جاسم الشمري
تمثّل الحدود العراقيّة السوريّة واحدة من أخطر المناطق الحدوديّة؛ وذلك بسبب رخاوتها، وعدم القدرة الفعليّة على ضبطها لأسباب حقيقيّة ووهميّة.
وقد لوحظ خلال الفترة الأخيرة، وبالتحديد منذ بداية العام 2019، أنّ مقاتلي (داعش) عادوا ثانية لتنفيذ عمليّات اغتيالات وكمائن في سوريّا والعراق، وقد راح ضحيّتها العديد من الميليشيات والضبّاط والجنود الروس والسوريّين والعراقيّين، وهذا يؤكّد أنّ التنظيم عاد ثانية لحرب الكرّ والفرّ، وتنازله عن حرب السيطرة على المدن!
وفي اليوم الأخير من العام 2020 شنّ تنظيم (داعش)، هجومًا بالأسلحة الثقيلة على حافلة عسكريّة في محافظة دير الزور شرقيّ سوريا تقلّ عناصر من جيش النظام بعد أن فجّروا عددًا من العبوات الناسفة في طريقها، مما أدّى لتدميرها، ومقتل 40 عنصرًا وإصابة آخرين!
وعلى المنوال ذاته، ولكن بشكل اغتيالات فرديّة، تستمر عمليّات التنظيم في العراق، لينسحب مقاتلوه بعدها إلى عمق الصحراء المتداخلة بين البلدين!
وتمتد الحدود بين العراق وسوريا لأكثر من 600 كم إلا أنّ هنالك ثلث هذه المناطق قرابة (200) كم تعدّ الأهم والأخطر والمتمثّلة بمناطق خطّ التنف – البو كمال – القائم.
أغلب هذه المناطق على الجانبين العراقيّ والسوريّ كانت تحت سيطرة تنظيم (داعش) لأكثر من أربع سنوات، وبالذات مع إعلان التنظيم عن (ولاية الفرات) وسيطرته على مدن عراقيّة كبيرة من بينها الأنبار والموصل وغيرهما في العام 2014.
وتمكّنت قوّات حكومة بغداد المدعومة من قوات التحالف الدوليّ لمحاربة (داعش) من إعلان النصر على التنظيم نهاية العام 2017، ومن يومها عادت تلك المناطق إلى الهدوء النسبي، ولكنّ التنظيم استمرّ طوال تلك المراحل بتنفيذ عمليّات اغتيال لبعض العسكريّين، والمدنيّين الذين ساعدوا الحكومة، لكنّها لا تقارن بقدراته السابقة، وفي كلّ الأحوال دخل التنظيم في مرحلة السبات الإجباريّ، أو المرحليّ، أو الخلايا النائمة!
وتحسب مدينة القائم الواقعة في محافظة الأنبار العراقيّة من المناطق النائية والبعيدة عن مركز العاصمة بغداد بأكثر من (400) كم إلى الغرب، وأهمّيّتها الاستراتيجيّة تعود لعدّة أسباب:
-الأوّل: كونها من المنافذ الحدوديّة المهمّة مع سوريّا، وبالتالي من المناطق الرابطة بين الصحراء العراقيّة والبادية السوريّة.
-الثاني موقعها الاستراتيجيّ كونها تقع عند النقطة التي يدخل عندها نهر الفرات إلى الأراضي العراقيّة قادماً من سوريّا.
-الثالث حرص إيران على تأمين هذه النقطة وتنقيتها من القوّات غير الموالية لها، لبقاء الطريق الواصل ما بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت، ولغايات لوجستيّة وعسكريّة استراتيجيّة.
-الرابع: الرغبة الإيرانيّة في تقليل وجود القوّات الأميركيّة في مناطق استراتيجيّة وقريبة من الحدود السوريّة، وهذه الرغبة تدخل ضمن الصراع المستمرّ بين واشنطن وطهران في أرض الرافدين.ومنطقة الجزيرة العراقيّة هي الأراضي المحصورة بين نهري دجلة والفرات في جنوب نينوى وغرب صلاح الدين وشمال الأنبار، وهي من أعمق وأشد معاقل التنظيم في العراق منذ عدة سنوات.
كما لاحظنا خلال الأسبوعين الماضيين عودة تنظيم (داعش) إلى العمل بشكل ملحوظ، في الجانبين السوريّ والعراقيّ!
عراقيّاً، وربّما سوريّاً، يمكن إرجاع هذا النشاط العسكريّ للتنظيم لعدّة أسباب منها:
أخذ التنظيم الوقت الكافي لترتيب أوراقه ثانية بعد الضربات القاسية التي تلقاها في معاركه مع التحالف الدوليّ والقوات العراقيّة والحشدين الشعبيّ والعشائريّ.
انسحاب القوّات الأميركيّة من المناطق القريبة من القائم والحبانية وغيرهما في آذار/ مارس 2020، وتسليم معسكراته للجيش العراقيّ والحشد الشعبيّ.
انشغال دول العالم بجائحة فيروس كورونا 19.
الصراع الإيرانيّ الروسيّ للسيطرة على الحدود السوريّة مع العراق، وتسليم زمام الأمور لقوّات قريبة من موسكو وداعمة للنظام السوريّ ممّا تسبّب بغياب القوّات المليشياويّة التابعة لإيران من الطرف السوريّ.
