عماد كركص
يمثل إعلان تركيا إنشاء مركز قيادة عسكرية مركزية لتنسيق عملياتها في سورية، ومن ضمنها محافظة إدلب شمال غربي البلاد، خطوة مهمة لها مؤشراتها، في ظل التطورات الميدانية والعسكرية على الأرض، إذ كثفت قوات النظام والمليشيات المساندة لها، سواء المحسوبة على إيران أو روسيا، من خروقاتها على خطوط التماس، سواء من خلال محاولات التقدم أو القصف المدفعي والصاروخي. تلك الخروقات حملت جديداً في التكتيكات العسكرية للنظام، من خلال محاولات التقدم عبر جبهة ريف اللاذقية الشرقي، وتحديداً من محور جبل الأكراد، بالإضافة إلى محاولات مماثلة في محاور بجبل الزاوية جنوبي إدلب، التي باءت جميعها بالفشل، بعد تصدٍّ كبير لقوات المعارضة.
وأشارت قناة “a.haber” التركية الخاصة، الجمعة الماضي، إلى أن المجلس العسكري الأعلى في تركيا قرر إنشاء قيادة مركزية لتنسيق عملياته في سورية، تحت مسمى “القيادة العسكرية لعملية درع السلام”، برئاسة اللواء هاكان أوزتكين. وبحسب الصحيفة، سيكون مقرّ القيادة بالقرب من مدينة أنطاكيا، جنوبي تركيا، مشيرة إلى أن ذلك يأتي ضمن مجموعة تغييرات، صدرت بأوامر من المجلس العسكري الأعلى في تركيا، وضمن إيلاء أهمية كبيرة لاستمرار العمليات التركية عبر الحدود في شمال سورية والعراق. ولفتت القناة إلى أن المجلس العسكري الأعلى، عيّن اللواء ليفينت إرغون، رئيساً لعمليات الأركان العامة في فرقة المشاة الآلية السادسة وقيادة القوة الخاصة المشتركة في ولاية أضنة جنوبي تركيا. وسيقود إرغون العمليات في منطقة “درع الفرات”، علماً بأن إرغون قاد، في السابق، الوفد العسكري التركي ضمن المفاوضات الروسية – التركية حول إدلب.
وقال مصدر صحافي تركي، في حديث لـ”العربي الجديد، إن عمل مركز العمليات الجديد سيشمل كل المناطق التي يوجد فيها الجيش التركي في شمال سورية، شرقاً وغرباً، وهي أربع مناطق: “درع الفرات” وتضمّ جرابلس والباب وأعزاز، و”غصن الزيتون” وتضمّ عفرين وريفها، و”نبع السلام” في تل أبيض ورأس العين ومحيطهما، بالإضافة إلى “منطقة خفض التصعيد الرابعة” المشار إليها بمنطقة “درع الربيع”، وهي إدلب ومحيطها شمال غرب سورية.
زيادة الاهتمام التركي بترتيب الأوضاع العسكرية في شمال سورية، وإدخال إدلب ضمن إطار التنظيم العسكري للقيادة التركية، يأتيان على وقع التطورات العسكرية في إدلب. ولا تزال قوات النظام وحلفاؤها تكشف يومياً عن وجود نيّات لتجديد الهجوم على إدلب، بهدف قضم مزيد من المساحات، ولا سيما جنوب الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4” المارّ من إدلب، انطلاقاً من جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي. فيما تشير تحركات قوات النظام كذلك، في ريف اللاذقية الشرقي، وتحديداً عند محاور جبل الأكراد في ذلك الريف، إلى أن النظام قد يلجأ إلى الالتفاف على إدلب، انطلاقاً من جبل الأكراد، والسيطرة على المرتفعات التي ترصد نارياً طرقاً رئيسية ومهمة لتسهيل سيطرته على مساحات توصله إلى عمق إدلب دون عناء كبير. إلا أن محاولات قوات النظام وحلفائها للتقدم في ريف اللاذقية وحتى إدلب، باءت بالفشل خلال الأيام الماضية. وجاءت هذه المحاولات رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، الذي أنهى العمليات العسكرية في إدلب ومحيطها في الخامس من مارس/ آذار الماضي. وفيما زادت قوات النظام وحلفائها، ولا سيما المليشيات المحسوبة على إيران، من تعزيزاتها في ريف إدلب، وتحديداً جبل الزاوية ومعرة النعمان وسراقب، كثّف الجيش التركي، من جهته، من إرسال الأرتال العسكرية التركية إلى المنطقة، وكان آخرها الرتل الكبير الذي وصل إلى إدلب نهاية الأسبوع الماضي، بقوام 30 آلية، ضمّت دبابات وعربات مصفحة ومواد لوجستية، توزعت على نقاط الانتشار في المنطقة.
