عماد كركص
حضرت مسألة التطبيع مع إسرائيل في الحوار الأخير لرئيس النظام السوري بشار الأسد مع وكالة “سيغودنيا” الروسية، إذ فتحت وجهة نظر الأسد من التطبيع الباب أمام تأويلات جديدة في ظل الأوضاع الراهنة عربياً، مع تطبيع دول عربية مع إسرائيل وإعلان أخرى نواياها، وداخلياً، كون الحصار المفروض على النظام منذ بدء الاحتجاجات عليه، والذي زاد مع العقوبات الغربية وآخرها “قانون قيصر”، لم يستطع الحلفاء كسره كلياً، ولم تتبق للأسد إلا خيارات محدودة لكسر الحصار، إلا التطبيع مع إسرائيل.
وقال الأسد، في رد على سؤال الوكالة حول التفكير بإجراء مفاوضات مع إسرائيل لجهة وقف الأنشطة العدائية، وهل من المحتمل أن تقيم سورية في المستقبل علاقات دبلوماسية مع إسرائيل كما فعلت عدة دول عربية مؤخراً، إن موقف نظامه “واضح جداً منذ بداية محادثات السلام في تسعينيات القرن العشرين، أي قبل نحو ثلاثة عقود”، مضيفاً: “قلنا إن السلام بالنسبة لسورية يتعلق بالحقوق. وحقنا هو أرضنا. يمكن أن نقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل فقط عندما نستعيد أرضنا”. ووصف الأسد ذلك بالقول: “المسألة بسيطة جداً”. وتابع: “لذلك، يكون الأمر ممكناً عندما تكون إسرائيل مستعدة، ولكنها ليست كذلك وهي لم تكن مستعدة أبداً. لم نرَ أي مسؤول في النظام الإسرائيلي مستعداً للتقدم خطوة واحدة نحو السلام. وبالتالي، نظرياً نعم، لكن عملياً، حتى الآن فإن الجواب هو لا”.
وعند النظر إلى رد الأسد هذا، لا يمكن تجاوز غياب اسم فلسطين في معرض حديثه عن استرداد الأرض والحقوق، مركزاً على الحقوق السورية كمقابل للسلام، فعلى غير العادة، لم يزج الأسد بفلسطين كقضية مركزية لنظام الأسد، الرافع لواء المقاومة والممانعة ضد إسرائيل على خلفية احتلال فلسطين والجولان، وهو خطاب كان ملازماً لمسؤولي النظام طيلة خمسين عاماً من الحكم، بل إنه تغذى عليه لضمان الحفاظ على استمراريته طيلة تلك الفترة.
مع تحييد فلسطين عن خطابه، يحاول الأسد أن يرمي أعباء الشعارات التي حملها أو حُملها، ولعله يرى أنها لم تعد صالحة اليوم، ولا سيما مع تعاظم حدة العزلة والحصار اللذين يتعرض لهما بفعل المقاطعة والعقوبات. وقبل ذلك، كان الأسد واضحاً برمي الأعباء واحداً تلو الآخر، حين تفادى إدانة تطبيع كل من البحرين والإمارات مع إسرائيل، وغرضه في ذلك أمران؛ الأول عدم إزعاج الإمارات التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام من خلال إعادة افتتاح سفارتها في دمشق نهاية عام 2018، والثاني الإبقاء على خط مع أبوظبي لتكون جسر التواصل مع تل أبيب، سراً أو علناً، في حال لزم الأمر، في حين تشير معلومات إلى أن أبوظبي بدأت بالتهيئة لذلك فعلاً.
ويقول الحقوقي الفلسطيني السوري أيمن أبو هاشم، وهو المنسق العام لـ”تجمع مصير” الذي يضم فلسطينيين وسوريين، إن “عدم ذكر الأسد في مقابلته للقضية الفلسطينية هو رسالة واضحة للأميركيين والإسرائيليين بأن لديه الاستعداد التام للكف عن استخدام الموضوع الفلسطيني في مناوراته اللفظية وشعاراته المعروفة، وبأنه مستعد للاستجابة لقواعد اللعبة الجديدة، لا سيما بعد افتتاح مسارات التطبيع الساخنة، وهذا يستدعي منه وقف المتاجرة بالورقة الفلسطينية من قبل نظامه، بعد أن استنفدت أغراضها منذ اتفاق فض الاشتباك عام 1974 في عهد أبيه، ولغاية تنفيذ بشار خلال الثورة السورية دوره في تفكيك الوجود الفلسطيني في سورية”.
