رعد أطلي
لا بد من بعد عشر سنوات من الثورة، وما يزيد عن ثمان سنوات من عمر الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة الوقوف قليلاً وأخذ النفس، وقراءة التجربة، ولو بشكل سريع، بعيداً عن الصياح والشعبوية والتقاذف الذي يملأ الميديا الجديدة، وبالارتكاز على أساس عقلاني يعتمد الأرقام والمعلومات المستقاة من المصدر الرئيسي للائتلاف، وهو الموقع الرسمي له.
تأسس الائتلاف في الربع الأخير من عام 2012، وجاء كبديل أكثر اتساعاً، ومن المفترض أيضاً أكثر تمثيلاً لقوى المعارضة والثورة مما كان عليه الأمر في المجلس الوطني، ولم يزد عن تشكيله شهرا واحدا حتى شارك في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي ضم 120 دولة، واعترِف بالائتلاف ممثلا شرعياً للشعب السوري، وحصل على مقعد سوريا في الجامعة العربية، وبات له ممثليات في أكثر من90 دولة وصلت إحداها لتكون السفارة الرسمية لسوريا، وهي السفارة السورية في قطر.
كان للائتلاف إنجازات لا يمكن التغاضي عنها، أولها توحيد المناهج التعليمية والعمل على إطلاق المسيرة التعليمية ودعمها، وأيضاً في مراحله الأولى دعم تشكيل المجالس المحلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، كما لعب دوراً في مجال الدعم الإغاثي والإنساني، واستطاع أن يبدأ عملية تفاوضية سياسية في جنيف جعلته نداً مفاوضاً للنظام معترف به دوليا، مما جعل للدولة السورية رأسين يتنافسان عليها.
اليوم وبعد كل الأحداث التي مرت بها الثورة السورية ما زال الائتلاف حتى الساعة الممثل الشرعي للمعارضة والثورة، ولهذا الكيان مبادئه الأساسية التي ينشرها على موقعه الرسمي ضمن مبوبة الرؤية السياسية له، والتي تقول ببناء الدولة المدنية التعددية الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة، فما مدى تطابق رؤيته مع سياساته وسلوكيات أعضائه؟
أزمة التمثيل وفوضاه
إن المواطنة تعني في صلبها المساواة بين جميع أفراد الدولة دون النظر أو الاعتماد على أي تمييز بينهم على أي أساس طبيعي مثل الطائفة أو الدين أو العرقية أو الجنس. إلخ، ورغم أن دستور العراق يصر على المواطنة مبدأ في الدولة، وكذلك دستور لبنان، فإن الانقسام الطائفي المستعر هناك يتجلى بالدرجة الأولى من خلال البنى التقليدية التي تحكم العملية السياسية، والتي تنتج شكل الديمقراطية التي تحكم هذين البلدين حاليا، ويبدو أن الائتلاف الوطني نفسه يسعى لنمط مشابه لهذه الديمقراطية، فالائتلاف في بنده الثاني من مبادئه يرى أن على الدولة الاعتراف الرسمي بالمكونات السورية وضمان حرية ممارستها للغتها وتقاليدها، بمعنى أكثر تجريداً الاعتراف بالحقوق الثقافية، ولا يوجد بند يعترف بحقوق سياسية لتلك المكونات، وهذا أمر طبيعي، لأن في دولة المواطنة الحقوق السياسية واحدة، لأنها حقوق خاصة بالفرد على اعتباره مواطناً يحوز الحقوق وعليه الواجبات نفسها بالمقارنة مع أي مواطن آخر، والمواطنة بطبيعتها تتطلب الحداثة، وخاصة في مرحلة الانتقال الديمقراطي، وأكثر خصوصية في الدول التي تحتوي تنوعاً إثنيا في مجتمعها، مما يستدعي وجود بنى حديثة على أساس مهني أو سياسي أو