ضياء قدور
لم تكن المعلومات التي كشف عنها مسؤولون أميركيون لصحيفة “وول ستريت جورنال” حول حرب الناقلات التي تجري أحداثها بعيداً عن شاشات الإعلام صادمة، خاصة إذا ما قارنّا معلومات تقرير الصحيفة بتصريحات مرّت هامشية لرئيس الوزراء السوري حسين عرنوس عن تعرض 7 ناقلات نفط متجهة إلى سوريا إلى هجمات وصفها ب”الإرهابية”.
معلومات المسؤولين الأميركيين متوافقة مع التصريحات التي أفصح عنها عرنوس في 17 كانون الثاني/يناير 2021، لتؤكد أن طبيعة ونوعية الاستهدافات الإسرائيلية، التي نُفذت باستخدام ألغام بحرية وصواريخ وقذائف مدفعية فاقدة للرأس الحربي المتفجر، لم تتعمد إلحاق ضرر شديد أو إصابات كبيرة في طاقم خدمة السفن الإيرانية المستهدفة، إنما كان الهدف الرئيسي لها هو تأخير وصول الدفعات النفطية الإيرانية إلى سوريا لفترات زمنية محدودة.
تاريخ حافل من شحنات النفط
لطالما تلقى النظام السوري الشحنات النفطية من إيران خلال سنوات الثورة العشر، حيث اعتمد نظام الأسد على هذه الواردات من إيران لسد نصف احتياجاته النفطية (حوالي 70 ألف برميل يومياً).
لكن فيما ذكر تقرير “وول ستريت جورنال” أن إسرائيل استهدفت أكثر 12 ناقلة نفط إيرانية متجهة إلى سوريا منذ أواخر عام 2019، يشير تقرير نشره موقع “دويتشه فيله فارسي” المعارض في 16 نيسان/أبريل 2020، إلى أن المحمولات النفطية الإيرانية المرسلة إلى سوريا في خضم اشتداد العقوبات الأميركية ضد إيران في عام 2019، وصلت إلى ما معدله 59 ألف برميل نفط يومياً (ما يعادل 8 في المئة من إجمالي صادرات النفط الإيرانية في نفس العام).
وفي حين انخفض إجمالي النفط المحمّل من إيران إلى الأسواق الخارجية إلى 173 ألف برميل يومياً، ذهبت معظم هذه الشحنات النفطية إلى سوريا والبعض الآخر إلى الصين (82 ألف برميل يومياً)، في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020. وأضاف التقرير نقلاً عن شركة “تانكر تركرز”، أن 6 ناقلات إيرانية اتجهت إلى سوريا بإجمالي 6.8 مليون برميل من الحمولات النفطية.
في ما بعد، تراجعت أزمة محروقات جديدة ضربت سوريا في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2020، إلى حد ما بعد أن توجهت العديد من الناقلات الإيرانية التي حملت أكثر من مليوني برميل نفط وحوالي 38 ألف طن من المازوت.
لاحقاً، أدّت حاجة إيران للقطع الأجنبي بسبب العقوبات الأميركية إلى تفضليها المشترين الآسيويين على سوريا التي كانت تشتري نصف النفط الإيراني المصدر إليها بالتقسيط في العامين الماضيين، ما تسبب بزيادة يومية في طول طوابير الانتظار على محطات الوقود السورية في ظل وجود طلب يومي يعادل 4.5 مليون لتر من البنزين.
كانت الشحنات النفطية الإيرانية بمثابة مسكنات آلام وحلول مؤقتة لأزمات المحروقات السورية، التي كانت تضرب البلاد بين الفينة والأخرى، لكن المؤشرات تشير إلى اقتراب أزمة محروقات جديدة ستضرب البلدان الثلاث المعاقبة أميركياً (إيران – سوريا – فنزويلا).
طفرة زائفة
على الرغم من أن المواقع الإعلامية الإيرانية تتحدث عن حدوث طفرة غير مسبوقة في سوق تصدير البنزين الإيراني في العام الماضي بسبب استمرار أزمة الوقود في البلدين المعاقبين من قبل الولايات المتحدة (سوريا وفنزويلا)، وهذا ما تؤكد أيضاً الوقائع على الأرض، والتي تتحدث عن ارتفاع كبير في صادرات البنزين الإيراني مقابل انخفاض ملحوظ في صادرات النفط الخام، لكن معطيات عديدة تبيّن أن هذه الطفرة كانت وهمية ولها أسبابها التي لم تعد موجودة.
إذا ما نظرنا إلى الارتفاع الكبير في أسعار البنزين داخل إيران في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، حينما اشتعلت الاحتجاجات الشعبية الواسعة وقُتل المئات من المواطنين الإيرانيين، إضافة إلى انخفاض الاستهلاك المحلي في 2020 بسبب القيود التي فرضها فيروس كورونا، نجد أن هذا الازدهار أو الطفرة غير المسبوقة ما هي إلا حالة زائفة ومؤقتة تعيشها السوق الإيرانية التي كانت أحد مستوردي البنزين خلال السنوات الماضية.
لذلك، في الوقت الذي ستُرفع فيه قيود كورونا التي كانت سبباً رئيساً في انخفاض الاستهلاك الداخلي للبنزين الإيراني من 100 مليون لتر إلى 65 مليون لتر يومياً، من المؤكد أن تصل نسبة فائض البنزين الإيراني إلى الصفر دون القدرة على تصديره بسبب عودة استهلاك البنزين في إيران إلى حد القدرة الإنتاجية للمصافي الإيرانية.
ومع زيادة سنوية تصل إلى 8 في المئة في استهلاك البنزين الداخلي في إيران، وعدم قدرتها على بناء مصافٍ جديدة من المرجح أن تعود إيران إلى استيراد البنزين مرة أخرى في العامين أو الثلاثة أعوام القادمة، مما سينذر بأزمة محروقات جديدة غير مسبوقة، ليس فقط في الداخل الإيراني، وإنما في الدول التي تعتمد بشكل أساسي على صادرات المشتقات النفطية الإيرانية كسوريا وفنزويلا.
المصدر: المدن