مصطفى عباس
بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، خرج زعيم ميليشيا حزب الله، حسن نصر الله، باكياً، نادباً، لاطماً، دون أيّ تأخير، ولكن مقتل أكثر من مئة وخمسين لبنانياً، وجرح الآلاف، وتشريد عشرات الآلاف، اقتضى أن ننتظر أربعة أيام حتى يخرج علينا عبر كلمة متلفزة من مخبأه السري، ويفقعنا خطبة ذات ثلاثين دقيقة، ولكنها ليست كالعادة، بل خالية من أي انفعال عاطفي على القتلى والجرحى والمشردين.
كان عنوان كلمة نصر الله الأبرز هو تبرئة حزبه من أي مسؤولية محتملة، رغم الهدوء المتكلّف الذي ظهر فيه الرجل، فإنّ الصغير قبل الكبير في لبنان والمنطقة يعلم علم اليقين سيطرة حزب الله على كل منافذ لبنان على العالم، بل يرفض أية رقابة عليها تحت حجة التواصل، وحتى عندما اجتاح عناصر الميليشيا بيروت عام 2008، وسيطروا على بيروت وأسقطوا حكومة سعد الحريري حينها، بقوة السلاح، وما كان ذلك إلا بحجّة الحفاظ على اتصالات المقاومة، رغم أنّ زعيم الميليشا لطالما كرّر في خطبه وكلماته أن ما سمّاه سلاح المقاومة لن يتم استخدامه في الداخل اللبناني.
لذلك لا يمكن بحال من الأحوال ألا يكون لحزب الله علم بما جرى في ميناء بيروت، وما كلام نصر الله عن جهلهم بما يجري في داخل هذا المرفق الحيوي الهام في شرق المتوسط، وعلمهم بما يجري في ميناء حيفا، تلك المدينة التي لطالما هددها نصر الله بصواريخه، التي لم تتساقط إلا في القصير والزبداني، وكثير من المدن السورية، التي كانت ثائرة على حكم نظام الأسد. ماهذا الكلام إلا ضحكاً على ذقون من ما زالوا يؤمنون بكلام نصر الله من البسطاء أو السذج، أو الطائفيين من جمهور الحزب، الذين يعتقدون أنّ نصر الله سيردّ لهم “المظلوميّة التاريخيّة”.
مظلومية لا يمكن أن تمر خطبة لحزب الله دون الندب واللطم على إيقاعها الحزين، حتى نصر الله حاول بالأمس الظهور بلبوس الحمل الوديع، عندما قال إنّ اتهام الحزب بأنه يخبّئ أسلحته في المرفأ، وأنّ نترات الأمونيوم التي انفجرت عائدة له، هو “مظلومية استثنائية”.
المضحك في كلام “الأمين العام”، هو دعوته الجيش اللبناني لفتح تحقيق في التفجير، وهل الجيش مؤسسة قضائية؟ ومنذ متى يوكل إلى الجيوش مهمة التحقيق المستقل؟ ثم الجميع يعلم أنّ كل مؤسسات الدولة اللبنانية قائمة على المحاصصة الطائفية، وحزب الله متغلغل في هذا المؤسسات عبر مناصريه بقوة، ولهم الكلمة الفصل في كل شيء، وكأنّ هذه الدعوة هي مطالبة المتهم أن يكون حكماً في ذات الوقت؟ ولماذا يرفض الحزب التحقيق الدولي الذي دعا له وليد جنبلاط؟
دائماً اللحظات المفصلية في لبنان تأتي بعد كل تفجير.. بل إنّ تاريخ لبنان الحديث، منذ نصف قرن، مكتوب على وقع الانفجارات التي أغلبها اغتيالات لشخصيات سياسية معادية لنهج نظام الأسد بداية، ثم حزب الله الآن، من اغتيال الزعيم كمال جنبلاط عام 1977، وكرّت بعدها السبحة، إلى أن تم اغتيال رفيق الحريري عام 2005 على يد حزب الله، عقب ذلك جرى اغتيال كل المعارضين لهذا النهج، من سمير القصير إلى وسام الحسن، والغريب أنّ التفجيرات ما كانت تطال إلا المعارضين لنظام الأسد وحزب الله، إلا أنّ الأخير كان دائماً يقتل القتيل ويمشي في جنازته، ثم يصوّب أصابع الاتهام نحو إسرائيل.
عند اغتيال الحريري، خرج نصر الله بعدها مباشرة ليشير بأصابع الاتهام نحو إسرائيل، إلا أنّ الأخيرة غابت هذه المرة عن اتهامه، لماذا؟
على كلٍّ، كانت حكومة لبنان التي شكلها حزب الله مؤخراً برئاسة حسان دياب تئنّ تحت وقع مقاطعة عربية ودولية، نتج عنها ظروف اقتصادية صعبة، خصوصاً بعد الاحتجاجات الأخيرة، التي اندلعت في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، مطالبة بزوال الطبقة السياسية اللبنانية، ومحاسبتها على الفساد. واقع اقتصادي مزرٍ فقدت معه الليرة اللبنانية نحو ثمانين بالمئة من قيمتها.
وحزب الله الذي يتغذّى من الرئة الإيرانية ويدور في فلك ولاية فقيهها، يعاني من العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، بعد إلغاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للاتفاق النووي الإيراني. ثم جاءت عقوبات قانون قيصر على النظام السوري لتقرّب الحبل أكثر على رقبة هذه الميليشيا وحلفائها، ولكن هذا التفجير الذي جاء بقدرة قادر قد قلب الطاولة على كل هذه العقوبات، وبدأت المساعدات السخية العربية والدولية، وحتى الأهلية تتقاطر على بلد الأرز بالعملة الصعبة لمساعدته على الخروج من محنته.. ومعها يخرج حزب الله من عنق الزجاجة التي أوصل نفسه إليها عبر سياسته الرعناء.. وهنا يتّضح سبب عدم خروج نصر الله باكياً، وهو صاحب الدمعة السخيّة. فإذا أردت أن تعرف الجاني فاسأل عن المستفيد.
المصدر: ليفانت