خالد الخطيب
تبدأ عمليات تجهيز المخططات المعمارية والبناء ل”آيا صوفيا” السورية في شهر آب/أغسطس القادم، بعدما حصل قائد “الدفاع الوطني” التابع للنظام السوري، نابل العبد الله، على موافقة المطران نقولا بعلبكي متروبوليت حماه وتوابعها لبناء كنيسة جديدة في مدينة السقيلبية شمالي حماة.
وتمّ تحديد المنطقة التي ستقام فيها الكنيسة والتي تبرع بها العبد الله، وستقدم روسيا التمويل اللازم لبناء الكنيسة التي ستكون نسخة مصغرة عن “آيا صوفيا” التركية، وهي بمثابة أول رد عملي وغير مباشر من روسيا للتعبير عن غضبها من تركيا لتحويلها متحف “آيا صوفيا” إلى جامع.
ورحبت الأوساط الأرثوذكسية الموالية للدفاع الوطني شمالي حماة بالقرار، واعتبرته رداً مناسباً على تركيا ويحمل قيمة رمزية مهمة. وكان الحديث عن إنشاء نسخة طبق الأصل من “آيا صوفيا” شمالي حماة قد بدأ في منتصف تموز/يوليو، عندما أعلن العبد الله تبرعه بقطعة أرض لتنفيذ المشروع، وعرض الفكرة على قائد قاعدة حميميم العسكرية الروسية في اللاذقية، وحصل هناك على الدعم المبدئي للمشروع، وتبع ذلك زيارات قام بها قادة ومسؤولون روس إلى مقار ميليشيا العبد الله في المنطقة شمالي حماة.
وبعد أيام قليلة من مقترحه، حصل العبد الله على دعم نائب مجلس الدوما الروسي، فيتالي ميلونوف، والذي قال لموقع “ريا نوفوستي” الروسي، إنه ” يقدّر مقترح العبد الله، ويعتبر سوريا مكاناً مناسباً لبناء نسخة من آيا صوفيا”. وأضاف أن “المسيحيين الأرثوذكس في روسيا يمكنهم مساعدة سوريا في عمليات البناء”.
الدعم الروسي لبناء “أيا صوفيا” في نسختها السورية أكدته الزيارة التي قام بها وفد عسكري كبير من قاعدة حميميم الروسية لمدينة السقيلبية حيث كان في استقبالهم عدد من قادة “الدفاع الوطني” شمالي حماة، ومطارنة ومسؤولين كنسيين. وزار الوفد عدداً من المواقع والمدارس الدينية في المدينة واطلع على موقع المشروع ووعد بالمساعدة في وضع المخططات العمرانية التفصيلية وتأمين الدعم اللازم للبدء في العمل. وقدّم الوفد العسكري الروسي لنابل العبد الله، وسام العطاء والتعاون الروسي.
وأوضح الناشط الإعلامي محمد رشيد ل”المدن”، أن “مبادرة بناء كنيسة باسم آيا صوفيا في مناطق ريف حماة الشمالي تندرج في إطار سياسة التقرب وإظهار الولاء لروسيا، وهي سياسة اتبعتها المليشيات المسيحية الأرثوذكسية التابعة للدفاع الوطني في المنطقة منذ العام 2015”.
وأضاف أن هذه السياسة “انعكست بشكل إيجابي على التشكيلات المسلحة من ناحية زيادة الدعم العسكري واللوجستي الروسي لها، وتقوية نفوذها لتصبح القوة المهيمنة فعلياً على المنطقة”. وقال رشيد إن “قائدي الدفاع الوطني في مدينتي محردة والسقيلبية، نابل العبد الله، وسيمون الوكيل، يتصرفان في المنطقتين على أنهما حاكمان فعليان وتبعيتهما مباشرة لروسيا، وتساعدهم في ذلك سياسة الكنيسة الأرثوذكسية في المنطقة والتي ترتبط بشكل عضوي مع الكنيسة الروسية”.
