منهل باريش
في 20 شباط (فبراير) الماضي، وجه قائد هيئة تحرير الشام رسائل عدة للمجتمع الدولي في مقابلة مع مجموعة الأزمات الدولية تحت عنوان “العمل الجهادي في سوريا: حديث مع أبو محمد الجولاني”.
نوه قائد هيئة تحرير الشام إلى إنجازاته في ملاحقة “خلايا تنظيم الدولة الإسلامية بشكل منهجي في إدلب” وبنتيجة لتلك الملاحقة “لم نشهد هجوماً لتنظيم الدولة في إدلب على مدى الأشهر الستة الماضية”.
وأضاف “أننا احتوينا حُراس الدين، الذين تربطنا بهم علاقة معقدة. وأخذنا منهم تعهدا ألا يستخدموا سوريا كنقطة انطلاق للجهاد الخارجي والاعتراف بحكومة الإنقاذ [الحكومة المحلية التي شكلتها هيئة تحرير الشام في إدلب] وبمحاكمها [بعبارة أخرى، بعدم إقامة محاكم شرعية خاصة بها]. وحتى الآن، التزموا بهذه التعهدات”.
وأكد عدم وجود أصوات متشددة داخل هيئة “تحرير الشام” و”الجميع يلتزم بقرار القيادة. أما بالنسبة لأولئك الذين لا يفعلون، فيمكنهم بسهولة الافتراق عنا”.
بالنسبة للحزب الإسلامي التركستاني، شدد الجولاني على معيار التهديد الخارجي، مشيرا إلى أنهم “لم يشكلوا تهديداً للعالم الخارجي. إنهم ملتزمون حصراً بالدفاع عن إدلب ضد اعتداءات النظام”. ورغم تعاطف الجولاني مع قضيتهم “لكن صراعهم في الصين ليس صراعنا، ولذلك نقول لهم إننا نرحب بهم هنا طالما التزموا بقواعدنا-وكذلك يفعلون”. وفي ختام رسائله الدولية طالب المنظمات التي غادرت إدلب بسبب الاعتداء عليها من قبله بالعودة والعمل، وأعطى ضمانة عدم المساس بها.
ويحافظ قائد الهيئة على التوازن الحاصل أعلاه في إدلب، بشكل دقيق للغاية منذ موافقته على دخول القوات التركية إلى إدلب ونشر 12 نقطة مراقبة تركية لتثبيت مناطق خفض التصعيد الأربع التي اقرت في مسار أستانة، والذي ولد انشقاقا داخل تحرير الشام أفضى لخروج أبرز قادة الصف الأول العسكريين والشرعيين الأردنيين وتشكيل تنظيم “حراس الدين” مع أبو همام الشامي أو فاروق السوري (اسمه سمير حجازي) القائد العسكري العام السابق لجبهة النصرة، والذي أشاع التنظيم مقتله في ضربة للطيران الأمريكي في آذار (مارس) 2015 شمالي إدلب قرب الحدود التركية السورية، والذي يعتبر أول الخارجين من تنظيم فتح الشام لحظة تأسيسها وفك الارتباط في القاعدة في تموز (يوليو) 2016 ومعه خرج القياديان الأردنيان إياد الطوباسي (أبي جليبيب الأردني) وبلال خريسات (أبو خديجة الشرع).
وترأس الشامي تنظيم “حراس الدين” الذي تكون من عدة مجموعات جهادية صغيرة، أبرزها “جيش البادية” و”جيش الملاحم” و”جيش الساحل” و”سرية كابل” و”جند الشريعة” وبقايا تنظيم “جند الأقصى” المقرب من تنظيم “الدولة الإسلامية”. وبلغ تعداد “الحراس” لحظة تأسيسه قرابة 1800 مقاتل، يشكل المقاتلون العرب أكثر من نصفه، حسب التقديرات المتداولة في أوساط الجهاديين. وخاض التنظيم الوليد سجالا مستمرا لم ينته حتى الآن بخصوص أحقيتهم بسلاح وعتاد لم تعطه قيادة تحرير الشام لهم.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 أعلنت أربعة تنظيمات جهادية رفضها لاتفاق سوتشي الموقع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، ومانعت سحب سلاحها الثقيل وتشكيل منطقة منزوعة السلاح الثقيل داخل أراضي المعارضة. وشكل “حراس الدين” و”جبهة أنصار الدين” وجماعة “أنصار الإسلام” وتنظيم “أنصار التوحيد” غرفة عمليات مشتركة باسم “وحرض المؤمنين” وشنت عدة هجمات على قوات النظام في منطقة سهل الغاب. واعتبرت الغرفة تحديا لإرادة تحرير الشام في وقف القتال.
في مطلع أيار (مايو) خرج تنظيم “أنصار التوحيد” من غرفة عمليات “وحرض المؤمنين” نتيجة توجه قادة الفصائل إلى توسيع الغرفة وإنشاء تحالف مع فصائل جديدة منشقة عن هيئة “تحرير الشام” وعلى رأسهم كتيبة الأوزبك وانضمامها بقيادة أبو صلاح الدين الأوزبكي إلى جبهة “أنصار الدين” وكذلك خروج أبو مالك التلي مع مجموعة من مقاتلي القلمون والغوطة الشرقية وتأسيسهم لواء “المقاتلين الأنصار”.
