عماد كركص
خرجت نتائج المباحثات التركية-الروسية الأخيرة حول إدلب لتخلق حالة من الترقب، على ضوء طلب الروس من الأتراك إخلاء نقاطهم العسكرية التي أصبحت ضمن دائرة سيطرة قوات النظام جنوبي وشرق إدلب، ومن ثم سحب السلاح الثقيل من جنوبي إدلب، أو من النقاط التركية الواقعة جنوبي طريق حلب-اللاذقية الدولي “ام 4” الذي يقطع المحافظة إلى قسمين، بعد معلومات عن رفض أنقرة المقترح الأول. إلا أن أسوأ التسريبات التي رشحت عن المباحثات التي دارت على يومين منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الماضي في أنقرة، بالنسبة للمدنيين في المحافظة، تلك التي تحدثت عن طلب تركي من موسكو تسليم مدينتي منبج وتل رفعت شمالي حلب الواقعتين تحت سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، ما جعل الاحتمالات قائمة حول إمكانية إبرام اتفاق مقايضة بين الروس والأتراك، سيعيد رسم المشهد والخرائط الجغرافية بين إدلب، أو “منطقة خفض التصعيد”، والريف الشمالي من حلب، الذي بات بمعظم ما يضمه من غربي نهر الفرات تحت النفوذ التركي باستثناء تل رفعت ومنبج وما يحيط بهما.
في ظل هذه الأجواء، عمدت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، التي تسيطر على إدلب، إلى توجيه رسائل لأنقرة برفض أي مقايضة قد تحصل، على الرغم من التعاطي الإيجابي بين أنقرة والهيئة في الآونة الأخيرة، ولا سيما قبول الهيئة للاتفاقات بين موسكو وأنقرة في “منطقة خفض التصعيد”، وتسيير الدوريات الروسية-التركية على طريق “ام 4”. وخرج مسؤول مكتب العلاقات الإعلامية في الهيئة، تقي الدين عمر، للتعبير عن عدم قبول أي مقايضة في إدلب، بالقول إن “المناطق المحررة هي نتاج بذل وعطاء لا محدود، شاركت فيه الفصائل والأهالي ببذل أبنائها على جبهات القتال، وهي ملك عام للثورة وملك خاص لأهلها، لذلك فإن فكرة المقايضة مبدأ مرفوض لا نقبل به ولا يقبل به أهالي المحرر قاطبة”. وتابع في تصريحات عممها على وسائل الإعلام: “لا يُخفى أن المحتل الروسي دائماً ما يخرق أي هدنة يعلنها من طرفه، بقصف متواصل أو غارات جوية تستهدف مناطق أهلنا في المحرر، فمن سياسته واستراتيجيته منذ تدخله في سورية عام 2015، اتّباع أسلوب القضم، فبعد أي تقدم عسكري يحاول استثماره سياسياً خلال ما يسميه هدنة، والتي هي في حقيقتها متنفس وحشد جديدين وتعبئة في سياق الاستعداد لعدوان جديد، وعليه فإن فصائل الساحة على إدراك تام بهذا المخطط وعلى استعداد للدفاع عن المناطق المحررة”.
ولا شك في أن الهيئة التي تسعى لتحسين صورتها دولياً، عبر تخفيف لهجتها المتشددة، باتت تخشى كذلك من عزلها شمالي إدلب، في حال كانت هناك صفقة بين الروس والأتراك بإبعاد المعارضة عن جنوب إدلب، ما يسهل عملية تصفية الهيئة في الشمال ضمن صفقة دولية.
ولم يخرج عن الجانب التركي حتى الآن ما يؤكد المعلومات التي سربتها وسائل إعلام روسية حول طلب تركيا من الروس تسليم منبج وتل رفعت، وبالتالي تثبيت احتمالية المقايضة، لكن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو قال إن المباحثات الأخيرة “لم تكن مثمرة”، وألمح إلى انهيار الاتفاقات السياسية حول إدلب في حال عدم التوصل إلى توافق. كما أوردت صحيفة “خبر تورك” التركية بأن أنقرة تمسكت بالحفاظ على نقاط المراقبة على الرغم من الضغوط الروسية خلال المباحثات.
ومنذ انتهاء المباحثات، كثفت تركيا من إرسال الأرتال العسكرية نحو إدلب بشكل شبه يومي، وكان أضخمها ليل الثلاثاء-الأربعاء، حين عبر رتل ضخم الحدود على عشر دفعات تحتوي كل دفعة حوالي 25 آلية تحمل معدات لوجستية وجنوداً لتعزيز النقاط في إدلب. ومن خلال تكثيف حركة الأرتال والتعزيزات ربما تريد تركيا توجيه رسالة للمدنيين في إدلب لتبديد مخاوفهم من مقايضة باتت حديث المدنيين والنازحين، الذين يطالبون تركيا بالوقوف عند التزاماتها وتنفيذ تهديداتها السابقة بإبعاد النظام إلى ما وراء نقاطها المحيطة بـ”منطقة خفض التصعيد” المتفق عليها في اجتماعات أستانة في مايو/ أيار 2017.
وكان الجيش التركي قد طلب من فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة في إدلب وريف حلب، رفع الجهازية والدخول في حالة الاستنفار القصوى، ليل الثلاثاء الماضي، ما ظُن أنه استعداد لبدء جولة جديدة من المعارك، بعد تمادي قوات النظام بمحاولات خرق اتفاق وقف إطلاق النار من خلال عمليات التقدم المستمرة أو القصف المدفعي. إلا أن قيادياً عسكرياً رفيعاً من “الجيش الوطني” أكد لـ”العربي الجديد” أن حالة الاستنفار ورفع الجاهزية التي نفذها “الجيش الوطني” في حلب وإدلب، ليست سوى إجراء اعتيادي، دائماً ما يتم اللجوء إليه للتأكد من جاهزية الوحدات المقاتلة.
المصدر: العربي الجديد