مع الازدياد الكبير بأعداد معوقي الحرب، التي أنتجتهم الهمجية الأسدية، عبر سنين الثورة السورية السبع، والقصف المستمر على المدنيين الذي خلف مئات الآلاف من معوقي الحرب، ضمن كل أنواع وظروف الإعاقة الجسدية ناهيك عن الاعاقات النفسية الكثيرة جدًا، لكن يبدو أيضًا أن هناك الكثير من التقصير في مساعدة ودعم معوقي الحرب هؤلاء. وهو ما يترك آثارًا نفسية على هذه الفئة من الشعب السوري، ليست أقل من الإعاقة نفسها، فهناك تقصير كبير من معظم المنظمات ذات الطابع الإنساني التي يفترض أن تتصدى لهذه المسألة التي باتت من الأهمية بمكان بحيث لم يعد بالإمكان السكوت عنها. جيرون سألت بعض المتابعين والمختصين والمسؤولين عن هذه القضية، ومن ثم لماذا كل هذا التقصير؟ وكيف تتبدى الحلول الضرورية من أجلهم؟ ضمن واجب الوقوف إلى جانب ضحايا الحرب من الشعب السوري؟
عبد الرحمن ددم مدير منظمة الرواد للتعاون والتنمية قال ” للأسف فإن طول الأزمة وتعدد الاحتياجات وقلة الموارد، في كل المواقع، وكما أن الاستجابة لهذه الحالة الانسانية أمر مهم. فان الوقوف على الأسباب المنتجة لمعوقي الحرب وازديادهم أكثر أهمية، والمتابعة تتم من خلال تكليف مجالس المحافظات بمتابعة الأمر” ثم قال ” إن تلبية وسد الاحتياجات أمر ليس بالسهل. ويبدأ من إحصاء هذه الحالات وتصنيفها، وأن تناط المهمة إلى الحكومة السورية المؤقتة لدراسة آليات التدخل، من خلال برنامج وطني يقدم إلى الاتحاد الاوربي مثلًا “.
أما عبد الكريم درويش مدير مركز الدعم النفسي والاجتماعي في اعزاز قال ” إن أعداد ضحايا الحرب في حالة ازدياد كمي ونوعي باطراد مع عامل الزمن، ويعود ذلك للعديد من العوامل منها العفوية مع بداية التظاهرات السلمية وعدم خبرة الناس في الحماية الذاتية، وكذلك تصاعد وتيرة همجية النظام وحلفائه ونوعية الأسلحة التدميرية المستعملة وخاصة الطيران الحربي. وارتفاع نسبة الإصابات لأعداد السكان وجغرافيا المكان بالنسبة للإمكانيات المتوفرة وأيضًا هجرة الكوادر الطبية البشرية من الميدان الشعبي للسوريين وخروج المشافي الميدانية ومنظومات الاسعاف عن الخدمة، نتيجة استهدافها من الطيران الحربي الروسي حليف النظام بالإضافة إلى قيام واختفاء فصائل عسكرية محلية نجم عن صراعاتها المسلحة البينية، وذلك أفقد عناصرها ومناصريها من الرعاية الصحية والكفالة المتدنية. ولا ننسى هجرة المنظمات الدولية الانسانية العاملة في هذا المجال نتيجة فقدانها الأمن والأمان، وانكماش الداعمين نتيجة الفساد في فرق عملهم والتضييق في شروطهم حسب مصالحهم مع مصالحنا في الوطن والميدان، وكذلك الوجهة الضيقة للجهات الداعمة حيث يهمها أتباعها ومحازبيها وهذا التمييز يتنافى مع البعد الإنساني، علاوة على الاهمال العام للثورة في سورية وانعدام توفر متطلباتها”. ثم قال درويش ” من خلال تلك العوامل والتحديات يمكن وضع الحلول الأقرب للواقع وهي عمل منظومة إسعافية مركزية من أجل الاهتمام العادل بالتساوي، وتوفير قاعدة بيانات مركزية للمتابعة وعدم الازدواجية في الدعم، وتوعية الناس الوقائية من مخاطر الحروب والوقاية من مخلفاتها من ألغام وغيرها وكذلك التوعية النوعية لمتابعة العلاج والنقاهة لأهل المصابين لمعرفة كيفية الاعتناء بهم، وإقامة عمل منظومة رقابة وتفتيش من الداعمين إلى المستفيدين لعل ذلك يخفف من أعداد المصابين والاعتناء بهم، من نظام همجي لم يعترف بحق شعبه في الحياة بعد سبع سنوات من الحرب “.
الدكتور خليل سيد خليل عضو المجلس المحلي في مدينة كفر تخاريم قال لجيرون ” لقد خلفت الحرب الدائرة منذ أكثر من سبع سنوات عشرات الألوف من المعوقين في المجتمع السوري، والذين باتو بحاجة ماسة لرعاية من المجتمع المحيط بهم، والمنظمات الإنسانية العاملة في الداخل السوري، ونرى تقصيرًا من المجتمع المحيط بهم، نتيجة تشوهات الحياة لما أصيب بسرطان الحزن، وكذلك الزمن نفسه عدوًا للإنسان، فكل يوم يبدأ يعني سماع أخبار جديدة عن القتل والدمار وقصف وانسداد أفق الحل لما يجري على الأرض السورية، والخلافات في قراءة الناس لما يجري على الأرض السورية، والذي تسبب بقطيعة بين الناس والأخوة والازواج وأصبح الناس غرقى في مأساتهم، التي هي جزء من جحيم وطن نازف غارق بدماء أبنائه، مما دفع كل إنسان للانكفاء داخل عزلته وأحزانه بسبب الحرب القذرة التي وقودها شبان سورية وأطفالها ونسائها”. وانتهى خليل إلى القول ” كل ذلك أدى إلى تقصير في مساعدة ودعم معوقي الحرب في سورية ولا تتبدى الحلول إلا بانتهاء الحرب الدائرة والخلاص من الدمار الذي يطال البشر والحجر”.
