علي شمدين
أجرت فضائية روداو الكردية لقاءً بثّته في الخامس من شهر أغسطس/ آب الجاري مع المستشار السابق للأمن القومي الأميركي، جون بولتون، قال فيه إنه لا يعتقد أن لدى الولايات المتحدة سياسة فاعلة بخصوص الكرد، و”إنه لا يدري إلى متى ستستمرّ الأوضاع الحالية في شمال شرق سورية، فضلاً عن تكهنه بما ستكون عليه خطوات الرئيس الأميركي، ترامب، التالية حال إعادة انتخابه. وحذّر بولتون “أصدقاءه” الكرد بأن احتمالات حدوث تغييرات في السياسة الأميركية ستزيد بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، نحو الأفضل أو الأسوأ. وعليه، فهو يدعو الكرد إلى الاستعداد لما بعد الانتخابات الأميركية، فاز فيها ترامب أم منافسه الديمقراطي جو بايدن.
في قراءة سريعة وموجزة لهذه التصريحات المهمة والصريحة للدبلوماسي الأميركي المخضرم، والذي لقّب بـ”صندوق أسرار البيت الأبيض”، يمكن أن ندرك بسهولة الخطوط العريضة للموقف الأميركي تجاه الكرد عموماً، وتجاه ما يسمّى شرق الفرات تحديداً، وهو أن ما يتم ترتيبه الآن في شرق الفرات إنما يأتي في سياقه العام ضمن إطار حماية المصالح الأميركية. وفي سياقه الخاص، يصبّ الماء في طاحونة الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، إذ يقول بولتون إنه لا يعتقد أن أميركا ستُقدم على أي تغيير ذي شأن قبل الانتخابات الأميركية، لأن الرئيس ترامب، بحسب اعتقاده، لا يريد الإقدام على أي عملٍ يسبب له مشكلة في يوم الانتخابات المزمع إجراؤها في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
على الرغم من أهمية تصريح مستشار الأمن القوميّ السابق للفضائية الكردية، إلّا أنه لم يضف جديداً إلى الموقف الأميركي المعروف تاريخياً تجاه الكرد وقضيتهم القومية، والذي ظلّ محكوماً بأولوية المصالح الأميركية التي تترك الأبواب مواربةً على إمكانية التفريط بالكرد والمساومة على قضيتهم القومية بسهولة، عندما تقتضي الحاجة. مع ذلك، سارع بولتون، في ختام لقائه، إلى قرع جرس الإنذار على مسامع الكرد، على اعتباره من “الأصدقاء الغيورين” على مستقبلهم، ومن الحريصين على قضاياهم، وفق ما بدا عليه خلال اللقاء، إذ دعا الكرد إلى الجاهزية والاستعداد لعرض قضيتهم على مراكز القرار الأميركية والأوروبية، واستغلال الوقت المتبقي قبل أن تتغيّر الأوضاع القائمة، مؤكداً أنه: “ما زال هناك مائة يوم قبل أن تجرى الانتخابات الأميركية”، فهل سيلتفت الكرد إلى هذه الرسالة التي تحمل شيئاً من الحرص؟ ثم هل في مقدور الكرد مجاراة تسارع الوقت، يتسابقون مع الزمن من أجل توفير العوامل الذاتية للتفاعل بنجاح مع هذه الظروف الاستثنائية التي وفّرتها لهم الظروف الموضوعية التي تسود المنطقة؟
في واقع الأمر، وفّرت الظروف الراهنة للكرد السوريين فرصةً قد لا تتكرر، إذ يمكنهم أن يحققوا خلالها بعض طموحاتهم القومية التي سعوا في سبيلها سنوات طويلة، وقدّموا من أجلها تضحيات جسيمة ساهمت في فرض قضيتهم رقماً معتبراً في المعادلات السياسية، وحتى العسكرية الجارية على الساحة السورية، ولا أدلَّ على أهمية هذه الفرصة أكثر من الاهتمام الذي تبديه دول عظمى بشأن مستقبل الكرد وقضيتهم، فضلاً عن المساعي الحثيثة من أجل ترتيب البيت الكرديّ السوريّ الداخلي، باعتباره الشرط الرئيس في تمكين الكرد من لعب دورهم المنشود في العملية السياسية كثاني أكبر مكوّن قومي في البلاد، ودعمهم في سبيل تأمين حقوقهم القومية دستورياً، في ظلّ نظام ديمقراطي تعدديّ برلمانيّ.
يدرك المتابع للشأن الكردي أن الحركة الكردية في سورية، بمختلف فصائلها، وبشكل خاص أطرها الرئيسية (المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي)، ما زالت تدور في حلقة مفرغة من النقاشات البيزنطية العقيمة بشأن مصالحها الضيقة التي لا تأخذ المصلحة الكردية العامّة بالحسبان، فهي لا تتسابق في سبيل استغلال الوقت وإبداء المرونة في حواراتها الداخلية وتقديم التنازلات المتبادلة وحسب، وإنما تتفنّن في قتل هذا الوقت الثمين بعقليةٍ يمكن وصفها بأنها مستهترة وغير مبالية للمستقبل، على الرغم من أن من سيتكبّد الخسارة فيما بعد هم الكرد السوريون الذي باتت تتناهبهم حالتا سوء الأوضاع المعاشية من جهة، والخيبات التي تسببت بها حركتهم السياسية التي خيّبت آمالهم، بخلافاتها الثانوية وانشغالها بمصالحها الذاتية.
بدأ العد التنازلي للأيام المائة التي نبّه إليها جون بولتون، فهل ستبادر الحركة الكردية إلى الإسراع في إنجاز بعض الإصلاحات المطلوبة خلال هذه الأيام الحاسمة، والقيام باجتراح معجزة، وإن مرّة واحدة في تاريخهم، عبر تجاوز الخلافات السامّة، والتخلي عن المصالح الذاتية، والكفّ عن سياسات الانتقام والإقصاء، والتحلّق جميعاً حول طاولة واحدة لتشكيل مرجعية موسّعة تمثّل الكرد السوريين، باختلاف انتماءاتهم وتنظيماتهم، ولتكون البوصلة العمل بإخلاص من أجل تحقيق طموحات هذا المكوّن السوري، ونيل حقوقه القومية التي حُرم منها عقوداً طويلة؟
المصدر: العربي الجديد