قبل خمس سنوات، في 18 من كانون الأول عام 2015، صوّت وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة حينها، بان كي مون، والمبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، بالإجماع على مشروع قرار بشأن “عملية السلام في سوريا” حمل رقم “2254”.
شمل القرار (16 مادة) الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية، وقفًا دائمًا لإطلاق النار من خلال جهود الدول صاحبة التأثير على النظام السوري والمعارضة، ضمن خطة تنفيذ لعملية سلام وفق أسس سياسية تضم تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة في غضون ستة أشهر، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرًا بعد أن تتم صياغة دستور جديد لا يستند إلى أسس طائفية تحت إشراف ومراقبة من الأمم المتحدة.
كما ضم القرار إجراءات بناء ثقة بين الأطراف المتنازعة، مثل فتح ممرات إنسانية والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول السريع والآمن إلى جميع أنحاء سوريا، والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي وخاصة النساء والأطفال منهم.
وطالب القرار بتوقف جميع الأطراف عن تنفيذ أي هجمات ضد المدنيين والمرافق الحيوية والطبية وفرق العمل الإنساني، وعودة النازحين داخليًا إلى منازلهم، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وتقديم المساعدة للدول المضيفة للاجئين.
وأوجب القرار تقديم تقرير سريع خلال شهر واحد من بدء تطبيق القرار من قبل الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول الالتزام بتنفيذ بنود القرار “2254”.
بُني هذا القرار على المبادئ التي نصت عليها وثيقة “جنيف 1” التي أعلن عنها البيان الختامي الصادر عن اجتماع “مجموعة العمل من أجل سوريا” في 30 من حزيران عام 2012، إذ نص على أنه “يجب على الأطراف أن تلتزم مجددًا بوقف دائم للعنف المسلح بكافة أشكاله (…) وتكثيف وتيرة الإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفيًا وتوسيع نطاقه، بما يشمل على وجه الخصوص الفئات الضعيفة، والأشخاص الذين شاركوا في أنشطة سياسية سلمية”.
كما نصت الوثيقة على احترام حرية التظاهر السلمي، وكفالة حرية التنقل في جميع سوريا للصحفيين، وكفالة منحهم تأشيرات وفق سياسة غير تمييزية.
ويشكل قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254” المرجعية المُتفق عليها وإطار العمل الناظم لعملية التفاوض الحالية.
إشكاليات في القرار رقم “2254”
ينص القرار على إنشاء هيئة حكم انتقالي جامعة تخوّل سلطات تنفيذية كاملة، وتكمن المشكلة في تحديد الجهة المخولة، حيث تحتمل هذه النقطة آليتين، وفقًا لدراسة أعدها مركز “عمران للدراسات” في عام 2015.
وتكمن الآلية الأولى في قيام مجلس الأمن بتفويض الهيئة الانتقالية بكامل صلاحياتها، أما الثانية فهي تنازل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن صلاحياته لهذه الهيئة، وهو أمر مستبعد ضمن الظروف السياسية الحالية.
تعتبر الدراسة أن دور الأسد في بنود القرار نقطة ضعف رئيسة، لأنها تحتمل عدة تفسيرات وتعتبر موضوع خلاف دولي.
وفشل القرار في تحديد دور الأسد في أثناء وبعد المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى أن القرار ربط وقف إطلاق النار في سوريا بالعملية السياسية، ووصف العملية السياسية بـ”المسار الموازي”، وحدد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ تزامنًا مع الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي.
وبحسب الدراسة، تحتمل هذه النقطة تأويلات متعددة، أكثرها تهديدًا اعتبار بدء المفاوضات أولى هذه الخطوات، ما يفضي إلى فصل نتائج العملية السياسية عن وقف إطلاق النار، ونزع أهم ورقة تفاوضية من يد المعارضة قبل تحقيق مطالبها.
ولم يحدد القرار آليات مراقبة وقف إطلاق النار، إذ طلب من الأمين العام تقديم خيارات متاحة لهذا الغرض وذلك خلال فترة أقصاها شهر.
وفشل مجلس الأمن في تحديد آلية تشكيل وفد مراقبين دوليين، كما فعل مع خطة “النقاط الست” (كوفي عنان).
ويترك هذا الفشل المجال نحو خيارات “غير موضوعية”، وفقًا للدراسة، كتشكيل فرق مراقبة محلية من المجتمع المدني والهيئات المدنية التمثيلية لدى طرفي النزاع.
والحل السياسي وتنفيذه من المفترض أن يسيرا بالتوازي مع وقف العنف الذي يمثل الخطوة الأولى في الخطوات والنقاط الست التي تضمنتها خطة المبعوث الدولي السابق المشترك لمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كوفي عنان.