المنسق الإعلامي في “الجيش الوطني” المعارض، يحيى مايو، قال ل”المدن”، إن “نفوذ مليشيات العبد الله والوكيل المدعومة من روسيا شمالي حماة توسع بشكل كبير في النصف الثاني من العام 2019، وذلك بعدما تقدمت قوات النظام وسيطرت على مناطق واسعة في شمالي حماة ومحيط إدلب من جهتي الجنوب والشرق، وفي الفترة ذاتها تضاعفت أعداد الميليشيا بعد أن حصلت على مزيد من الدعم الروسي، ولا بد من رد الجميل”.
وأضاف “يبدو أن الزمان والمكان مناسبين لتقديم هذه الخدمة لروسيا الغاضبة من تركيا بسبب آيا صوفيا، فالمنطقة المراد استثمارها لبناء كنيسة لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن قواعد الجيش التركي شمالي حماة، وأقربها نقطة مورك، وهذا فيه استفزاز واضح ورسالة مباشرة للجانب التركي”.
الفنان التشكيلي المعارض، عمار أغا القلعة، قال ل”المدن”، إن “مبادرة بناء كنيسة باسم آيا صوفيا ليست بالخطوة المهمة خارجياً، إنما هي عبارة عن محاولة روسية لاستقطاب الشارع المسيحي في سوريا، وبشكل خاص الأرثوذكس السوريين الذين جندتهم روسيا منذ تدخلها إلى جانب النظام لقتال المعارضة ولخدمة قواتها العاملة في سوريا، والتحرك الروسي الحالي لا يختلف كثيراً عن التحركات السابقة التي استثمرت فيها العاملين الديني والطائفي لتبرير تدخلها العسكري”.
وأوضح أغا القلعة أن لجوء روسيا وحلفائها السوريين من المليشيات الأرثوذكسية إلى هذا النوع من الرد (غير المباشر والمحدود) على تركيا كتعبير عن الغضب دليل ضعف، فالشارع الأرثوذكسي السوري على سبيل المثال كان يأمل رداً أكثر جدية ووضوحاً من الكرملين، ولم يكن يتوقع أن يكون الرد بهذا الشكل الرمزي وعلى الأراضي السورية.
وقد تصدرت مليشيا نابل والوكيل الأرثوذكسية شمالي حماة قائمة الحاصلين على الدعم الروسي من بين تشكيلات “الدفاع الوطني”. الدعم الروسي للمليشيا بدأ فعلياً بداية العام 2016، وكان أكثر وضوحاً وتنوعاً خلال العامين 2018 و2019، من أسلحة وذخائر ومعسكرات تدريب، بالإضافة إلى دعم لوجستي ومادي للمدينتين اللتين كانتا على تماس مباشر مع المعارضة السورية لسنوات.
وقدمت روسيا أيضاً دعماً كبيراً لمليشيا “قوات الغضب” التابعة ل”الفوج 45″ في المنطقة، والتي يتزعمها، فيليب فريد سليمان. نفوذ المليشيات الأرثوذكسية شمالي حماة خلق واقعاً اجتماعياً مغايراً، وأجبر أهالي القرى المحيطة في المنطقة على التودد لقادتها، وتنظيم زيارات دورية لمقارها، وهو أشبه ما يكون بتقديم فروض الطاعة.
وقال رئيس مجلس محافظة حلب السابق (المعارضة)، يحيى نعناع ل”المدن”، إن “بناء كنيسة تحمل اسم آيا صوفيا تكتيك ذكي من المليشيا المقربة من روسيا، وهو محاولة لخلق رابطة رمزية مع الاحتلال الروسي تفرض عليه الالتزام بحماية المنطقة في حال انهار نظام الأسد، أو كان للمعارضة تحرك عسكري ما نحو مواقعها القديمة”.
المصدر: المدن