مطلبي، وهذا لا ينفي وجود دور للمجتمع الأهلي، لكنه يصبح مهدداً للمواطنة بكليتها إن كان دوراً كبيراً، لأن البنى التقليدية والطبيعية من العشيرة والطائفة والعرق والقوم لا يمكن لها أن تطور مجتمعا سياسياً مدنياً، لأنها في الأصل قائمة على أساس ضد حداثي، وإذا ما نظرنا إلى الائتلاف الوطني، نجد أن عدد أعضائه المنتمين إلى بنى تقليدية على أساس الانتماء الديني أو القومي أو العرقي يشكلون ما يقارب 43٪ من أعضاء الائتلاف (تم احتساب ممثلي الفصائل ضمن البنى التقليدية لأنها تتبنى شعارات دينية وتتألف من مكون واحد من المجتمع السوري)، بينما تشكل القوى التي من المفترض أن تكون مدنية 57٪، ولكن حتى تلك القوى المدنية في قسم كبير منها تحمل أسماء ذات طابع وطني أو لا يحمل دلالة لانتماء طبيعي ما، مثل تيار المستقبل أو حركة العمل الوطني، إلا أنها فعلياً بنى أهلية أيضا بلبوس حداثي، كما أن فروق التمثيل واضحة، فإن عدد مَن يمثلون المجالس المحلية في الائتلاف الوطني 7 أعضاء مقابل 11 عضواً يمثلون الفصائل العسكرية، ولجماعة الإخوان المسلمين باسمها الصريح ثلاثة أعضاء، في حين للتجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولة، الذي من المفترض أنه يمثل الموظفين المنشقين عن النظام على مختلف انتماءاتهم، والذي يعتبر بنية مدنية حديثة، ممثل واحد فقط.
بعيداً عن غلبة البنى التقليدية وما تشكله من خطر على أي مشروع وطني يسعى لبناء دولة المواطنة، فإن مكونات الائتلاف عموماً لا تمثل بشكل حقيقي القوى التي من المفترض أن تمثلها، فتكتل الحراك الثوري الذي يحوي تسعة أعضاء، ومنهم رئيس الائتلاف نفسه، يكاد يكون ممثلوه هم أنفسهم منذ انطلاقة الثورة، رغم أن أشكال الحراك الثوري والجغرافية وحتى الشخوص والكتل التي نشأت خلال السنوات الأخيرة قد تغيرت بشكل جذري، وخاصة بعد عمليات التهجير، ولذا فإن ممثلي الحراك الثوري يمثلون حراكاً ثورياً آخر غير الذي يجري الآن سواء في سوريا، أو خارجها، بل إن معظم الحراك الثوري الحالي يرفع لافتات بشكل يكاد يكون يوميا، وخاصة في مناطق الثورة التي تعادي من يدعون تمثيلها.
إن القوى السياسية الممثلة في المجلس أيضا هي قوى رخوة لا وجود حقيقيا لها على الأرض، فلا توجد قوة سياسية مشاركة في الائتلاف يمكن في أفضل أحوالها أن تتكون من خمسين عضواً، بل إن هناك كتلا لا توجد إلا على صفحة الائتلاف الرسمية فحسب، مثل الكتلة الوطنية المؤسسة، ناهيك عن وجود كتل وهمية لم يعد لها أعضاء في الائتلاف مثل إعلان دمشق والتيار الشعبي. الرخاوة أيضا في مدى علاقة أعضاء الائتلاف بكتلهم، ففي عام 2015 بدأ يتشكل في مدينة غازي عنتاب التركية ما تم تسميته التجمع الوطني الحر، وكان يهدف للوقوف في وجه الائتلاف، وترشيد سياساته أو مواجهته بسبب انحرافه عن الخط الوطني، كان يحضر الاجتماعات أعضاء من الكتلة الديمقراطية وتيار مواطنة والكتلة الديمقراطية الوطنية وحزب وعد وأحزاب كردية وغيرها، إلا أن تلك القوى كان لها ممثلوها في الائتلاف الوطني، كانت هي الائتلاف الوطني، بمعنى آخر كانت عبارة عن اجتماعات لقوى الائتلاف الوطني تواجه انحرافات قوى الائتلاف الوطني!
