أرغون أبادوراي ترجمة: علاء الدين أبو زينة
مقدمة المترجم:
الاستعمار ممارسة أساسية ومستمرة في الخبرة البشرية. ومن الطبيعي أن يكون موضوعاً دائم الحضور في الأدبيات والدراسات التي تحاول تحقيق فهم نظري أفضل للعالَم، وتوظيف هذا الفهم في صياغة الاستراتيجيات والمخططات التي تخدم أفضل مصالح الأمم أيضاً. وهو موضوع يخصنا -نحن العرب- مع الآخرين، بوصف بلداننا مستعمرات سابقة للمركز الإمبريالي الأوروبي، والتي ما تزال متأثرة بشدة بتداعيات الاستعمار.
مع ذلك، لسنا منتجين مميزين للمعرفة في حقل دراسات الاستعمار وما بعد الاستعمار، والآن ما بعد ما بعد الاستعمار، وما نزال مستهلكين غير راغبين للمعرفة التي ينتجها المركز الاستعماري نفسه. ومع أن هناك عرباً مهمين أسهموا بقوة في صياغة نظرية الاستعمار وما بعده، على رأسهم إدوارد سعيد، فإنهم أنتجوا بلغة المركز، مستفيدين من مناخاته المعرفية وحُسب إنتاجهم له. وفي المقابل، يبدو أن القصور في دراسات هذا الحقل في المنطقة العربية يتأثر بنوع من العقم المعرفي العام، إضافة إلى الاستجابة الرسمية لضغط المركز الذي لا يسمح بنشوء حركات عربية تستكشف طرقاً لفك الارتباط معه من موقع التبعية والاعتمادية المادية والمعرفية -أو تصحيح ترتيبات هذا الارتباط.
لذلك، يطرح التعامل مع الأدبيات الغربية في هذه الحقول مشكلة مفاهيمية حين يتعلق الأمر بترجمتها إلى اللغة العربية. ويعرف ذلك جيداً الذين اشتبكوا مع ترجمة دراسات الكولنيالية وما بعد الكولنيالية، حيث تعرض الاشتقاقات اللغوية في لغات المركز فروقات دقيقة في المعنى يصعب نقلها بدلالاتها الدقيقة بمقابلات عربية من كلمة واحدة أو اثنتين.
وبذلك يدفع توخي درجة من معقولة من الدقة في ترجمة هذه النصوص إلى الاستعانة بالشروح والحواشي المطولة نسبياً للتعريف بالمفهوم -أو المغامرة باقتراح مقابل اصطلاحي عربي، والأمل في أن يصلح لدخول منطقة التداول بالتدريج. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، تقترح القواميس العربية معنى عربياً واحداً لكلمات colonizing، colonization، وcolonialism: استعمار. والحال أصعب مع المشتقات مثل decolonization، decolonizing، docolonialism: إنهاء الاستعمار؟ التخلص من الاستعمار؟ التحلل من الاستعمار؟ تفكيك الاستعمار؟ الاستعمار كمفهوم أم كعملية؟
في المراجعة لكتابين عن إنهاء الاستعمار، أدناه، يظهر مفهوم يكاد يكون غير متداول في الأدبيات العربية، وربما الترجمات أيضاً: decoloniality -أو الأدق، لم أعثر على تداول له في ما تسنى لي من المصادر العربية. وتعرفّ موسوعة “ويكيبيديا” هذا المصطلح بأنه “مدرسة فكرية تتبناها بشكل أساسي حركة ناشئة في أميركا اللاتينية، تركز على فك التشابك في إنتاج المعرفة المحلية مع المعرفة الأوروبية المركزية في المقام الأول. وهي تنتقد بشكل أساسي الشمولية المتصورة للمعرفة الغربية وتفوق الثقافة الغربية. وترى وجهات النظر (الديكولونية) هذه الهيمنة على أنها أساس الإمبريالية الغربية”.
