وانتقلت إلى محافظة إدلب بسبب رفع سعر ربطة الخبر إلى 600 ليرة سورية، رغم أن أغلب الطحين في الشمال يأتي عبر المساعدات الإنسانية الدولية والتركية.
وعن شكل تأثير قانون قيصر على المناطق السورية، ميز الباحث الاقتصادي، مناف قومان بين المناطق المتأثرة بتطبيق قانون قيصر، واعتبر في اتصال مع “القدس العربي” أن التأثير الأكبر سيطال مناطق النظام، لأن العقوبات تمس “أي جهة أو شخص يساهم في تعويم الأسد ومساعدته على إعادة الإعمار” وهذا سيصب في المحصلة بآثار سيئة على المواطنين. فعدم تمكن النظام من استيراد النفط جراء العقوبات عليه وعلى إيران سيخفض كمية المحروقات في البلد وهذا سيحيل النظام لأزمة محروقات قاسية وتقنين متزايد على الكهرباء. ومن ثم عدم قدرة النظام على الولوج للنظام المالي العالمي جراء العقوبات على المركزي، ومع شح الدولار في الأسواق والأزمة المالية في لبنان سيحيل هذا إلى أزمة في الواردات وبينها المواد الأساسية من قمح وسكر وأرز وغيرها، ونقص هذه المواد في الأسواق سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وهذا من شأنه أن يقلص من قدرة المواطن الشرائية مع تدني الأجور وتآكل قيمة الليرة.
بالنسبة لمناطق شرق الفرات يرجح أن تكون نتائج القانون أقل وطأة مقارنة بمناطق النظام، بسبب الدعم الأمريكي ووفرة الموارد ونسبة غير كبيرة من السكان. ونوه قومان “إذا تمكنت الإدارة الذاتية من انتزاع استثناء من العقوبات على بيع النفط لمناطق النظام هذا يعني استمرار تدفق الإيرادات للإدارة الذاتية”. وفي حال الرفض الأمريكي، سينعكس ذلك سلبا على موارد قوات سوريا الديمقراطية، ويضعها ذلك في مواجهة سياسية مع النظام، تجنبتها مرارا وحاولت تزوير الزوايا في كل المشاكل العالقة.
بالتأكيد، سيؤدي انخفاض قيمة الليرة إلى ضغط كبيرة على السوريين الذين يقبضون بالعملة السورية، والذين أصبحت رواتبهم تعادل بين 13-20 دولارا في الشهر، مثل موظفي القطاع الحكومي في مناطق سيطرة النظام. وسيؤدي عدم استقرار سعر الصرف إلى فوضى في تسعير السلع والمواد والخدمات وإبقائها في حالة اضطراب مستمر لا يتوقف.
وتوقع أن تكون مناطق سيطرة المعارضة هي الأقل ضرراً بسبب “نفاذها على تركيا وجراء استبدال الليرة السورية بالليرة التركية” ووصف الخطوة بـ “صمام أمان للتجار والأفراد من تكبد خسائر وتذبذب الأسعار”.
ويعيش الغالبية من السوريين في الداخل تحت خط الفقر حسب بيانات الأمم المتحدة، ويرجح ازدياد الأمور سوءا مع ارتفاع الأسعار بنسبة 130 في المئة عن شهر أيار (مايو) الماضي، حسب برنامج الغذاء العالمي.
وقال نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية حول سوريا في الأمم المتحدة، مارك كاتس في تغريدة له على موقع تويتر، يوم الثلاثاء، “أكثر من تسعة ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في وقت تواصل أسعار المواد الغذائية ارتفاعها، وتنخفض قيمة الليرة السورية بمعدل قياسي”. ويؤثر الانخفاض على أسعار المواد الغذائية والتي أصبح أغلبها مستوردا عدا الخضار فهي إنتاج محلي.
معاناة كبيرة
أعاد الانهيار الأخير في سعر صرف الليرة السورية صورة حصار العراق قبل الغزو الأمريكي إلى الذاكرة، وهو الحصار الذي جوع أهله وحرمهم حتى الدواء. ويخشى كثير من السوريين بينهم معارضون من انزلاق الأمور في سوريا إلى معاناة كبيرة، بحجة الضغط على النظام وحصاره عسكريا. وذهب البعض إلى تبني آراء غير حقيقية كتحويل المبالغ الصغيرة من المغتربين إلى أهاليهم، والواقع أنها مجرد شائعات تبناها البعض بدون أي أس من الصدقية. إلا أن قانون قيصر يتجنب اللجوء إلى عقاب جماعي لسوريا أو للدولة السورية. على العكس من ذلك، فقد نهجت أمريكا منذ عام 2011 بمعاقبة شخصيات ومؤسسات داعمة للنظام السوري ومتورطة في تعذيب المحتجين وتمويل ميليشيات عسكرية.
