عماد كركص
في حين يكتنف الغموض موقف الإدارة الأميركية المقبلة برئاسة جو بايدن حول تعاملها مع الملف السوري، ورؤيتها لصيغ الحل الرامية إلى إنهاء الصراع المتواصل منذ تسعة أعوام، يبدو أن قوى إقليمية ودولية تسعى إلى استباق أي خطوات أميركية جديدة وإحداث تغييرات جذرية في المشهد السياسي في سورية. إذ يجري الحديث عن إمكانية تشكيل جسم سياسي للمعارضة بشكل جديد بعيداً عن رؤية “الائتلاف الوطني” المعارض المقرب من تركيا، برعاية وترتيب عربي تقوده السعودية والإمارات. وتشير معلومات إلى أنّ السعودية، وفي طريق الإعداد لهذا الجسم، قد تلجأ إلى إعادة ترتيب صفوف الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة، لتكون بعيدة عن التأثير التركي. ولا تبتعد عن ذلك تحركات عربية تستهدف إعادة نظام بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، الأمر الذي لا يزال يلاقي رفضاً من بعض الدول العربية، في حين تطالب دول أخرى بتكريسه واقعاً، لكن بحذر، كون المعارضة الأميركية والغربية لهذه الخطوة ستظلّ قائمة، في حال لم يسجل الملف السوري تقدماً نحو الحل، بناء على المرجعيات الدولية والقرار الأممي 2254.
وفي سياق المحاولات لإعادة ترتيب المعارضة السورية بما يناسب الرؤية العربية المضادة للتوجه التركي، كشفت مصادر سورية معارضة تقيم في أوروبا لـ”العربي الجديد”، أنّ السعودية والإمارات تسعيان حالياً إلى عقد مؤتمر جديد في الرياض لإعادة هيكلة “الهيئة العليا للمفاوضات” السورية، والتي تضم معارضين من أجسام سياسية مختلفة، منها “الائتلاف الوطني” ومنصتا القاهرة وموسكو وهيئة التنسيق المعارضة في دمشق. والهدف من هذا المسعى، بحسب المصادر، كسر الهيمنة التركية على الهيئة من خلال وجود عناصر الائتلاف الأكثر تمثيلاً داخلها، بالإضافة إلى بعض المستقلين المقربين من أنقرة. علماً أنّ الخارجية السعودية قد رعت في نهاية العام الماضي اجتماعاً لمعارضين سوريين في الرياض، خلص إلى إعادة انتخاب قائمة الممثلين في الهيئة من ثمانية أعضاء، واعتُبرت تلك الخطوة أنها محاولة سعودية للهيمنة على قرار الهيئة من خلال قائمة المستقلين، وإحداث توازن في القرار داخل جسم الهيئة.
كذلك أشار مصدر سياسي معارض من دمشق، لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ جهوداً حالية تسعى إلى جمع قوى سياسية ومستقلين بهدف التلاقي واستخلاص الأفكار لإعادة إطلاق مسار سياسي جديد لحل الأزمة السورية. ورجح المصدر أن يكون مكان انعقاد اجتماع تلك القوى والشخصيات في القاهرة. في حين تشير المعطيات حول هذا التحرك إلى أن الجانب المصري يسعى إلى إعادة هيكلة وتفعيل “منصة القاهرة” السورية المعارضة التي يبرز منها الممثل السوري جمال سليمان، وذلك لتكون هذه المنصة مستعدة للانخراط بإعادة هيكلة “هيئة التفاوض” ضمن المساعي السعودية – الإماراتية.