ويعتبر أنصار التوحيد أحد الفصائل التي تمكنت تحرير الشام من احتوائها تدريجيا والسيطرة على قرارها بسبب الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه للجماعة، خصوصا مع شح الدعم الذي تواجهه منذ نحو عامين، والذي ظهر مؤخرا مع إعلان التنظيم عن حملة تبرعات.
وأعلنت غرفة عمليات “وحرض المؤمنين” عن توسيع نفسها من خلال تأسيس غرفة تضم فصيلين جديدين هما تنسيقية الجهاد بقيادة ابي العبد اشداء، الخارج من سجون “تحرير الشام” مؤخرا ولواء “المقاتلين الأنصار” وهو ما حذرت منه قيادة “تحرير الشام” سابقا واستشعرت خطره عليها وعلى وحدة صفها العسكري الداخلي، فقامت مباشرة باعتقال أبو صلاح الأوزبكي وابي مالك التلي.
وضع الاعتقال فصائل غرفة عمليات “فاثبتوا” أمام اختبار صعب للغاية، فقرار المواجهة سيكون باهظ الثمن عليها نظرا لسيطرة تحرير الشام الواسعة في إدلب، إضافة إلى خشيتها من دخول الجبهة الوطنية في القتال ضدها إلى جانب “تحرير الشام” بسبب رغبة الوطنية بتطبيق اتفاق موسكو الذي نص على فتح طريق الترانزيت “M4” والذي رفضته “حراس الدين”.
وتسعى “تحرير الشام” إلى إظهار نفسها بمظهر المحارب للإرهاب والضامن للاتفاقات الدولية، الذي يعاقب المشاغبين والذي تمثل بحماية الدوريات التركية المشتركة بشكل غير مباشر بهدف الحصول على رضى الدولتين بالاستئثار بحماية الطريق وإبعاد “الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة من تركيا.
وأصدر الجناح العسكري في هيئة “تحرير الشام” الجمعة، قرارا منع تشكيل أي فصيل جديد أو إنشاء غرف عمليات إلا بإشراف غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تشرف عليها. وقال القرار “نظرا لما تمر به الساحة من ظرف عسكري استثنائي، يمنع إنشاء أية غرفة عمليات أخرى أو تشكيل أي فصيل جديد تحت طائلة المحاسبة، بحيث تصبح جميع النشاطات العسكرية بإدارة غرفة عمليات الفتح المبين”.
من جهتها قالت غرفة عمليات “فاثبتوا” في اليوم نفسه، إن هيئة “تحرير الشام” “غدرت بها بعد اتفاق التهدئة الموقع اليوم بين الطرفين، والذي وقعه ابي حفص بنش عن الهيئة وأبو عبد الله السوري عن فاثبتوا”. وأشار البيان “بعد الاتفاق الذي تم في عرب سعيد بين غرفة عمليات فاثبتوا وهيئة تحرير الشام، وما جرى خلال التحضير له من رغبة الطرفين في استمرار الترتيب سوية في باقي المناطق، تفاجأنا بالغدر من قبل هيئة تحرير الشام المتمثل بمداهمة مقرات غرفة عمليات فاثبتوا في سرمدا والساحل” وهددت بنقض اتفاق وقف إطلاق النار الموقع، في حال استمرت “الاعتداءات”.
وأشار البيان إلى أنه يحال بعض “الإخوة” المدعى عليهم، إلى التركستان للنظر في أمرهم لدى القضاء، إضافة إلى إغلاق مقر حراس الدين في عرب سعيد، وتعهده بالمقابل بعدم إقامة حواجز في القرية. وكانت غرفة العمليات أعلنت موافقتها على رفع الحواجز التي نصبتها غربي مدينة إدلب عقب الخلاف بينها وبين “تحرير الشام” بضمانة كتيبة “جنود الشام” و”أجناد القوقاز”.
وتدرك “تحرير الشام” أن الإقتتال مع فصائل غرفة “فاثبتوا” له عواقب وخيمة عليها إذا اضطرت لحرب من دون مساندة فصائل الجبهة الوطنية المدعومة تركيا، فمقاتلو “فاثبتوا” هم من أكثر المقاتلين تمرساً وصلابة، إضافة لشعور أغلبهم أنهم جزء من تنظيم القاعدة الأم، ويحظى بمباركتها. فمعركة مفتوحة بين الجانبين ستضعف “تحرير الشام” إلى حد كبير ولا تجعلها القوة الضاربة والمسيطرة في إدلب، وهذا ما سيدفعها إلى خيار وسط بين الخيارين تسعى إلى تفكيك “فاثبتوا” وإطلاق القياديين الأوزبكي والتلي بشرط حل عقد فصيلهما، وفرض شروط تعيد فكرة الاحتواء التي تباهى بها الجولاني.
المصدر: القدس العربي