انشغال غالبيّة القوات الرسميّة والميليشياويّة بعمليّات التهريب المتنوّعة بين البلدين، وعدم التركيز على حفظ الحدود.
ومع هذه العودة المتوقّعة لـ(داعش) إلى المناطق الغربيّة والصحراويّة والحدوديّة العراقيّة، سنحاول هنا ذكر أهم القوّات الرسميّة وغير الرسميّة والمليشياويّة العراقيّة المسيطرة على تلك المناطق:
الجيش العراقيّ: وهذه الوحدات غير ثابتة، وتشمل قيادة عمليّات الجزيرة والبادية، وتضم الفرقة الأولى، وقيادة عمليات الأنبار وتضم قيادة فرقة المشاة العاشرة، وقيادة شرطة الأنبار ومعها ثمانية أفواج طوارئ، وجميعها تابعة لوزارة الدفاع العراقيّة.
الحرس الثوريّ الإيرانيّ: وهم مجموعة من العسكريّين التابعين للحرس الثوريّ الإيرانيّ، وفي الغالب هؤلاء تكون مهامهم استشاريّة.
القوات الأميركيّة: وهي عبارة عن دوريات غير محدّدة للقوّات الأميركيّة الموجودة في قاعدة عين الأسد.
فصائل الحشد الشعبيّ: وهذه تتمثّل في العديد من الفصائل، ومنها:
ميليشيات حزب الله لواء 45.
منظمة بدر بزعامة هادي العامري.
ب. حركة أنصار الله الأوفياء
ت. حركة النجباء بقيادة أكرم الكعبي.
ث. عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي.
ج. لواء الطفوف بقيادة (قاسم مصلح) لواء 13.
ح. كتائب سيد الشهداء بزعامة أبو مصطفى الشيباني.
وغيرها العديد من الميليشيات التي لا تعرف أعدادها الحقيقيّة.
- الحشود العشائريّة: وهذه تتمثل بمجاميع عشائريّة مسلّحة هدفها حماية المدن من هجمات تنظيم (داعش)، وربّما يمكن القول إنّ معظم عشائر تلك المناطق لديها حشود عسكريّة مدعومة من فصائل الحشد الموجودة في تلك المناطق، وتأتمر بأمرها، وبعضها مرتبط بحكومة بغداد.
- تنظيم (داعش): حقيقة لا يمكن عدّ التنظيم من ضمن القوّات المسيطرة، أو الماسكة للأرض في تلك المناطق لكنّه من القوى المؤثّرة، والفاعلة.
وبالنسبة لأعداد مقاتلي التنظيم فلا توجد إحصائيات دقيقة حول أعدادهم، والأمر يقع ضمن دائرة التخمينات، وسبق لمسؤول مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتّحدة (فلاديمير فورونكوف) أن ذكر بأنّ التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 10 آلاف من مقاتلي تنظيم (داعش) يتحرّكون بين العراق وسوريا.
ويحرص التنظيم على خرق الحدود مع سوريا عبر عمليّات تهريب يوميّة لتأمين رواتب مقاتليه، وتقدر وارداته بأكثر من 50 ألف دولار يوميّاً يجنيها من تهريب السلع والأشخاص والنفط والأسلحة وغيرها من البضائع!
وقد أكّد لي بعض سكّان تلك المناطق أنّ الكثير من الأهالي يتخوّفون حالياً من المرور على الطريق الرابط بين الرمادي والقائم بعد الغروب، بسبب وجود عناصر التنظيم في الصحراء غير المسيطر عليها، وأكّدوا بأنّ التنظيم يدخل المدينة ويخرج منها دون أن تحاول القوّات الرسميّة الاقتراب من عناصره!
خلاصة القول فإنّ هذه المنطقة ستبقى ساحة صراع مستمرّ بين واشطن وطهران من جهة، و(داعش) والقوى العسكريّة والمليشياويّة والعشائريّة من جهة أخرى.
مَنْ يريد ضبط الحدود العراقيّة السوريّة عليه أن يمسك الأراضي الصحراويّة وهذا الأمر غير ممكن بسبب عمق الصحراء المترامي والمرتبط مع سوريا من الحدود العراقيّة حتّى ريف حمص الشرقيّ من جهة، ومع العديد من المدن العراقيّة ومن بينها الموصل وصلاح الدين من جهة أخرى، وهذه الصحراء تمثّل 23% من مساحة العراق الكلّيّة، وأكثر من 60 ألف كيلو متر مربع من مساحة سوريا.
ومن عوامل عدم قدرة السيطرة على تلك الصحراء ضعف القدرات الفنيّة والمادّيّة للقوّات العراقيّة، وعجزها عن اقتحام الصحراء، وكذلك معرفة مقاتلي (داعش) لتضاريس تلك المناطق، وبالذات تلك الوعرة منها بشكل كبير، ووجود الألغام الأرضيّة الصادّة للتحرّكات العسكريّة في العديد من مناطق الصحراء!
وزبدة الكلام فإنّ مَنْ يُسيطر على الصحراء العراقيّة والبادية السوريّة سيضبط الحدود، وإلا فلن تفلح كلّ المحاولات دون تصفية تلك المناطق، وستبقى مجرّد عمليّات عسكريّة عبثيّة!
المصدر: موقع تلفزيون سوريا