وفي سياق التطورات نفسها، أعلن المعارض السوري خالد المحاميد، المقرب من الإمارات وروسيا، أنه “حان الوقت ليظهر جسم جديد يعبّر عن طموح وآلام السوريين بعيداً عن الأجندات الدولية والإقليمية، ويستعيد القرار السوري ويدفع بالحل السياسي وفق القرارات الأممية”. وكشف المحاميد، خلال لقاء صحافي أخيراً، أنّ تحركات عربية تجري لدعم هذا المنحى وآخرها الاجتماع الرباعي الذي عقدته كل من السعودية والأردن والإمارات ومصر أخيراً، منوهاً كذلك إلى أنّ “هناك تأطيراً واجتماعات واجتهادات لإخراج جسم وطني له شعبية في الداخل السوري، وراغب بتنفيذ الحل السياسي”. وأشار المحاميد إلى أنّ القوى المنخرطة بتشكيل هذا الجسم ستسعى للتواصل مع القوى القادرة على المساعدة في تطبيق القرار الأممي 2254 وبيان “جنيف 1″، موضحاً أنّ هذين المرجعين مطالب وأجندة للجسم الجديد. وأكد على دور فاعل ضمن الجسم للمرأة السورية والشباب، الذين دفعوا أكبر الأثمان في الحرب. وألمح المحاميد إلى أنه “إذا فشل المجتمعون في جنيف في الوصول إلى صيغة دستور جديد للبلاد وتجنب المماطلة، فإنه لا بد من وجود جسم سياسي جديد يقود جهود الحل بعيداً عن أجندات الفاعلين، متهماً الطرفين (النظام والمعارضة) بتعطيل جهود الحل، ولا سيما في مسار اللجنة الدستورية.
يأتي ذلك بعد أيام من اجتماع سعودي إماراتي أردني مصري، عُقد على مستوى كبار المسؤولين في وزارات الخارجية للدول الأربع، وأعلنت الخارجية المصرية في بيان أنه “بحث تطورات الأزمة السورية وسبل تسويتها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 بما يحفظ وحدة سورية وسلامة أراضيها”. وأضافت أنه “تم خلال اللقاء بحث تعزيز الجهود المشتركة لصون عروبة سورية ومقدرات الشعب السوري”.
وفي حين تنتظر الجزائر عقد اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الدوري والمؤجل على أراضيها، فإنّ الاحتمالات رجحت بأن يكون الاجتماع الدبلوماسي الرباعي قد تطرق إلى مسألة إمكانية إعادة نظام بشار الأسد لشغل مقعد سورية في الجامعة العربية بدفع إماراتي، بعد التقارب الملحوظ بين دمشق وأبوظبي أخيراً. وهذا ما تؤيده دول أخرى كالعراق والجزائر وتونس ولبنان والبحرين بالإضافة إلى الإمارات، في حين ترفض دول أخرى هذه العودة. غير أن بعض الدول تتخذ موقفاً وسطياً مرتبطاً بعواقب تأييد عودة النظام للجامعة العربية في ظل المعارضة الأميركية والغربية والدولية لذلك.
مسألة عودة النظام للجامعة العربية تطرّق لها الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أشار إلى أن هناك دولاً لا تزال تعارض عودة النظام ليشغل مقعد سورية في الجامعة، وأن هذه المسألة لا تحظى بالتوافق المطلوب داخل الأخيرة. وكان أبو الغيط قد أشار بداية العام الماضي إلى شرط واحد أمام عودة النظام إلى الجامعة، محدداً إياه بقطع العلاقات مع إيران.
وفي بداية العام الماضي، استضافت العاصمة الأردنية عمّان، اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية ضم كلا من السعودية والكويت والبحرين والإمارات ومصر والأردن، وناقش إعادة دمشق للجامعة العربية من دون أن يتوصل المجتمعون إلى نتائج تذكر في هذا السياق.
وفي ظلّ هذه التطورات، تتخذ روسيا موقف المتفرج، مع ما يبدو من رضا عن التحركات العربية البعيدة عن الرؤية الأميركية والتركية حيال الملف السوري وتعقيداته، بانتظار ما ستخلص إليه مجمل هذه التحركات. في حين لم يخرج عن المعارضة ولا حتى عن أنقرة موقف واضح حيال التطورات الأخيرة، ولعل المعارضة ممثلة بـ”الائتلاف الوطني” تنتظر مباشرة الإدارة الأميركية الجديدة مهامها الشهر المقبل، ليكون لها الكلمة الفصل في الملف السوري.
المصدر: العربي الجديد