جلال سليمان
بين طرقات وعرة، وركام منازل مهدمة، وعلى أنقاض ما تبقى من هياكل لمدن وأحياء، يسير طلاب ريف حمص الخاضع لسيطرة نظام الأسد، كل صباح، إما إلى مدارس شبه مدمرة من القصف أو منازل تعود لمهجرين حوّلها من تبقى من السكان إلى مدارس بهدف تعليم أطفالهم.
حرمت ظروف الصراع طلاب ريف حمص ارتياد المدارس الطبيعية، التي تحولت إلى أهداف مشروعة لطيران النظام في أوقات سابقة فخرج القسم الأكبر منها عن الخدمة، فما كان من إقبال على المدارس ولهفة الأهالي على تعليم أطفالهم، قبل الثورة، تبدد اليوم وتراجع، وانتهى في بعض المناطق، بعدما حول النظام سكان المناطق الخاضعة لسيطرته إلى عبيد لقوت يومهم فقط، ولا يفكرون بغيره، ما جعل من مستويات الإقبال على التعليم لأبنائهم في حدودها الدنيا، وجعل من مخرجات العملية التعليمية دون المستوى المطلوب.
إهمال متعمد
لا يمكن للعملية التعليمية أن تسير دون تأمين مستلزماتها الأساسية، من مدارس تحتوي على بنى تحتية كاملة، من أبواب ونوافذ ومقاعد ووسائل تدفئة في فصل الشتاء وغيرها، إضافة إلى توفير الكادر التدريسي والإداري الكافي، ونسخ الكتب.
حيث يعاني القطاع التعليمي بريف حمص كغيره من القطاعات الحيوية من إهمال شديد من قبل سلطات الأسد، ويصف السكان المحليون هذا الإهمال بـ “المتعمد” نظرا لخروج الريف عن سيطرتها لمدة سبع سنوات كاملة، من 2012 حتى 2018.
ويفتقد الريف المدارس المجهزة التي دمّر معظمها بقصف قوات النظام في وقت سابق، بالإضافة إلى التخريب المتعمد، كما تفتقد مدارس الريف الكوادر التعليمية المختصة التي هجر معظمها من الريف باتجاه الشمال السوري أو إلى خارج سوريا، ناهيك عن عجز أو تعاجز مؤسسات النظام التعليمية عن تأمين الكتب الكافية ولوازم الدراسة من قرطاسية وغيرها لما تبقى من مدارس الريف أو ما يستخدمه السكان من أماكن لتعليم أبنائهم في الوقت الحالي، ما دفع بعدد من المدرسين لتوجيه نداءات استغاثة لمديرية التربية في محافظة حمص للقيام بدورها في تحسين العملية التعليمية.
ووجه “مصطفى والي” مدير المدرسة الثانوية في بلدة غرناطة بريف حمص، نداء عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، طالب فيها مديرية التربية في محافظة حمص بتأمين الكتب والقرطاسية والمحروقات لثانوية القرية كما طالب بتأمين كوادر تعليمية للمدرسة.
وأشار والي إلى أن المدرسة تفتقر إلى مدرس رياضيات ومدرس فيزياء ومدرس تاريخ ومدرس علوم، وإلى موجهين تربويين وغيرهم من الكوادر التعليمية، وأضاف أن مدرسة القرية تحوي 17 شعبة دراسية ما مجموعه 550 طالباً وطالبة.
بدوره، يقول الناشط الإعلامي “أحمد عروب” لموقع تلفزيون سوريا: إن “النظام لو أراد الاهتمام بالقطاع التعليمي بريف حمص لاهتم أولًا بتأمين رغيف الخبز للسكان الذين فضلوا البقاء في الريف على النزوح”.
ويؤكد عروب أن مئات الأطفال تركوا مقاعد الدراسة من أجل العمل لإعالة أسرهم. ويضيف قائلاً إن “سكان الريف يعانون أزمة حقيقية في سبيل تأمين قوت يومهم. أزمة دفعت الغالبية العظمى من السكان لعدم الاهتمام بتعليم أطفالهم مقابل الاهتمام بتأمين قوت اليوم.