واتهم أوليغ بلوخين، الصحافي العسكري المرافق للقوات الروسية وقوات النظام في سورية أنقرة باستفزاز موسكو للتحرك في إدلب. وقال بلوخين في حسابه على قناة تلغرام إن تركيا رفضت مرة أخرى المشاركة في الدوريات الروسية التركية في إدلب، مشيراً إلى أن السبب يكمن في “عدم القدرة على ضمان الأمن على طريق الدوريات”. وأشار المراسل الحربي إلى أنه “بحسب ممثل (مركز التنسيق المشترك في دمشق)، فإن أسباب رفض الجانب التركي هي عدم الالتزام المباشر بشروط المذكرة، وعدم الامتثال لشروط الاتفاقات الثنائية”، مشيراً إلى أن “تقاعس أنقرة عن التحرك منذ نهاية يوليو/ تموز الماضي يهدد عملية التسوية بأكملها في إدلب”. ونقل المراسل تهديدات مفادها أن “الاستمرار بتقاعس أنقرة في تأدية التزاماتها، قد يؤدي إلى لجوء روسيا للقيام بما يجب، وتوسيع مناطق نفوذ روسيا شمالي إدلب”.
وفي ظل التطورات الأخيرة، بات النظر واجباً في ميزان القوى للطرفين المتصارعين في إدلب، قوات النظام وحلفائها من الروس والإيرانيين من جهة، وفصائل المعارضة والجيش التركي من جهة أخرى. ورغم أن لا إحصائيات دقيقة لأعداد الطرفين وتجهيزاتهما، إلا أن الواضح، أن الكفة باتت تميل إلى مصلحة الجيش التركي والفصائل، بعد التعزيزات الكبيرة والضخمة التي استقدمها الجيش التركي إلى إدلب، ولا سيما بعد توقف العمليات بعد الاتفاق بين أنقرة وموسكو في السادس من مارس/ آذار الماضي. وقد تضمنت تلك التعزيزات معدات لوجستية وآليات وأسلحة ثقيلة متطورة، من ضمنها ثلاث منظومات للدفاع الجوي، بالإضافة إلى القدرات المدفعية والصاروخية المتطورة التي باتت في إدلب. وسيتلقى الجيش التركي دعماً من سلاح الجو، بطيرانه الحربي والمسيَّر. ويأتي إعلان أنقرة أخيراً امتلاكها جيلاً جديداً من الطائرات المسيَّرة، لديها مهمات قتالية وقدرة على المناورة والاستهداف والرصد، بمثابة رسالة عن إمكانية مشاركة هذه المسيَّرات في العمليات في حال استئناف المعارك. كذلك زادت فصائل المعارضة من حجم تعزيزاتها في جبهات إدلب، في ظل الأخبار عن جهود تركية لتنظيم عمل الفصائل وربطها بمركز عمليات مشترك، يشرف عليه الجيش التركي، تحضيراً للآتي.
في المقابل، فإن تجهيزات قوات النظام والمليشيات الإيرانية ليست على ذات القدرة والكفاءة، ولا سيما من حيث المعدات العسكرية، فيما سيكون رهان هذه القوات على مشاركة كبيرة لسلاح الجو الروسي في العمليات لإسناد القوات على الأرض. إلا أن محللين يستبعدون مشاركة روسية واسعة إلى جانب قوات النظام والمليشيات الإيرانية، لكون موسكو لا تزال تحاول الإبقاء على خطوط مفتوحة مع أنقرة بما يخدم المصالح الروسية – التركية المشتركة. ومن المتوقع أن يقدّم الجيش الروسي خدمات استشارية وأمنية، ولا سيما عبر عمليات الرصد والاستطلاع من مركز القيادة العسكرية في قاعدة حميميم.
وفي حديث مع “العربي الجديد”، رد السياسي التركي المقرب من الحكومة يوسف كاتب أوغلو، على ادعاءات الصحافي الروسي بلوخين حول استنكاف أنقرة عن المشاركة في الدوريات المشتركة، معتبراً ذلك “غير صحيح”، مشيراً إلى أن “موسكو تحاول إيجاد المبررات لإنهاء وقف إطلاق النار، بما يرضي غرورها وغرور النظام في إمكانية التقدم نحو شمال إدلب، وذلك بسبب عدم تقبلهما للاتفاق الأخير”. وأشار كاتب أوغلو إلى أن بلاده “تعلم جيداً نيات النظام وروسيا والمليشيات الإيرانية حول إدلب، ولذلك دفعت بالكثير من التعزيزات العسكرية أخيراً نحو المنطقة، ما رفع عدد الجنود الأتراك في إدلب إلى أكثر من 20 ألف جندي، فيما أرسل الجيش التركي أكثر من 3500 آلية عسكرية خلال الشهر الماضي فقط، علاوة على الآليات التي أرسلت سابقاً إلى إدلب”. واعتبر أن “تركيا باتت اليوم على الأرض قوية بشكل سيصعّب من مواجهتها”.
ويعتقد كاتب أوغلو كذلك أن “موسكو ستستخدم مع أنقرة سياسة عضّ الأصابع، بتحريك عدد من الملفات، ولا سيما إدلب، لتحصيل مكاسب جيوسياسية، ولا سيما في الملف الليبي. وفي المقابل، لا تريد أنقرة أن تعطي الروس أي ذرائع لشنّ هجوم في إدلب”، معتبراً أن “الوضع بات في إدلب أشبه بقنبلة على صفيح ساخن، من الممكن أن تنفجر في أي وقت”، مشيراً إلى “امتلاك بلاده نقاط قوة على الأرض يمكن استخدامها في ملف إدلب”. وتوقع أن تكون هناك جهود دبلوماسية وسياسية تركية وروسية في الأيام المقبلة لنزع فتيل الأزمة في الملف السوري، وتحديداً في إدلب.
المصدر: العربي الجديد