وتشرح الموسوعة: “على الرغم من أن الاستعمار الرسمي الصريح انتهى بإنهاء استعمار الأمريكيتين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكذلك في جزء كبير من جنوب الكرة الأرضية في أواخر القرن العشرين، إلا أن خلفاء الاستعمار، والإمبريالية الغربية، والعولمة يديمون هذه التفاوتات. وقد أنتجت مصفوفة القوة الاستعمارية تمييزًا اجتماعيًا في النهاية، تم تصنيفه على أنه عنصري أو إثني أو أنثروبولوجي أو قومي، وفقًا لسياقات تاريخية واجتماعية وجغرافية محددة. وبرزت (الديكولونية) عندما وُضعت مصفوفة القوة الاستعمارية خلال القرن السادس عشر. وهي في الواقع مواجهة مستمرة وسعي إلى فك الارتباط مع المركزية الأوروبية”.
وتحذر الموسوعة: “غالبًا ما يتم الخلط بين (الديكولونية) Decoloniality، و”ما بعد الاستعمار/الكولنيالية” postcolonialism، و”إنهاء الاستعمار/الكولنيالية” decolonization، و”ما بعد الحداثة” postmodernism. ومع ذلك، فإن منظري (الديوكولونية) يرسمون فروقًا واضحة. فعادة ما يتم تعميم “ما بعد الكولونيالية” في ممارسات معارضة عامة ينتهجها “الملوَّنون” أو “مثقفو ‘العالم الثالث’” أو المجموعات العرقية. ولكن، يقال إن (الديكولونية) -كنهج تحليلي وبرمجي- تذهب “بعيداً عن -وإلى ما وراء- “ما بعد الكولونيالي”، لأن “نقد ونظرية ما بعد الكولنيالية هما مشروع تحويل فكري داخل الأكاديمية”.
بطبيعة الحال، ليست هناك نسخة عربية لهذا المحتوى في موسوعة “ويكيبيديا”. ولذلك، ستعاني ترجمته من الإنجليزية/ أو أي من لغات المركز، من المعضلات المفاهيمية نفسها. وهناك في الحقيقة مجموعة كبيرة من المواد المنتجة بلغات المركز -أو مستعمراته السابقة- التي تبحث باستفاضة في نظرية “الديكولونية” وتطبيقاتها، والتي يغلب أنها ليست متاحة بالعربية لدراسات الاستعمار وما بعده في العربية -إذا كان مثل هذا الحقل موجوداً في شكل يمكن تمييزه من الأساس. ولذلك، ربما تكون هناك رخصة، مؤقتاً على الأقل، باستخدام كلمة “ديكولونية” لتجنب تكرار التعريفات الطويلة للمفهوم، أسوة باستخدام بتطبيع مصطلحات “الكولونيالية”
و”ما-بعد-الكولنيالية” في العربية.
يشار إلى أن أميركا اللاتينية، حيث نشأت “الديكولونية” مرتبطة بالمركز بلغة إنتاج المعرفة نفسها، حيث حلت اللغة الإسبانية -والبرتغالية بدرجة أقل- محل اللغات المحلية تماماً تقريباً. وكذلك فعلت الفرنسية في كثير من دول أفريقيا. وبذلك، نمتاز نحن العرب -كسكان مستعمرات سابقة- بأننا قاومنا التحولات الجوهرية التي يحاول أن يُحدِثها الاستعمار. لكننا مع ذلك نتشارك مع بقية المستعمرات استمرار التبعية للمركز سياسياً ومعرفياً. وسوف ينطوي أي تحرك لتحرير العقل والموارد والمعرفة على مواجهة أولاً مع القوى المحلية الراسخة التي تديمها التبعية للمركز في المقام الأول، والمقاومة بنيوياً للمعرفة. لكن ذلك لا يقرر التخلي عن المسعى الضروري إلى تغيير موقعنا من المركز ونوابه، ابتداء من الدراسة والنظرية، فالأدوات.
* * *
ما وراء الهيمنة: مستقبل وماضي “الديكولونية”
أرغون أبادوراي
ثمة تقليد راسخ للكتابة العلمية، يتعامل مع المناطق الجغرافية للعالم كخلفيات طبيعية قَبْلية التكوين، والتي تشكل خلفية تتكشف عليها الأحداث التاريخية. وما يزال هذا المنظور، المتجذر في عمل مفكري “عصر التنوير” مثل مونتسكيو Montesquieu، حياً في عمل المنظرين السياسيين المحافظين المعاصرين، مثل صموئيل هنتنغتون Samuel Huntington، الذي بُنيت الحضارات -وفق رؤيته- على تكتلات جغرافية عِرقية دائمة، وكذلك في عمل المفكرين الماركسيين مثل إيمانويل والرشتاين Immanuel Wallerstein، الذي كان المركز والأطراف بالنسبة له نتاجات لاختلالات جغرافية طويلة الأمد.
