إياد حياتلة
“ليست قصيدة طويلة.. بل نزيفٌ متواصل”
أكُنتُ أنا أم قَريني !!
أم انِّيَ ما كُنتُ أصلاً وَفَصلاً !!
وَكلّ الذي مَرَّ بي كانَ أضغاثَ وَهم !!
لِسِتّينِ جُرحٍ بِخاصِرتي وَلم أدرِك المسألة
فَأيٌّ عَلى خَيبَةٍ مِن يَقينٍ طَواهُ الغِياب
وَأيٌّ عَلى أمَلِ كاذِبٍ تابَعَ المهزلة
وَمن بَينَنا صاغَ عَينَ الجَواب
وَمنذا الذي تاهَ في الأسئلة!!
كَأنّ الزمانَ ابتدا سَيلَ آهاتِ وَجدٍ كَثيفٍ قُبيلَ شَهيقٍ
وَانتهى نَكبةً ذاتَ لَيلٍ وَسبعينَ دَهراً
وَبعدُ الطريقُ عَلى وَحشَةٍ قَد تَطولُ ..
كَأنَّ الحياةَ رُفاةُ انْتِباهٍ خَجولٍ
قَضَى بَينَ إغماضَتَيْنِ قِصارٍ
وَموتٌ عَلى العاشِقينَ عَجولُ ..
“عينو مَلانِة نوم .. عينو
يا خيط الصُبِح يا مفَرِّق بيني وبينو
عينو مَلانِة نوم .. عينو”
أهذا الصباحُ لَنا
أمْ لِخلقٍ سِـوانا !!
أنحنُ الذين غَفونا على ضِحكةٍ أمسِ
ثمّ تأخّرَ عنّا شـروقُ الأماني
فأيقظَنا شَـبحُ الغائبينَ
على نَدبةٍ في الفؤادِ تَنِزُّ بِلاداً وَقهراً
وَغائلةً مِن حنين !!
أنَحنُ الذينَ فُطِمنا عَلى حُلُمٍ عابِرٍ لَم يَصِل
وَانتَهينا شَتاتاً عَلى ألفِ سَيفٍ تَشُـقُّ الظُهورَ
أم انّا – وَمِن ألفِ دَهرٍ – غَدَونا سِوانا !!
“زَعَق طير الحمام وقال هِنّي
ما غَيّر اِحوالي غير هِنّي”
أنا شَجرةُ الحزنِ
دَمعي مِدادُ المَراثي
وَبَحرُ المقامِ العراقيِّ خَلجاتُ روحي الحَبيسَةُ
في ألفِ قَبرٍ تَضيقُ عَلَيَّ بِكُلِّ الجِهاتِ ..
صبيُّ النِكاتِ البذيئةِ
خِلُّ السَهارى الوَحيدين عَن بُعدِ
كُلٌّ عَلى وَجَعٍ يَنزَوي صامِتاً
بِئرُ الخسِاراتِ قلبي المُعَنّى ..
أنا تَوأمُ الوَجدِ
مُنذُ دُهورٍ وُلِدنا مَعاً
عِند ناصِيةٍ في المُخيّمِ
طيناً وَبرداً وجُوعاً وَفَقرا ..
أنا سَاهرُ اللَيلِ
نِدُّ ضَبابِ الصَقيعِ الشَمالِيِّ
يَحرُسُني حينَ أغفو
وَأنطُرهُ إذ يَغيبُ ..
وَإمّا التَقينا
التَحَمنا بِبَعضٍ سَوِيّاً
كَلَحدٍ عَتيقٍ تَشَرّبَني مُنذُ كانت
رُؤايَ تَشَكّلُ عَظماً طَريَّاً هُنالِكَ في رَحمِ أمّي ..
نَديمَينِ كُنّا وَلمّا نَزالُ عَلى الحُلوِ وَالمُرِّ
مُنذُ ابتِداءِ الخَليقَةِ حَتّى اِنتِهائي
وَحيداً على سَفحِهِ المُستَطيلِ
كَذِئبٍ جَريحْ ..
يُغالبُ نَوْحي عِوائي
فَحيناً جَسورٌ
وَأحيانَ أخرى ذَبيحْ ..
أراوِغُ سوطَ الرياحِ
بِظهرٍ مُدَمّىً وَجِسمِ سَقيمٍ
فَأنّى تَوجّهتُ ريحٌ
وَريحٌ وَريحٌ .. وَريحْ ..
أنامُ وأصحو
وأصحو وأغفو
وَما مِن خَليلٍ بِقربي
جِراحَ فؤادِيَ يَرفو ..
فَقط نجمةٌ من بعيدٍ
وَعتمٌ وحَرفُ
صَدى ضِحكةٍ خَلَّفَتني شَريداً
وَهمسٌ بِأُذني يَهِفُّ ..
وَبحرُ دموعٍ
وَقلبٌ يَرِفُّ
وَروحٌ تَنوحُ
وأشلاءُ ذِكرىً .. وَطيفُ ..
فَيا مُعجِزاتِ السماواتِ أرفِقنَ بي
هَبنَني ما يُعيد لِنَفسي سَكينَتها المُشتَهاة
فَإنِّي أحِنُّ إلَيّ
إلى الطِفلِ فِيّ ..
لِقلبي
الذي كانَ يوماً مُطيعاً
يَنامُ عَلى صَفحَةٍ مِن بَياضٍ
وَحينَ اسـتفاقَ عَلى عِطرِها خانَ وِدِّي
وَثارَ عَلَيّ ..
لِأُمّيَ .. يابا .. لِأيمنَ .. أمجَد .. أروى .. لِيَرموكِ أمْسي
لِنِصفِيَ تحتَ الترابِ الرَطيبِ
لِكُلِّ شَهيدٍ بَكَيتُ سَواءَ عَرفتُ وَلَم أعرِفِ ..