قرار على شكل توصيات لا يحمل صفة الإلزام
ومن ضمن الإشكاليات حول القرار رقم “2254”، غياب آليات الإلزام ضمن بنوده، المتعلقة بالعملية السياسية أو رصد وقف إطلاق النار والتحقق منه، ما يحافظ على قدرة النظام السوري على الاستمرار بتعطيل العملية التفاوضية بشكل مكرر لسلوكه في أثناء مؤتمرات “جنيف”.
لا يوجد في بنود القرار الـ16 أي عقوبات يُمكن فرضها على النظام السوري في حال لم يلتزم بمضمونها، إنما فقط متعلقة بتدابير الثقة على شكل توصيات غير ملزمة.
ووفقًا لتقارير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة النظام السوري لا تزال مستمرة بالاعتقال في مناطق “التسويات” الخاضعة لتفاهمات مع حليفة النظام، روسيا، ما يخالف بنود القرار رقم “2254” الملزمة بالإفراج عن المعتقلين السوريين داخل مراكز الاعتقال.
وعلى الرغم من إقرار مراسيم العفو العام في سوريا من قبل حكومة النظام، ما زال في مراكز الاعتقال التابعة له نحو 130 ألف معتقل سوري، منذ آذار 2011 حتى آذار الماضي، بينهم 7913 سيدة (أنثى بالغة) و3561 طفلًا، أي ما يعادل 88.53% من إجمالي أعداد المعتقلين في كل المناطق السورية، وفقًا لقاعدة البيانات التي قامت “الشبكة السورية” ببنائها خلال تسع سنوات.
وبعد الإعلان عن القرار بعامين، تعرضت بلدة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي في 2017 لهجوم كيماوي، صُنّف من بين الأعنف في تاريخ النزاع السوري، وأسفر عن مقتل 87 شخصًا وإصابة ما يزيد على 400 آخرين.
وفي بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، في 18 من كانون الأول الحالي، قالت إن ممارسات النظام السوري وحلفائه (إيران وروسيا) تمنع التقدم في العملية السياسية، وتعمق معاناة جميع السوريين، كما تعرقل الجهود إلى التنفيذ الكامل للقرار “2254”.
ورفض النظام وروسيا حتى الآن، وفق البيان، الاستجابة لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، ويواصل عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية، كما يتضح من نقص الخدمات في جنوب غربي سوريا.
“هيئة انتقالية” حاضرة في القرار غائبة في الواقع
أيد نص القرار رقم “2254” إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخول سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية.
ولكن في المقابل، لم تكفل الأمم المتحدة نفسها متمثلة بمبعوثها الخاص السابق إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، تنفيذ مسار واضح يوصل طرفي النزاع إلى انتقال سياسي من خلال هيئة حكم انتقالية، إذ وجد دي مستورا أن القرار الدولي مصمم بطريقة لا قدرة له على أن يطبق بشكل صحيح، لذا اقترح توسيعه إلى محاور سُميت “السلال الأربع“، وأُعلن عنها في 2017 بعد الانتهاء من محادثات “جنيف 4″، وبدء عملية إعداد دستور جديد لسوريا.
وكان دي مستورا وسيطًا دوليًا لنقل رسائل “هيئة التفاوض السورية” المكونة من عدة تيارات ومنصات سورية إلى حكومة النظام السوري، لأن التفاوض مع حكومة النظام لم يكن بشكل مباشر حينها.
ولم يرق لـ”هيئة التفاوض” تهميش تطبيق هيئة الحكم الانتقالي والبدء بشكل مباشر بعملية الدستور، وكانت تريد هيئة حكم انتقالي كما هو منطوق القرار، لكن تعذر ذلك، بحسب المتحدث باسم “الهيئة”، الدكتور يحيى العريضي، في حديث سابق إلى عنب بلدي، فـ”المساهمون في صناعة القرار الدولي لم يكونوا على درجة من الإصرار لتنفيذ القرار، وإن كانوا مصرين، تعطل روسيا وتخرب ذلك، وتريد أن تسوق الحل على مقاس مصالحها على أساس إعادة تأهيل النظام”.
وأشار العريضي إلى أن “هيئة التفاوض” حرصت على أن تكون منخرطة في العملية السياسية قدر الإمكان، لأنها الحلبة الوحيدة المتبقية في العملية السياسية لإيجاد حل سياسي، خاصة أن الحل العسكري أثبت فشله، إذ استطاعت روسيا أن تنجز عسكريًا، بينما بقيت على الصعيد السياسي بـ”خفي حنين”، بحسب تعبيره.
المصدر: عنب بلدي