ويمكن أن تكون لهذا النهج استخداماته في بعض الأحيان، لكنه قد يستفيد أيضًا من فهم للعالم يتعقب تكوين المناطق بطريقة معاكسة: بدلاً من النظر إلى هذه المناطق الجغرافية على أنها حقائق مادية مقدّرة مسبقاً، فإننا ننظر إليها على أنها النتائج العرضية لعمل الفاعلين البشريين، والحركات والمشاريع البشرية. قد تكون الأرض والمياه موجودة قبل تاريخ البشرية، لكن المناطق والحضارات هي نتاج عمل بشري. وبهذا المعنى، يكون التاريخ هو الذي يُنتج الجغرافيا، وليس العكس.
ثمة كتابان جديدان -“عن الديكولنيالية” On Decoloniality، من تأليف والتر دي مينولو Walter D. Mignolo، وكاثرين إي والش Catherine E. Walsh؛ و”خارج الليل المظلم” Out of the Dark Night، تأليف أخيل مبيمبي Achille Mbembe- واللذان يساعدان على تذكيرنا بالتاريخ الكامن وراء مناطقنا الجغرافية، ويحيلان تاريخ المناطق والقارات إلى سياق الكولنيالية والإمبريالية. وحتى يفعلا، ينظر كلا الكتابين في المسارات المختلفة التي خرجت من إنهاء الاستعمار، فقط ليجدا أنه لا نوع الدولة القومية التي نشأت عن إنهاء الاستعمار ولا النسخة الأخيرة من الرأسمالية المعولمة التي أصبحت تحدد هذه الدول القومية قد حققت حقًا الوعود التحريرية التي انطوى عليها إنهاء الاستعمار. ولعل الجزء الأقوى في كلا الكتابين هو أنهما تأسسا في المناطق التي خرجا منها -أميركا اللاتينية وأفريقيا، على التوالي- وإدراكهما المشترك لحقيقة أن أثقل ثمن فرضه المستعمرون على المستعمَرين في الأعوام الخمسمائة الماضية لم يكن يُحسب بعملة العمل واستخراج الموارد ونهبها، وإنما في منطقة المعرفة، حيث صُنف الأتباع الكولنياليون على أنهم “الآخر” في منطق الإمبراطورية الأوروبية.
لكن المؤلفين يقدمون لنا أيضًا أطروحات مختلفة جدًا حول اشتباك أوروبا مع المستعمرات. يرى مينولو ووالش تعارضاً جذرياً، بل هوة في الواقع، بين الفكر الاستعماري والأفكار الأوروبية عن الحداثة والتقدم والحرية، ويتخذان حركات السكان الأصليين في أميركا اللاتينية لتكون نموذجاً للمكان الذي يمكن فيه العثور على الحرية. ومن ناحية أخرى، يقدم مبيمبي صورة أكثر جدلية وعلائقية للعلاقات بين المستعمِر والمستعمَر. ويرى مستقبل إفريقيا، والعالم الذي تُجلِّه أفريقيا وتجسده، على أنه كامن في جهد متجدد -ومشترك- تبذله أوروبا ومستعمراتها السابقة لخلق رؤية أكثر شمولية واستدامة وإنصافًا للعقل والإنسانية من تلك التي جرى تطبيعها عالمياً في القرون الخمسة الماضية.
“عن الديكولونية” هو عمل تعاوني، يطرح فيه المؤلفان مجموعة مترابطة ومتعالقة من الحجج في أحد نصفي الكتاب الذي كتبَت والش نصفه الأول والثاني كتبه مينولو. وهدفهما المشترك هو إقامة القضية لـ”الديكولونية”؛ القائلة إن شكلًا مختلفًا من إنهاء الاستعمار decolonization أو مناهضة الاستعمارية anti-colonialism كان -وما يزال ممكنًا- في الجنوب العالمي -واحداً لا يرتكز على الأشكال الغربية للمعرفة، وإنما يستند بدلاً من ذلك إلى الأنماط المعرفية للسكان الأصليين والمطالبات الأصلية.