وَلِامرأةٍ ..
عِندَ مَفرقِ قَلبٍ
تُغنّي لِأجلي ..
عَلى ..
صَهوةِ الشَوقِ
تَرقُبُ في الغيبِ ظِلّي ..
فَإن سَمَحَت غَفلَةُ الوقتِ
في مُقلَتيها سَأنطُرُ شَمسَ نَهاراتِ عُمري الجَديدِ
وَأنذرُ .. لِلحُلمِ كُلّي ..
فَيا أنتِ ..
إمّا ظَهَرتِ .. حَنانَيْكِ ..
رِفقاً بِقلبي الذي صَيَّرتهُ المراراتُ هَشَّاً نَفوراً
يُعانِدُ ما ظَلَّ مِنّي وَما ظَلَّ حَولي ..
تَعالي بِمِحرابِ عِشقٍ سَوِيّاً لِفَجرِ صَباحاتِنا القادِماتِ نُصَلِّي
تَعالي ..
بِدونِك تَترى المساءاتُ
لا شُغلَ لي بَين خَيباتِها، غَيرَ أنّي
أُقَاسِمُ ضَوء النُجومِ الشَحيحِ انكِساراتيَ العابِرة ..
أُحاوِلُ إخمادَ ناري بِنارٍ
وَأُحصي الهزائمَ مِن ألفِ رِمشٍ
وَأدخلُ في كلّ غَمزَةِ عَينٍ بِمَعركةٍ خاسِرة ..
هيَ الحربُ ..
لم تبدأ الآنَ،
أعرِفها مُنذُ كُنّا مَعاً بالشِفاهِ التحاماً
قُبَيلَ حَياتَيْنِ يَوماً هُناكَ
فَلا تَتركيني وَحيداً على جَبهةٍ فاجِرة ..
قَتيلُ الغِواياتِ، قَلبي الصغيرُ
وَإنّي أُحبّكِ دونَ الجميعِ
فَطَلّي بِقربي جِداراً مَنيعاً
وَكوني سِلاحي المُقاوِمَ لِلآخِرة ..
.
وَإمّا تَمَنَّعتِ عَنّي دَلالاً
سَأغفو بِعَينٍ
وَأتركُ أخرى مُوارِبَةً
كَي أراكِ كَما لا يَراكِ أحدْ ..
فَلا تَخذِلي الروحَ ..
مُرّي .. كَأطيافِ حُلمٍ وَلَو مَرّةً
وَغيبي إذنْ بَعدها لِلأبدْ ..
وَلا بأسَ إمّا ضَنَنتِ
وَخَلّي الفؤادَ يَنوءُ بأحمالِهِ
بَينَ هَزلٍ وَجَدّْ ..
فَمُنذُ سِنينٍ
تَعوّدتُ مَوتي بَطيئاً
إذا ما اختصرتُ الكلامَ إلى رُبّما
والأماني .. لِقَدْ ..
فَإن جاءَ صُبحٌ بِدوني
اذكريني ..
وَإن حَلَّ ليلٌ
وَلمّا أردّ التحايا
اغفِري غَيبَتي
وَاعذُريني ..
“زَعَق طير الحمام وقال يا حُبّي
يومٍ تِلاقيني دَربِ السَعِد دَربي”
أُحِبُّكَ
يا حبُّ ..
حُبّينِ
عَشـراً .. وألفْ ..
وأمضي
وإيّاكَ يا حبُّ
كَتْفاً لِكَتْفٍ
وَحَتفاً .. لِحَتفْ ..
فَإمّا تَقولُ ليَ امرأةٌ
من بقايا بلادي:
إيادي ..
سَتُزهِرُ
في مقلتيَّ خُزامى
وَيُمطِرُ وَرداً نَدٍيّاً فُؤادي ..
وَإن صاحَ بِي الزَّيْنُ عَبرَ الهواتِفِ جِدّو
سَيَقفِزُ قَلبي أمامي غَزالاً عَلى صَوتِهِ العَذبِ
نَحوَ اشتِعالاتِ عَينَيهِ يَعدو ..
حَبيبي لَكَ الأمنِياتُ البَهِيّاتُ
فَاكبُر رَبيعاً عَلى هاوِياتِ خَريفي ..
وَلا تَنتَظِرني ..
فَما زِلتُ عِندَ غَياهِبِ كُلِّ المَفازاتِ أبحثُ عَنّي ..
أهذا أنا أم قَريني
أم انّي القرينُ وَلستُ أنا
وَقَد .. رُبّما قَد ..
أكونُ القَرينَ لِشَخصِ سِواي ..
وماذا يُفيدُ التساؤلُ
ماذا تُفيدُ الإجابةُ ما دُمتُ وَحدي
كَذِئبِ عَجوزٍ على وَهنِ نبضي انتهيتُ
لِمَحضِ سَرابٍ
يُراوِغُني في خَريفي الأخيرِ
وَلمّا يُسمّي عليّ
أحدْ ..
وَفي كُلِّ سِردابِ لَيلٍ
أعيدُ اكتِشافَ الذي لَم يَكُن مرّةً
– مُذ وُلِدتُ –
خَبيئاً بِقلبي الصغيرِ
بِأنّيَ ما كُنتُ يوماً بِبالِ
أحدْ ..
أنا .. مَن أنا !!
أنا .. لَم أكُنْ لَحظةً مُنذُ سِتّين نَزفٍ أنا
وَما كانَ إسميَ يَوماً
إيادْ ..
أنا ..
لا أحدْ ..
وَمِثلِي .. ما ظَلّ مِمّا تُسمّى عَلينا
– جُزافاً وَزوراً –
بِلادْ ..
غلاسكو