وفي شروحات تطبيق القانون الأمريكي، لفت المحامي والمعارض السوري محمد صبرا، في تصريح لـ”القدس العربي” إلى أن القانون محكوم بضابطين، الأول هو موضوع النشاط وحدده القانون بخمسة مجالات، هي: توفير الدعم المالي والتقني للنظام السوري أو لأي من الميليشيات والمرتزقة الذين يقاتلون في سوريا ويتبعون الحكومتين الروسية الإيرانية. أو أن يقدم خدمات تكنولوجية في قطاع النفط والغاز، وتقديم قطع تبديل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية من قبل النظام والميليشيات المقاتلة إلى جانبه، ويقدم بشكل مباشر خدمات بناء أو خدمات هندسية.
الضابط الثاني: هو شخصي محدد في أن ينخرط أي شخص بصفقة مالية أو من أي نوع آخر مع حكومة النظام أو مع شخصية سياسية رفيعة في النظام. وأن يتعاقد أي شخص في صفقة مع مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية. أو أن يتعاقد أي شخص مع آخر خاضع للعقوبات الأمريكية فيما يتعلق بسوريا.
وتدلل الضوابط على أن المعاقبين سيندرجون في إطار الشخصيات السياسية البارزة أو يتعاقدون مع الميليشيات والمرتزقة. وسيحرم المنتهكون من دخول الولايات المتحدة الأمريكية والحصول على التأشيرات.
ورغم الضغط الهائل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد حفظ القانون طريقا سريعا لوقف العمل بالقرار خلال مدة ستة أشهر (180) يوما، شريطة أن يتوقف النظام السوري عن قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيمائية، وإطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسريا، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بإجراء التحقيقات اللازمة، والتزام النظام بالاتفاقيات الدولية وعدم إنتاج وتخزين واستخدام السلاح الكيميائي، والتوقيع على اتفاقية حظر إنتاج السلاح البيولوجي، وسماح النظام للاجئين بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة.
ويرجح أن تزيد قوائم المعاقبين اقتصاديا من رجالات النظام السوري، وبالطبع ستتوسع القائمة لتشمل آخرين في بلدان مثل لبنان الذي يعتبر مصدرا هاما للمحروقات السورية والمواد الغذائية، والسوق السوداء التي تمد النظام السوري بالدولار. ويعتبر العراق ثاني بلد متوقع أن تطاله العقوبات الاقتصادية بسبب قانون قيصر كونه المورد للمحروقات والأغذية والسلاح للمليشيات الإيرانية.
وقبل أسبوع من موعد بدء تطبيق قانون قيصر، عقد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، مباحثات مع نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي فيرشينين، الخميس الماضي.
وأوضحت الخارجية الأمريكية في بيان لها أن جيفري “ناقش العملية السياسية السورية مع فيرشينين، في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”. وتطرق الطرفان إلى آخر التطورات في إدلب، وفي شمال شرقي وجنوب غربي البلاد.
وأعلنت الخارجية الروسية موعد زيارة مرتقبة، لوزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف إلى موسكو، حيث يجتمع بنظيره الروسي فلاديمير بوتين. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن المباحثات ستجري يوم 16 من حزيران (يونيو) الجاري، قبل يوم من بدء تطبيق قانون قيصر على النظام السوري.
وتسعى أمريكا من خلال زيادة الضغط الاقتصادي على أن تتبنى روسيا سياسة مغايرة لسياسة الحسم العسكري التي انتهجتها منذ تدخلها في سوريا إلى جانب النظام في أيلول (سبتمبر) 2015. والتي توقفت بشكل مؤقت في آذار (مارس) الفائت. وتضغط من أجل فرض عملية التسوية، من خلال السلال الأربع المعطلة بسبب سلة الدستور، حيث شكلت اللجنة الدستورية لكتابة دستور جديد للبلاد، إلا أن النظام السوري يعطل عقد جلسة اللجنة المصغرة ويضع العصي في دواليب عقده في جنيف أو حتى عبر الدائرة التلفزيونية، ومن الواضح أن الاستراتيجية الأمريكية تعتزم على إنهاك النظام وعصره اقتصادياً، وربط تخفيف القيود عنه بمسألة التقدم في الحل السياسي.
وعلى الضفة الأخرى، تتعالى صيحات الانتقاد في أوساط الخبراء والمحللين في روسيا لنظام الأسد، وتدعو الصحافة الروسية بين الفينة والأخرى إلى أن التخلي عن شخص بشار الأسد هو النتيجة الحتمية والأقل تكلفة على موسكو ومصالحها في روسيا. وسيورط قانون قيصر الشبكة المالية والاقتصادية للكرملين بعقوبات إضافية بسبب محاولة إمداد النظام المستمرة.
المصدر: القدس العربي