حتى التوزيع على أساس المكونات لم يكن مطابقا لتلك المكونات على الأرض، فعلى سبيل المثال المجلس التركماني لديه ما يزيد عن 8٪ من أعضاء الائتلاف، والمجلس الوطني الكردي مع رابطة المستقلين الكرد يشكلون 13٪ من أعضاء الائتلاف، فهل تلك النسب تطابق نسب تلك المكونات في المجتمع السوري؟ وعلى أي أساس يتم توزيع المقاعد، وفي الوقت نفسه لا يوجد أي تمثيل لمكونات أخرى مثل الشركس والأرمن.
يضاف إلى ذلك أن هناك ما يقارب 5٪ من أعضاء الائتلاف مجهولون، بمعنى لا يوجد أي معلومات عنهم ولا صور ولا أسماء صريحة، ودواعي هذا الحجب أمنية، ولكن لماذا يكون هناك أعضاء غير قادرين على الظهور أو التعريف بأنفسهم لدواع أمنية من الأصل؟ يمكن أن نتفهم ذلك في بداية الثورة، ولكن في وقت يوجد فيه الملايين من السوريين الذين ينادون بالشكل الصريح بمعارضتهم للنظام يكون من عدم المنطقي وجود ممثلين للثورة والمعارضة مجهولين.
نسبة تمثيل النساء 0 ٪
إن أكثر ما يظهر التناقض الظاهر بين مبادئ الائتلاف وتجلياته التنفيذية هي نسبة النساء، حيث تشكل النساء من نسبة الأعضاء الممثلين لمكونات الائتلاف 0 ٪، لا يوجد أي تكتل في الائتلاف تمثله امرأة، والعضوات فيه جئن من قائمة المستقلين والمستقلات، وبهذه المكونات نفسها يريد الائتلاف أن يبني دولة المواطنة ويعمل على “ترقية” المرأة كما سمى الأمر في البند الثامن من مبادئه، وتشكل النساء من أعضاء الهيئة العامة عموماً أقل من 10٪، ولا بد من ذكر الطريقة التي تم تعيين المستقلات عبرها، والتي أثارت جدلاً كبيرا بين الناشطات، حيث تم اختيارهن بناء على سيرهن الذاتية، وكأنهن يقدمن للعمل في شركة أو منظمة ما، ناهيك عن أن عدد النساء في مراكز اتخاذ القرار في الائتلاف (الهيئة السياسية والرئاسة) امرأتان مقابل 22 رجلاً، مما يجعل قدرة تأثير المرأة في القرار معدومة.
قوة التصويت والهيمنة
هناك كثير من الحديث عن هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على قرار الائتلاف، ولا تناقش هذه المادة التأثير القادم من التدخل الإقليمي في الائتلاف، حيث لا يوجد أدوات واضحة للقياس، إلا أنه يمكن قياسها على مستوى المؤسسة، فرغم أن تكتل الإخوان المسلمين باسمهم الصريح ليس لديه سوى ثلاثة أعضاء في الائتلاف، إلا أن عدد الأعضاء من المستقلين أو المنتسبين لتكتلات أخرى مثل الحراك الثوري أو حركة العمل الوطني أو رابطة العلماء السوريين …إلخ الذين يرتبطون بشكل واضح عن طريق العضوية المباشرة أو عن طريق الدعم الصريح للإخوان المسلمين يقارب 40 ٪ من كتلة أصوات الائتلاف بالحد الأدنى، وذلك بناء على تصريحات هؤلاء أو مواقفهم أو قراراتهم بالتصويت، هذا دون أن يقوم الإخوان بأي تحالف، مما يجعلهم قادرين على إفشال أو إنجاح أي عمل يقوم به الائتلاف.
الشفافية المعدومة:
لأكثر من عشر سنوات لا يعرف الشعب السوري أي معلومة حقيقية موثقة عن حجم التمويل الذي وصل للائتلاف، ولا عن مخارج صرفها أو آلياته، واختلط المال العام بالخاص، فلا يمكن مثلا تحديد ما قدمته السعودية في فترة رئاسة أحمد الجربا للائتلاف من كونه منحة للمؤسسة أم الشخص، وعبر الثماني سنوات لا يوجد أي تعامل نزيه وشفاف وسط كثير من الأخبار والإشاعات عن الفساد المالي والإداري وإهدار المال العام، مثل قضية مكتب تأجير السيارات لحكومة أحمد الطعمة وغيرها، ورغم كل ذلك لا ينشر الائتلاف الوطني لليوم ميزانيته أو صرفياته، كما أن انعدام الشفافية يتخطى الجانب المالي إلى الجانب الإداري والتنظيمي، فعلى سبيل المثال لم ينشر الائتلاف على موقعه الرسمي نظامه أو لائحته الداخلية الذي تحدد آلية اتخاذ القرار فيه ونمط العلاقات الداخلية، ومستوى التداول الديمقراطي.
أعضاء متهمون بالاحتيال والدعوة للكراهية
في عام 2015 تم إصدار جوازات سفر بديلة عن التي يصدرها النظام، وكان القائم على العملية السيد محمد نذير الحكيم عضو الائتلاف وممثله في تركيا، وراح السوريون يستخرجون جوازات السفر ويستلمونها من مبنى الائتلاف في تركيا، أو إحدى المراكز المعتمدة، برسوم تبلغ 200 دولار للإصدار، أو٤٠٠ دولار للإصدار السريع، على أساس اعتراف عدة دول به، ولكن ما إن مرت فترة حتى بات هذا الجواز في حكم المزور، وفي عام 2017 تجاوز عدد الذين يواجهون قضايا تزوير بسبب هذه الجوازات في تركيا 315 شخصاً تم ترحيل 109 حالات منهم، ولم يقدم الائتلاف الوطني أي معلومات عن الجهة التي تسلمت الأموال، ولم يفتح تحقيقاً بالأمر، والشخص المتهم بالأمر ما زال عضوا مهما في الائتلاف الوطني.
في منتصف 2017 قام تنظيم داعش بمهاجمة قرية المبعوجة في ريف سلمية وبقتل 50 شخصا بينهم على الأقل 15 مدنياً، صرح حينها عضو الائتلاف الوطني سليمان الحراكي على صفحته على الفيس بوك مستهجنا إدانة الهجوم “البعض يتباكى بكل وقاحة على قرية المبعوجة النصيرية التي تم اقتحامها على يد تنظيم “داعش”، والله لو اقتحموا القرداحة وسلحب لتباكوا على هذه الأوكار، أضحى النفاق والكذب ديناً عند من يدعي المعارضة”، ورغم أن الائتلاف أصدر بياناً بفصله، لكنه أكد أن قرار الفصل لا يتم إلا بعد التصويت ونيل أكثر 50٪ من الأصوات، ويبدو أن أكثر من 50 ٪ من أعضاء الائتلاف رؤوا وما زالوا يرون أن تصريح سليمان الحراكي تصريح لا يختلف مع مبادئ الائتلاف في الدولة الديمقراطية التعددية، لذا ما زال الحراكي عضوا حتى اليوم فيه.
من الأمور التي تلفت الانتباه أنه بالنسبة للمستقلين هناك شريحتان في الائتلاف، شريحة المستقلين “العاديين”، وشريحة المستقلين “غير العاديين”، فإضافة لوجود المستقلين هناك من تم تسميتهم “شخصية وطنية” مثل أنس العبدة وهادي البحرة، ولا يسمي طبعا النظام الداخلي للائتلاف ما هي المعايير التي تجعل من المرء شخصية وطنية متمايزة عن باقي الأعضاء، وإن الصفة تستدعي بالضرورة أن تلك الشخصيات قدمت شيئاً استثنائيا يجعل منها شخصيات أكثر وطنية من غيرها، لكن لا يوجد تعليل لتلك الوطنية الفائضة.
إن ما يميز الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة خلال سنواته الثمان الماضية أنه بات فارغا من مبادئه، فارغاً من كل شيء.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا