مصعب عيسى
يزورك سادن الليل بعد المنتصف
يأتيك بزي امرأة عابرة ومثيرة للهواجس الهوميرية، تحادثها ….
تحتسي معها كاس اغترابك العاشر وتهذي على صدرها بأسماء الشهداء الذين رحلوا بعيد الاقتحام الوطني بدقائق.
تعدهم شهيدا، شهيدا …وكيف استشهد كل منهم بتفاصيل انت تتعثر بها للمرة الأولى .
تنفث دخان سيجارتك في وجه هذه المرأة الشيطان التي زارت مخدعك ليلا بعد العاشرة، وتسرد بعيدا في سرب حمام عابر فوق اسطح المخيم …خيمة خيمة تمر فوق ظلال الصفيح كسحابة صيف ماطرة .
ثم تحط على قارعة زقاق قديم كان قبل الحرب بدقائق مهجعا رفاقيا، وساحة احتفال شعبي ، ومقهى عاجل ومطعم للماكولات المتنقلة ، وشارع لكل العاشقين العابرين من بين الازقة .
هذا الحنين الاله
يتربص بوحدتك يراقب ظلك العابس سرا ،ينتظر اختمارك على مهل كغليان العنب في قدر النبيذ فوق نار هامسة ..ثم يباغتك فجأة هكذا دون أي مصادفة ودون أي ميعاد مسبق
ينقض فوق جسدك كجاثوم يكتم نفسك يخنق قلمك ويجفف الحبر في القلم المتكأ على يدك ..
ثم يبدا بتعرية ذاكرتك …ذكرى تلو أخرى ومشهد يتبع اخر …وتفاصيل بعيدة وقريبة تبدا بالانهيار امام سطوته القاتلة
ثم تنتهي عاريا تضاجع ظلا لايشبهك
تمارس الفاحشة مع امرأة من سراب ..أردتك قتيلا عاريا باكيا …وحيدا بعد العاشرة
تلملم ثياب ذاكرتك …ومرايا روحك المبعثرة فوق الركام البعيد عند باب المخيم ..
تسرح سواد غربتك خصلة خصلة ..تقلم اظافر التعايش كلما طالت بك المنافي
تأخذ كاسا من الفودكا المرصعة بشرائح حامضة وتدفعها بقوة الى فمك ..ثم تنهض تلملم دموعك النازفة مثل خراب الوطن في رحيله الأخير …
تقف مثل شجرة الزيتون ..فوق كل هذا الرماد ..تنفض غبار الذكريات …وتلتقط دمعة من دموعك الهاطلة فوق كراسك السري لتكتب قصيدة رثاء للوطن
تنظم معلقة …قصيدة او مقطعا من الياذة الرحيل الأخير
تكتب رواية في مخيلتك الممتلئة بحروب الكون بأكمله …تمضي يمينا ويسارا ثم تتجه جنوبا …وتعرج للشمال من جديد
تتقدم الى الامام خطوة …وتتراجع عشرة
تتذكر كل ادباء الحب والحرب ..وكل شعراء الثورة أينما وطأت نيرانها
تكتب عن كل المستعمرين فوق كل هذه الأرض …لكنت تعلم انك تدور مهما اتسعت …تضيق مهما كبرت ..وتختصر كل هذا الحبر الاممي بعبارة ونصا من مذكرتك القديمة :
لاجئ مكرر النكبات
متشعب النكسات
كلما خطت قدماه دربا في يباس الأرض
اغوته المنافي
وأتعبه الحنين
يحاصر ظله
ويختزل الكون بأكمله
كل الروايات لم تعد تسعفه
مذ غدا هو نص الرواية
وحبر القصيدة اليومية
وجدلية الحنين المستعر. نحو
بدايات البنفسج والحبق