ويضيف أبو هاشم، في حديثه مع “العربي الجديد”، بأن “هذا التجاهل الواضح في حديثه لم يكن سهواً أو غير مقصود، لأن صمت النظام عن تطبيع الإمارات والبحرين يكشف عن محاولته كسب ثمن تخليه عن كل ما يُغضب إسرائيل، مقابل إعادة اعتماد نظامه على الساحة الدولية، وقبول إعادة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة. أما حديثه عن استعادة الأرض والحقوق، فهو يندرج فعلياً في البروباغندا نفسها، ولكن هذه المرة ثمة تلميح من بشار لأن تبادر إسرائيل بخطوة تؤكد تمسكها به، وكل هذا بمثابة انكشاف فاضح لحقيقة النظام ونفاقه بأنه المدافع عن حقوق الفلسطينيين والسوريين، وقد أسقطت الثورة السورية وعرّت ما يسمى بمعسكر الممانعة والمقاومة بجناحيه الأسدي والإيراني، وقادم الإيام سيزيل الغشاوة حتى عن عيون من ما زالوا مخدوعين بهذا المعسكر المعادي لحق شعوبنا في الحرية والخلاص”.
وعندما يربط الأسد إقامة علاقات طبيعة مع إسرائيل باستعادة الأرض، وباستعداد إسرائيل لهذه الخطوة، فإن السؤال المطروح، هل إسرائيل مستعدة فعلاً؟ على الأرجح “نعم”؛ فمن المهم لتل أبيب بقاء الأسد ونظامه على حدودها الشمالية، كونها اختبرته طيلة خمسين عاماً، وشهدت التزامه باتفاقية فك الاشتباك الموقعة في 31 أيار/ مايو 1974، أي بعد انتهاء حرب أكتوبر، كما يشترك النظام في ملفات أمنية إقليمية، وإن كان بصورة غير مباشرة، تكون إسرائيل طرفاً فيها، وهذا ما يشكل نقطة إيجابية لتل أبيب.
ويرى الصحافي السوري أيمن عبد النور، وهو باحث وسياسي وعضو المجلس الاستشاري عن سورية لـ”معهد الشرق الأوسط” بواشنطن، أن “الأسد محشور الآن بالزاوية، وخاصة أن الظروف الاقتصادية لديه صعبة للغاية، لذلك هو دائماً ما كان يلجأ لهذا الأسلوب بالإعلان والترويج بأنه جاهز للسلام فتح مفاوضات سلام مع إسرائيل عندما يكون محشوراً، ودائماً ما يزج هذه القضية في المناخ العام، سواء الإعلامي أو السياسي، بهدف تجميد عقوبات أو تحصيل مساعدات أو حتى تجميل صورته في الإعلام، وعلى ذلك نلاحظ أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 لجأ والده لمثل هذه المناورة، وكذلك عام 1994، وأيضاً بعد اتهامه بمقتل الحريري والحصار الذي فرض عليه حينها عام 2005، دخل بمفاوضات سرية مع إسرائيل لفك العزلة عنه”.
ويشير الصحافي عبد النور، في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن “الأسد يريد من معادلة التطبيع أن تكون بسيطة وسهلة وعدم الزج بفلسطين ليظهر أنه هو من يقرر، لو أدخل فلسطين فمعنى ذلك أن الفلسطينيين سيقررون وسيحددون سير المفاوضات؛ حتى سير المفاوضات السورية سيتدخلون في تحديده. هو يقول أنا سهلت الموضوع لأستطيع أن أقرر بمفردي، ليس لأحد أن يتدخل”، ويرى عبد النور أن الأسد بذلك يلمح للأميركيين والإسرائيليين بأنه “منبطح وجاهز وهم (الفلسطينيون) غير الجاهزين”.
لكن هل سيكون الأسد مقبولاً دوليّاً رغم التطبيع؟ الواضح أن الأسد لا يملك إجابات نهائية حول ذلك، إذ أجّل في المقابلة ذاتها اتخاذ قراره في الترشح للرئاسة التي ستجرى انتخاباتها منتصف العام المقبل إلى بداية العام، وإلى ذلك الحين، سيكون الأميركيون قد حسموا أمرهم في التعامل مع إعاقة النظام لعمل اللجنة الدستورية التي يماطل بها وفد الأسد لحين تمرير الانتخابات، في حين ستكون الانتخابات الأميركية قد أفرزت من سيبدأ بتقييم التزام الأسد بالقرارات الدولية لحل الأزمة السورية من عدمه، وزيادة حدة عقوبات قيصر أو تخفيفها، وربما سيكون لواشنطن خيارات أخرى للتعامل مع سورية والأسد تحديداً، في حال أعيد انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا مرة أخرى.
وهنا يقول الدبلوماسي السوري السابق والمنشق عن النظام بسام بربندي، المقيم في الولايات المتحدة، إن “الأسد شخصيته مريضة، ويعتقد أنه هو من يعطي أدواراً دولية للدول، و يعطيها كذلك وزناً دوليّاً إذا وافق على أن يتعامل معها، وبالتالي هو يشعر بأنه (مفضّل) عليهم ومهما ساعدوه فهو رد جميل له لأنه ساعدهم أولاً، ونظرته للسلام مع إسرائيل تنطلق من هذه الفكرة”. ويتابع، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الأسد لا يستطيع أن يحصّل شيئًا مقابل السلام، فهو لا يتحكم حتى بالمنطقة الجنوبية من سورية، وبالتالي هذا تصريح يعكس طريقة تفكيره المريض”.
المصدر: العربي الجديد