د- زكريا ملاحفجي
تمر السنين الخمس على السوريين حيث تضاعف فيها الدمار وتدفقت الدماء وازدادت الأشلاء منذ أن تدخل الروسي في 29 أيلول/سبتمبر 2015م.
بمرارة ومأساوية تمرّ الذكرى السنوية الخامسة للتدخل العسكري الروسي في سورية عبر تدخل أنقذ الأسد بأسلوب عسكري اتبعته روسيا في غروزني “الأرض المحروقة” ولكن لم تحسم روسيا المعركة لصالحها، وإنما أنقذت الأسد من السقوط لتطيل في عمر بقائه قليلاً، مقابل سلب المنشآت الحيوية لسورية لنصف قرن من الزمن. لقد ظن الروس أن المعركة ستحسم في ثلاثة شهور كما صرح كبيرهم يوم ذاك، ونحن اليوم وقد مضت خمس سنوات، واجه فيها السوريون ثاني أقوى دولة في العالم وبأسلوبها العسكري الهمجي الخالي من أي خلق إنساني في الحروب، فلا فرق لديهم بين طفل وامرأة ورجل ولا بين مشفى ومدرسة.
استرجع النظام العديد من المناطق وكل ذلك لم يكن لولا اتباع القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة على جميع المناطق التي ساعدت باحتلالها وقتل أهلها وتشريدهم، كما أن موسكو كانت شريكًا أساسيًا بتغيير البنية الديمغرافية للبلاد.
زجّت روسيا في معركتها المستمرة حتى اليوم آلافًا من الجنود وقتل منهم المئات، وأسرابًا من طائراتها، كما أنها بنت قواعد مع مطارات عسكرية تقلع منها طائراتها التي تلقي حممها على السوريين، فيما تحلم روسيا برجوع أمجاد الاتحاد السوفياتي وقوته، وأن تكون قوةً عالميةً عظمى إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وكان هذا في الساحة السورية فقام الروس ببناء قاعدتي طرطوس وحميميم كي لا تتزحزح في شرق المتوسط، وكذلك السيطرة على مفاصل دولة تتمتع بموقع جيوسياسي مهم وهي سورية، فكان احتلال عبر صورة استثمار واستئجار لعقود إذعان، فكانت صفقة ميناء طرطوس 49 عاماً.!
يقول رئيس هيئة الأركان الروسية (فاليري غيراسيموف): “قواتنا بدأت عمليتها في سورية، تلبية لطلب من نظام دمشق، عندما كان يسيطر على 10% من الأراضي، وكانت الدولة السورية مهددة بالزوال في غضون شهر ونصف أو شهرين”.
فحولوا سورية إلى ساحة تدريب ومختبر أسلحة، وبدأت تفتخر بتغلبها على قوى شعبية بسيطة عبر فارق تسليح هائل فالمفخرة هنا نقصان ومذلة لأن تحارب الشعب الأعزل إلا من أسلحة بسيطة.
بحسب إحصاءات نشرتها صحيفة روسية فإن 98% من طاقم النقل الجوي و90% من طواقم الطيران في الجيش الروسي، وكذلك 60% من الطيارين للعمليات بعيدة المدى شاركوا بالعمليات في سورية، ويقول بوريس أوبسونوف، رئيس مؤسسة الصواريخ التكتيكية الروسية: “قبل سورية، لم يكن ممكنًا اختبار الأسلحة”.!
مع تضاعف الجهود الروسية لتوسيع نفوذها في سورية، يسعى الروس لإدخال اللغة الروسية والثقافة الروسية إلى بنية المجتمع والفرد السوري، ومن بين هذه المشاريع افتتاح أول مدرسة روسية في دمشق وتعتمد المدرسة في تعليمها على المنهاج الروسي.! ولا يخفى على أحد أن موسكو حققت بعض الإنجازات بالنسبة لها وعن طريق المجرم بشار الأسد، الذي دمر البلد وهجر أهلها ثم سلمها للروس مقابل البقاء على رأس السلطة والحكم، فاستعرضت روسيا الأسلحة واستولت على أماكن حساسة وغزت الثقافة والتعليم ولكن كل ذلك حصلت عليه حينما سارت على دماء الشعب السوري وأشلاءه وقتلته واغتالت حريته التي طالب بها، وكان ينشد حياة كالحياة فقط.
وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير للتدخل العسكري الروسي مقتل قرابة ثلاثة آلاف طفل وأكثر من ألف سيدة على يد القوات الروسية.
واستخدمت روسيا الفيتو ضد 16 مشروع قرار خاص بسورية، منذ اندلاع الثورة السورية. وكان التكتيك الروسي هو اللجوء للهدن كمناورة لاستعادة الأنفاس والتفرد بمنطقة ما للسيطرة عليها.
لكن بعد كل ذلك لم يحسم الروس المعركة وتمركز الأميركي في الجزيرة السورية الثرية وتموضع التركي في شمال غرب سورية حفاظاً على الأمن القومي لبلده ولِيوجد ملاذاً آمناً للفارين المدنيين السوريين من جحيم الموت الروسي، وبنفس الوقت جاء قانون قيصر بعد خمس سنوات من العربدة الروسية والنظام ضد الشعب الأعزل ليضيق الخناق على النظام ويجعله على حافة الهاوية لاسيما وهو المراوغ دائمًا في كل المفاوضات السياسية، فلا أمل باستمرار البلد بحكم الأسد ولا يوجد أي فك للقيود الاقتصادية ولا إعادة إعمار، وبنفس الوقت تلويح بعقوبات للروسي، فتُرك الشعب السوري خمس سنوات أمام الآلة العسكرية الروسية، ووضعت روسيا نفسها بموضع المناصر للقتلة والمجرمين ضد مطالب الشعوب المشروعة، لكن التغيير حتمية تاريخية والتاريخ سيسجل من سفك الدم السوري ومن خذله ومن سانده، ولا قوة تدوم ولا ضعف يدوم والأيام دول بين الناس، وهذه الإرادة الصلبة والعناد الكبير من الشعب السوري هو الأمل بالتحرير والتغيير ثم النهوض والبناء إن شاء الله.
المصدر: اشراق