أما المعالج الفيزيائي أحمد معتوق مدير إحدى مؤسسات علاج معوقي الحرب في سلقين فقد قال لجيرون” حتى اليوم لا توجد احصائية دقيقة واضحة حول ما خلفته الحرب من إعاقات في سورية، حيث تزيد معدلات الإعاقات والإصابات نتيجة ضعف الإمكانيات المسحية أو العددية وعدم القدرة على متابعة الحالات اليومية ، والواقع أن أطفال سورية قد أكلت الحرب من أجسادهم وهم في معاناة ما بعد الألم ، ولا أحد يسمع أنينهم ، حيث يعاني الكثير من مصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة جراء الإصابات، من الإهمال الذي يحرم بعضهم من الشفاء، بل قد يفاقم حالتهم بسبب تراجع العناية الصحية المقدمة لهم، ما يحولهم إلى ضحايا منسيين، بعد تعرضهم لإصابات منعتهم من استكمال حياتهم بشكل طبيعي ، ولم تقتصر إصابات الحرب على بتر الأطراف، بل شملت فقدان الأطفال لحواسهم خاصة السمع والبصر، ومن ضمنهم الطفلة تسنيم باكير التي فقدت السمع نتيجة سقوط برميل في الحي بالقرب من منزلها، والطفلة نور محسن أصيبت بصمم كامل، نتيجة تعرض منزلهم لسقوط صاروخ فيه، والطفل محمد عرب حيث فقد حاسة السمع والنطق، والطفل محمد صالحة أيضًا الذي فقد إحدى عينيه نتيجة شظايا تعرض لها من قذيفة انفجرت بجانبه، والطفل زكريا أصيب بشلل نصفي بسبب تعرضه لإصابة في ظهره، أما الشاب عبد القادر وتي الذي تعرض لإصابة كسر في الحوض وأذية دماغية نتيجة انفجار ، و جميعهم من مناطق إدلب المحررة ، والشابة فاطمة أصيبت بالشلل نتيجة إصابتها بطلق ناري أدى إلى احتراق النخاع الشوكي مما أدى إلى شلل ، والشابة زينب تعرضت لإصابة وشلل في يدها اليمنى نتيجة اصابتها بشظية وهي من ريف دمشق معضمية الشام ، أما الطفلة نغم التي فقدت إحدى قدميها وهي من ريف دمشق/ الغوطة الشرقية، والطفل محمد درويشة فقد النطق وتأذى بشلل نصفي ، والطفل غياث تعرض لحالة عصبية نتيجة خوف شديد من صوت ضرب الطيران ، والطفل يوسف صافي نتيجة الهلع والخوف تعرض لمرض يسمى غيلان باريه، وهو إحدى حالات الشلل العام في كامل الأطراف ، والسيدة أم نبيل من الزبداني تعرضت لإصابات عديدة وأصبحت عاجزة تمامًا، نتيجة سقوط برميل على منزلها ووفاة ابنتها في الحال ، وهذه الحالات كلها من وادي بردى ، وهناك الكثير الكثير لا تتسع الذاكرة لذكر أسمائهم. ولا ننسى الطفلة نغم من الغوطة الشرقية التي فقدت نصف رجلها من قصف الطيران على حمورية، وأبو مرعي بترت رجله نتيجة الانفجار”. ثم عن معاناته في قلة الدعم ليقول ” لدينا الكثير والجميع ويعانون من نقص الطبابة والرعاية وخاصة من الأطراف والأجهزة والكراسي وأجهزة السمع والبصر، والأهم من كل ذلك قلة العاملين أصحاب الخبرة لمساعدة المعاقين، وعدم توفر أجور للاختصاصيين والعاملين، علاوة على قلة الموارد حيث لا يوجد أسرة للعلاج، ولا كهرباء لتشغيل جهاز صغير، أما سبب التقصير في المساعدة فهو المنظمات التي تلتفت للإغاثة الغذائية والألبسة ولا تعطي أي اهتمام للمعاقين، علمًا أن المعاق أبدى من أي عمل آخر، لأن المعاق يعيق معه اثنان وثلاثة لمساعدته، إذا استمرت إعاقته، أما إذا تمت معالجته فيعين نفسه، ويعين من حوله، وتتبدى الحلول الضرورية من أجلهم بأن على كل الهيئات والمنظمات والدول التي ترفع شعار الانسان أن تطب فعلًا ما تقوله، لأن الإعاقة تعطل الكثير الكثير من المجتمع. ولابد من مشروع متكامل لخدمة وتغطية هذا الموضوع”.
المصدر : جيرون