من جانبه يقول “محمد زراع” في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: “أفضّل أن يتعلم أطفالي صنعة ما، لتعينهم في حياتهم مستقبلًا، أفضل من إضاعة الوقت على التعليم الذي لا يطعم الخبز في هذا الوقت”.
هجرة الكوادر ونقص الخبرات
تمتنع “أم محمد” من سكان ريف حمص، عن إرسال أولادها (ولد وفتاة) إلى المدرسة منذ ثلاثة أشهر، خوفًا عليهما من فيروس كورونا، فقررت إبقاءهما بعيدًا عن مقاعد الدراسة، لكنها لا تكتفي باعتبار فيروس كورونا والخوف على الأولاد هو السبب الرئيسي لعدم إرسالهما إلى المدرسة، بل بسبب نقص الخبرات وتراجع مستوى المعلمين أيضًا.
وتضيف أم محمد: “من كانوا يوصفون بأنهم أهم المدرسين غادروا الريف، إما إلى الشمال السوري أو إلى خارج سوريا، ما ترك مصير أطفال الريف معلقًا بيد من يرغب بالتعليم دون النظر إلى مستواه الأكاديمي أو تحصيله العلمي، فالمهم الآن لدى النظام أن تبقى أبواب المدارس مفتوحة وأن يستمر توافد الطلاب”.
بدورها قالت مدرسة في إحدى مدارس ريف حمص الشمالي لموقع تلفزيون سوريا، في أغلب الأحيان، عند عدم توفر مدرس لمادة ما أو غياب أحد المدرسين أو المدرسات وبسبب عدم وجود مدرسين احتياط، يجري دمج طلاب شعبتين في شعبة واحدة، ليصبح عدد التلاميذ ما بين 70 إلى 80 طالبًا”.
وتتابع المدرّسة: “في هذه الحالة المدرس لا يتمكن من إعطاء الدروس وإذا أعطاها فإن الطلاب لن يستوعبوا الدرس بسبب الاكتظاظ الكبير والفوضى التي تنتج عنه”، مشيرة إلى أنه في هذه الحالة نجد أغلب المدرسين لا يقدمون دروساً، ويقضي الطلاب فترة الدوام باللعب واللهو والعراك.
نقص في المدارس
يعاني القطاع التعليمي بريف حمص من واقع مأساوي، إذ يشهد تراجعاً يوماً بعد يوم، وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن عدد طلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية بالريف المحاصر يقدّر بنحو 40 ألف طالب وطالبة، ويحتاجون إلى نحو 110 مدارس، في حين أن الموجود من هذا الرقم حالياً بحدود 35 مدرسة فقط، والباقي مدمّر بشكل كلي أو جزئي.
أمام هذا الواقع، يعلّق “محمد إبراهيم” مدرس ينحدر من ريف حمص وأحد المهجّرين إلى الشمال السوري، بالقول: “إذا تتبعنا مسار التعليم خلال الثورة السورية لوجدنا أن هذا القطاع من أكبر القطاعات التي طالها الدمار والتي تنذر بدمار قادم، فعدد الطلاب المتسربين في مرحلة التعليم الأساسي، يتجاوز النصف، في بعض قرى ريف حمص الشمالي الشرقي”.
وأضاف أن النظام قام بتدمير ممنهج للبنى التحتية للتعليم عبر قيامه وبشكل مكثّف منذ العام 2012، بقصف المدارس بالطائرات والدبابات والمدافع واعتقال المعلمين أو قطع رواتبهم.
وقدّر المدرس عدد المعلمين الذين هجروا إلى الشمال السوري بنحو 40% والذين تعرضوا لإصابة قرابة 10%، والذين تسربوا إلى سوق العمل بنحو 20%، وهناك نحو 13% من المعلمين هاجروا إلى تركيا ولبنان والأردن والدول الأوروبية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا