هبة محمد
صادف أمس الذكرى السادسة على تحرير مدينة إدلب من النظام السوري، بعدما فرضت فصائل المعارضة سيطرتها على المدينة، التي مهّدت الطريق للسيطرة على المحافظة الحدودية بالكامل لاحقاً خلال فترة قصيرة.
معارك ضارية، استمرت نحو 5 أيام، في آذار 2015 خاضها «جيش الفتح» الذي كان يمثل أكبر قوة عسكرية معارضة تضم عدة فصائل من أبرزها «جبهة النصرة، فيلق الشام، أحرار الشام» من جهة وقوات النظام السوري من جهة أخرى، توجت بإنهاء وجود الأخيرة وطردها من المدينة.
وما بين عامي 2017-2018 استقبلت المحافظة، المعقل الرئيسي للمعارضة السورية، مئات آلاف المناوئين للنظام والمهجرين من المحافظات السورية كافة، وبات عدد قاطنيها يتجاوز نهاية عام 2020 حوالي 4 ملايين نسمة، نحو مليون منهم يسكن المخيمات، حسب إحصائية فريق «منسقو استجابة سوريا» بينما النظام السوري فشل خلال سنوات في اختراق أسوار إدلب.
آخر المعاقل
وكنتيجة لخروجها عن سيطرته، داوم النظام السوري على استهداف المحافظة بشتى أنواع الأسلحة، ما تسبّب في دمار المدن والقرى ونزوح أعداد كبيرة في اتجاه الحدود السورية – التركية، وتشييد نحو 1300 مخيم في محافظة إدلب، من ضمنها نحو 400 مخيم عشوائي يفتقر لأدنى المقومات.
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، تحدث عن مستقبل محافظة إدلب وما الذي تغير فيها بعد سيطرة فصائل المعارضة، وقال عاصي لـ«القدس العربي»: «كان يمكن لسيطرة فصائل المعارضة على إدلب في 2015، أن تؤدي إلى انهيار خطوط الدفاع الرئيسية في الساحل السوري معقل قوّات النظام، وهو ما استدعى آنذاك قيام إيران بطلب التدخّل العسكري الروسي، وهو ما حصل نهاية أيلول/سبتمبر من العام نفسه، ولاحقاً تحوّلت إدلب إلى واحد من آخر معاقل المعارضة السورية، بعدما حصرت روسيا وإيران عمليات التهجير القسري للمقاتلين وأسرهم ومن يرغب من المدنيين فيها».
وأضاف، لم تستطع فصائل المعارضة السورية في الواقع الحفاظ على مواقعها العسكرية أو الاستفادة من الأهمية الحيوية لمحافظة إدلب، إذ سرعان ما تفكك جيش الفتح في نهاية عام 2015، وأخفقت جميع المحاولات اللاحقة لترميمه أو إيجاد بديل له، مما أضعف القدرة على مواجهة الحملة العسكرية بشكل فعّال على مدينة حلب في عام 2016.
و»منذ سقوط مدينة حلب باتت مدينة إدلب ومحيطها واحدة -ومن ثم آخر- منطقة خفض تصعيد في سوريا. وقد أخّر ومن ثم حال تدخّل تركيا من استعادة النظام السوري بدعم من حلفائه السيطرة على المدينة بين عامي 2018 و2020 بعدما شنّ أكثر من 5 حملات عسكرية واسعة النطاق».
النظام بين التقدم والتراجع
بعد 6 سنوات من التحرير يقول عاصي، إن هامش استقلال قرار فصائل المعارضة وحتى جبهة النصرة التي أصبحت هيئة تحرير الشام لاحقاً، تضاءل، وبات أكثر ارتباطاً بالتفاهمات الدولية التي أصبح مستقبل إدلب يرتبط بها أكثر من أي عوامل أخرى محلية، وأضاف «ومع أنّ مستقبل إدلب أصبح مرهوناً بالدرجة الأولى بحفاظ روسيا وتركيا على نظام وقف إطلاق النار، الذي بمجرّد انهياره قد تعيد العمليات العسكرية رسم خارطة السيطرة من جديد لصالح أحد الطرفين، لكن ما تزال لدى فصائل المعارضة فرصة لتحويل هذه المنطقة إلى منطقة آمنة تؤسس لتهدئة مستدامة، وهذا يحتاج إلى مزيد من التنسيق فيما بينها عسكرياً وسياسياً وكذلك مع تركيا».
لا يخفى طموح النظام السوري في إعادة السيطرة على إدلب، وتنشيط الحركة التجارية بين الساحل وإدلب وحلب، وإضعاف الموقف التفاوضي للمعارضة السورية عبر زيادة المكتسبات الميدانية وتوظيفها في التفاوض السياسي، بالتوازي مع رغبته في السيطرة على الحدود ممّا يعني احتكاره للإدارة الأمنية والفوائد الاقتصادية للحدود.
وفي هذا الإطار يتحدث الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي عن غايات النظام وطموحه، الذي يواجَه الآن، برأي المتحدث، بأكثر من 45 نقطة عسكريّة تركية تمتد على طول جنوبي جبل الزاوية، مما يمنعه من البدء بهذه الخطة عسكريًّا، إضافة إلى أن النظام نفسه مرتبط بالتوجّه الروسي من ناحية وبفقدانه للتمويل اللازم من ناحية أخرى، ومن هنا فإن التوجه الروسي يميل لتخفيف التوتر مع الأتراك ودعم استمرار مسار أستانة، إلى جانب قيام الجانب الروسي بمعارك البادية ضد تنظيم الدولة وما استلزمه من نقل العديد من الكتل العسكرية من إدلب إلى بادية حمص بالإضافة إلى ترقب الجميع لمعرفة الدور الذي تنوي الإدارة الأمريكية الجديدة لعبه في إدلب وبالتالي فإنها لن تدعم حملة عسكرية كبيرة على المنطقة، وربما تقبل باتباع منهجية الاختراق والعمليات الأمنية السريعة من خلال افتعال تفجيرات واغتيالات وزرع خلايا أمنية صغيرة.
سيناريوهات مستقبلية
ينحو المشهد الميداني العام في إدلب في اتجاه احد السيناريوهين، الأول وفق عرابي، استمرار العمل العسكري الواسع: وذلك بهدف استعادة النظام السيطرة على المنطقة الواقعة جنوب الـ M4، والتي شهدت ومنذ توقيع الاتفاق التركي والروسي الأخير المتعلق بنشر الدوريات المشتركة على طريق ال M4 عدة غارات من قبل الطيران الروسي ومدفعية النظام ومحاولات تسلل برية من قبل النظام والميليشيات الإيرانية في اتجاه منطقة جنوب الأوتوستراد الواصل بين محافظتي حلب واللاذقية، إضافة إلى إصرار موسكو على اعتبار إدلب «بؤرة ساخنة» وهو مصطلح تردد كثيراً في الأشهر الماضية على لسان المسؤولين الروس، والذين يؤكدون على ضرورة إبعاد فصائل المعارضة من طرفي الأوتوستراد الدولي، تمهيداً لفتحه أمام المدنيين وحركة القوافل التجارية.
وفي حال نجاح هذه المحاولات يكون الأوتوستراد أصبح تحت سيطرة النظام وروسيا بشكل كامل، وهذا يعني أيضا أنه لم يعد ضرورياً وجود الدوريات المشتركة بين الأتراك والروس مع انسحاب فصائل المعارضة إلى شمال الأوتوستراد بالإضافة إلى تمكن قوات النظام من فرض رصد ناري على ما تبقى من مواقع المعارضة في إدلب.
تثبيت واقع السيطرة
الخيار الثاني، تثبيت واقع السيطرة، بمعنى إيقاف العمل العسكري، حيث إن سمة التجميد هي سمة المشهد الميداني وتثبيت الوضع على ما هو عليه وهو السيناريو الأكثر توقعاً وأن تبقى نقاط السيطرة على ما هي عليها خلال هذه الفترة وإعطاء الفرصة في اتجاه أكبر للتفاهمات السياسية بين الأتراك والروس وهذا ما بدا من خلال اتفاق أستانة 15 الذي أكد على التهدئة في منطقة إدلب.
وفي رأي المتحدث، فإن المشهد الميداني في إدلب، يتجه خلال عام 2021 نحو التجميد أو القضم الجزئي ورغم دلالة مؤشرات التجميد إلا أن هذا لا يلغي أهمية صمود تلك المناطق وما يتطلّبه من تدعيم مؤشرات الاستقرار الأمني والهندسة العسكرية المصممة بغرف عمليات مركزية.
المصدر: «القدس العربي»