لم تكن ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت أواسط آذار / مارس 2011، مجرد انتفاضة على حدث بعينه، كما لم تكن تظاهرة سياسية أو خدمية مرحلية، أو ردة فعل مؤقتة على ممارسة قهرية، لنظام مستبد، كما إن هذه الثورة جاءت ضمن ظرف تاريخي متصاعد، وفي سياقات ربيع عربي، متكامل ومتواصل، وضمن حالة من الفوات العربي، يشهد لها كل من عاشها. وهي في أتون هذه المسارات، حملت على كاهلها سفود الحرية والكرامة، ومنذ اليوم الأول، مشيرة إلى أن القهر والاستبداد المشرقي، الذي دأب نظام آل الأسد على ممارسته، كعسف وقتل واعتقال وكم للأفواه، على مدى عمر نظام التسلط والاستبداد، لا يمكن أن يبقى طويلًا وأن ساعة العمل قد أضحت مهيأة لانطلاقة شعبية سلمية ، فخرجت جموع الشعب السوري، من درعا إلى كل ربوع الجغرافيا السورية، التي رزحت طويلًا ومديدًا، وفي جميع مفاصلها، تحت نير الاستبداد المشرقي، المنفلت من عقاله، والذي طاول في نتائجه، كل شيء في الحياة المجتمعية السورية، حتى ألغى السياسة كلية من المجتمع السوري، وصنَّع قوىً سياسية ونخبًا سورية، على قده ومقاسه، تطيع أوامره ، وتسوِّق لسياساته القمعية، وتبرر ما يقوم به ، ثم تقبض الثمن من قوت الشعب، ومن دمائه، وحريته، حتى بات المجتمع السوري، يعيش ثقافة الخوف، في كل منحى من مناحي حياته، وأضحت السياسة بالنسبة له، لا تعني سوى الدجل للنظام المتسلط، وأن أي سياسة خارجه ، أو لا تتساوق معه هي محض اشتغال بالموت والسجن والاعتقال، ومحض عمل بالممنوع، الذي يؤدي إلى الضياع، أو التهجير، أو التدجين.
ضمن هذه الأجواء التي أوصل نظام الأسد الشعب السوري إليها ، وعبر الاستمرار بالدور الوظيفي، المستغرق فيه هذا النظام ، كان لابد من ثورة شعبية، تؤكد للعالم أجمع أن الشعب السوري لا يقبل الضيم، وهو إن صمت لفترة، فإنه لن يصمت طويلاً، انفجر وثار الشعب السوري، وهو يدرك حجم المأساة، ومستوى القهر والموت الذي يمكن أن يتعرض له جراء ذلك، وهو الذي خبِر هذا النظام المجرم ، منذ أن دمر مدينة بحجم حماة، فوق رؤوس أصحابها، وقتل عشرات الآلاف من أبنائها، وأبناء الشعب السوري، وأدخل السجن كل من سولت له نفسه الاشتغال بالسياسة. لقد خرج الشعب السوري وهو يدرك كل ذلك، لكنه لم يتوقع أبدًا ، كل هذا الخذلان الدولي والإقليمي، العربي والإسلامي، أمام ما يجري في سورية، هذا الخذلان الكبير الذي نشهد فصوله اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولكأن العالم الذي يدعي الحضارة، قد ماتت قيمه، ومبادئه في حقوق الانسان، بل في حقوق هي ما قبل ذلك بكثير، وأن يترك شعب عريق كالشعب السوري يَلقى مصيره لوحده، وتُلقى عليه كل أصناف الأسلحة المحرمة دوليًا، أو المخترعة من قبل نظام الاجرام ومن معه من إيرانيين وروس وميليشيات طائفية، ويتجاوز عدد شهدائه المليون، وعدد معتقليه ال 400 ألف معتقل، ويهجر نصفه قسريًا ، داخليًا أو خارجيًا، حتى بات إلقاء الكلور والسارين، خبرًا يوميًا، في نشرات الأخبار العالمية، دون أن يحرك ذلك أي قيمة أخلاقية، أو أي معطى عملي لوقف كل هذا العهر الممارس ضد شعب آمن، خرج بثورة سلمية، ليسقط نظامًا من أسوء أنظمة العالم استبدادًا وقهرًا. ومع ذلك ورغم كل ما حصل ويحصل في الغوطة الشرقية، أو في أي بقعة من بقاع سورية الثائرة، فإن الشعب السوري لم تنحني له هامة، ولم تتراجع له عزيمة، وهو مازال يصر على إسقاط قوى القهر والتسلط والاجرام، وكنس الاحتلال الإيراني والروسي ومن معهما، وهذا الإصرار، الذي سيُعلِّم شعوب العالم كيف تكون الثورات، لكن كل ذلك لم يعد يكفي، ومازالت أمام قوى الثورة والمعارضة السورية مهام كثيرة، خروجًا من عنق الزجاجة، ودفعًا بشعبنا السوري إلى بر الأمان، لابد من مراجعة هادئة، وعاقلة وموضوعية لكل أنساق العمل الوطني السوري، وكل المآلات التي وصلنا إليها، سواء بمعية المعارضة السياسية أو المسلحة، واليوم وقبل أي تأخير لم يعد مقبولًا الاعتماد على الخارج والخارج فقط، ولابد من إعادة رسم خارطة طريق صادقة وواعية، تؤمن بزج كل عوامل القوة في معركة الحرية، وتنحي جانبًا الشخصنة ، وتحاول ما استطاعت مواجهة التحديات، والانتصار على عوامل الضعف، دون القبول بقيادات عفا عليها الزمن وأثبت الواقع عجزها، وتعاجزها عن القيام بأي شيء خلا التنطح لتصدر المشهد السياسي، وتجوب الدنيا في رحلة ابن بطوطة، أو رحلة الشتاء والصيف بغير جدوى، وبغير حصيلة ومنتوج عملي ومادي، يمكن أن يدفع أي خطوة إلى الأمام في مسيرة ثورة الحرية والكرامة، بعد سبع سنوات ونيف من التضحيات الكبرى التي قدمها شعبنا السوري، على مذبح الحرية والكرامة. مؤمنين بأن ” الله لا مطلق ولا أزلي إلا إياه، وماعدا ذلك فنسبي وتاريخي، نحن منه حركة وعي إنساني يتقدم ونحن فيه حركة جدال”.