مصطفى عباس
ازداد في الآونة الأخيرة عدد المرشحين لمنصب الرئاسة في سوريا، ورغم أن بعضهم يتعامل مع ترشحه بغاية الجدية، إلا أن الطابع الهزلي يبدو واضحاً في تفاعل الجميع معهم.
عبر وسائل التواصل الاجتماعي يطل هؤلاء “المرشحون” الذين يعيشون خارج البلاد، وهذا هو سبب عدم خوفهم، فداخل سوريا، ممنوع حتى على الأطفال أن يحلموا ولو حلماً بأن يصبحوا رؤساءً.
يُحكى الكثير عن أن أجهزة الاستخبارات قامت باستدعاء العديد من أولياء الأمور، لأن أبناءهم في المدارس صرحوا عندما سألهم معلموهم عن ماذا يطمحون أن يكونوا في المستقبل، فقالوا: رئيس جمهورية.
رسالة الاستخبارات غالبة ما تكون واضحة، في سوريا، ممنوع هذا الحلم على الناس، كون الوريث جاهزاً دائماً، والآن يتم تحضير حافظ بشار الأسد ليخلف أباه، كما يعتقد السوريون، وكما قالت صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية مؤخراً.
إحساس بنهاية النظام
حوالي عشرة مرشحين قدموا ترشيحهم عبر “فايسبوك”، خصوصاً بعد أن قال الإعلامي الإسرائيلي، إيدي كوهين، على موقع “تويتر”، في شهر نيسان/أبريل الماضي إن “بشار الأسد سيرحل في شهر تموز/يونيو”، وأنه “اختار روسيا البيضاء كمنفى له، وتم تحديد المعارض السوري فهد المصري خلفاً له”.
الناقد والصحافي محمد منصور يرى أن “السبب في انتشار ظاهرة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو وقت الفراغ الذي يعيشه الكثيرون من اللاجئين السوريين، خصوصاً في الدول الغربية التي تؤمن لهم عبر المساعدات الحكومية احتياجات الحياة الأساسية، بالإضافة إلى وجود وسائل سهلة ورخيصة وواسعة الانتشار تتيح لهم إعلان هذا الترشح من دون دفع رسوم ولا استيفاء شروط، من دون أن ننسى أن هناك إحساساً عاماً بأن النظام قد وصل إلى نهاياته الأخيرة، وهو إحساس، بغض النظر عن واقعيته، إلا أنه يسهم في دفع هؤلاء إلى التفكير بكرسي الرئاسة، الذي يرون أنه قد يصبح شاغراً في أي لحظة، وربما يكون بحاجتهم وقتها!”.
غياب العمل السياسي
المرشح محمد صابر الشرتح الذي أثار الانتباه بطريقته الهزلية، وثقته الزائدة بالنفس، خاصة لجهة مخاطبته الجمهور بأسلوب ديكتاتوري صارخ، أعلن في إطلالاته المتكررة تلقيه تأكيدات من دول غربية بأنه سيصبح رئيساً للبلاد.
شرتح مقابل الأسد
شرتح حقق نسبة متابعة عالية، فأكثر من 25 ألفاً باتوا يتابعون بثه المباشر في صفحته على الفيسبوك، في حين أن خطاب بشار الأسد الأول منذ نحو سنة أمام أعضاء مجلس الشعب الجدد، لم ينل على صفحة رئاسة الجمهورية أكثر من 6 آلاف مشاهدة.
ظاهرة “تكاثر المرشحين” رغم عدم وجود انتخابات بالأصل، أرجعها الباحث محمد منصور إلى غياب العمل السياسي في سوريا منذ استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1963، “ومنذ ذاك الحين تحول العمل السياسي إلى فعل انتحاري يودي إما إلى السجن أو المنفى أو القبر”.
وأضاف أن “هذا الانقطاع الطويل عن مقاربة العمل السياسي في سوريا، وغياب التصور لكيف يمكن أن يصبح أي فرد مرشحاً للرئاسة أو حتى الحلم بأن يصبح مرشحاً، لأن هذا الحلم كان ممنوعاً في سوريا حتى على مستوى الخيال.. كل ذلك أدى إلى وجود تصور بأن الرئيس مختصر في شكل ديكتاتور يأمر وينهى، أو جلاد وسياف يحكم بالدم”.
مسرح العبث
العديد من مشاهير وسائل التواصل الجديدة، الذين يحققون نسبة متابعة عالية وصل بهم الحال إلى أن ترشحوا لرئاسة الجمهورية. ما بين هزل وجد..حال سيضيع معها المرشحون الجادون، الذين يحلمون ببرامج تغيير الواقع المأساوي لبلدهم، الواقع الذي يرى الناقد منصور أنه من الطبيعي أن ينتج هذا الكم الكبير من الهزل.
ويضيف أن “الواقع السوري لو قُيّض له كاتب مبدع كصموئيل بيكيت مثلاً، لحوّله إلى مسرحية من مسرحيات العبث، التي انتشرت في الأدب الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، حين عم الدمار نصف القارة العجوز وقتل الملايين، واستفاق الأوروبيون على واقع كارثي، لم يجدوا أفضل من مسرح العبث ترجمة له”.
تسويق من الإعلام المحترف
في وسائل التواصل الاجتماعي يتساوى الغثّ والسمين، والأفكار العظيمة والسخيفة، وهي البيئة الخصبة التي تنجح فيها كل الحملات الشعبوية، التي لولاها ما حقق هؤلاء الناس هذه النسب العالية من المتابعة، ولكن الأسوأ من وسائل التواصل هذه، حسب الناقد منصور، “هي المحطات التلفزيونية ووسائل الإعلام المحترفة التي باتت تنهل من معين هذا الجنون وتعيد انتاجه، تارة بحجة الطرافة، وأخرى باعتباره شكلاً من أشكال التعبير عن الرأي العام..وعليه من الطبيعي في هذه الأجواء أن نصل إلى هذا المستوى، سواء في هذه الظاهرة التي نتحدث عنها، أو في غيرها”.
الأسد أعقلهم
الغريب هو أن أجهزة استخبارات النظام شبه غائبة عن كل هذا العبث، رغم أنها تستطيع أن تثني هؤلاء المرشحين عن الظهور، سواء عبر تهديدهم بأهلهم الذين في الداخل، أو حتى فبركة مقاطع لهم، أو غير ذلك من الطرق، ولكن يبدو أنها راضية تماماً عن هذه الظاهرة، رغم غيابها تماماً عن وسائل إعلام النظام.
“هذه النماذج تزيح العبء عن كاهل بشار الأسد وتخفف من حالة السخرية منه، ليبدو وكأنه الأعقل بين هؤلاء السذج والعابثين” يقول منصور.
نظرياً.. تنتهي الولاية الرئاسية الثالثة لبشار الأسد في عام 2021، ويحق له، حسب الدستور الذي تم تعديله كنوع من الالتفاف على الاحتجاجات ومطالبها عام 2012، الترشح لفترة رئاسية جديدة حتى عام 2028.
ولكن في ظل الاحتلالات المتعددة لسوريا، لا يبدو أن الأسد سوى واجهة لاثنين منها، وقد يتم استبداله في أول تسوية سياسية، بين الدول الكبرى التي لها نفوذ في سوريا، وقد يستمر وفقاً لموازين القوى على الأرض، لكن المؤكد أن السوريين لن يختاروا، لو ترك لهم الخيار بالفعل، واحد من هؤلاء رئيساً لهم، بمن فيهم بشار الأسد.
المصدر: المدن