في تأسيس هذه الحجة لسياسة الديكولونية، يعترف والش ومينولو بأنهما مدينان بشكل خاص لعالم الاجتماع البيروفي أنيبال كويجانو Aníbal Quijano، الذي يستخدمان فكرته عن إنهاء الاستعمار لتطوير الهدف المركزي لنقدهما، ما يسميانه “مصفوفة القوة الاستعمارية”. وبالنسبة لهما، أثبتت الكولنيالية والإمبريالية في أميركا الجنوبية والوسطى كونهما أسلوباً فريداً للهيمنة، يعتمد في المقام الأول على التهميش والتبعية والقضاء -ليس على السكان الأصليين فقط، وإنما أيضًا على نظريات المعرفة والثقافات الأصلية. وكان هدف استبدال -ليس السكان الأصليين فحسب، وإنما أيضًا طرقهم في معرفة العالم- في المركز من عمل الغزو الأوروبي في “العالم الجديد”؛ حيث تم، تدريجياً، استبدال تقاليد المستعمَرين المحلية في إعادة إنتاج النظم الطبيعية ووضع البشر في كوزمولوجيا أكبر، بالأفكار الغربية عن الطبيعة والثقافة والتقدم، التي يُنظر إليها جميعها على أنها احتكارات مسيحية وأوروبية وبيضاء. مصفوفة المعرفة هذه هي التي يجادل والش ومينولو بأنها بقيت، حتى عندما غادر المستعمِرون، وهي ما يجادلان أيضًا بأن إنهاءً تحررياً أكثر اكتمالاً للاستعمار هو الذي ينبغي أن يحل محلها.
والش أميركية شمالية، لكنها أمضت سنوات عديدة في تعليم وتنظيم الشبكات السياسية في أميركا اللاتينية، وترى نفسها ناشطة أكثر منها أكاديمية. وفي الفصول التي كتبتها، تدافع عن الممارسة السياسية العملية باعتبارها الموقع النقدي للنظرية، مقترحة أن أي نظرية نقدية جادة هي شكل من أشكال الممارسة، ولذلك يجب أن تنشأ من حركات سياسية ملموسة ضد مصفوفة القوة الاستعمارية. وكان مصدر إلهامها سلسلة من الحركات الشعبية في بيرو، وبوليفيا، وكولومبيا والبرازيل وأماكن أخرى في أميركا اللاتينية، والتي سعت إلى الجمع بين الفكر النسوي والبيئي والمناهض للرأسمالية لمحاربة طرق المعرفة التي أصبحت سائدة في سياق الغزو الأوروبي للأميركيتين. ولوصف وتشخيص هذا النوع من المقاومة للنظام المعرفي الأوروبي، تستخدم والش مصطلحي “الانعتاق” marronage و”مقاومة نظام العبودية” cimarronaje، ويشير كلا المصطلحين إلى هروب السكان المستعبدين من الأسياد وانعتاقهم في منطقة الكاريبي وأماكن أخرى في أميركا اللاتينية. وتستوحي والش أسلوبها في الكتابة، وأمثلتها ونماذجها، ونهجها في المقاومة، بشكل خاص من الناشطين السود والنسويات في بلدان الأنديز والحركات السياسية للسكان الأصليين في جميع أنحاء أميركا اللاتينية. ونقطة التقائها الرئيسية مع مينولو هي رحلتهما المشتركة على مدى ثلاثة عقود، منطلقَين من نهج نظري للحداثة الكولنيالية إلى تطابق جذري مع حركات السكان الأصليين التي سعت إلى تجاوز الطرق الغربية لفهم الطبيعة، والعرق، والتقدم.
أما مينولو، فأرجنتيني عاش ودرَّس في الولايات المتحدة لعدة عقود. ويرتكز الجزء الذي ألفه من الكتاب على”العلائقية” relationality، وهي طريقة في التفكير تعارض الثنائيات المتعارضة من نوع الطبيعة والثقافة، الرجل والمرأة، العلم والدين، والحضارة والهمجية. وإنهاء الاستعمار، في أطروحته، هو رد فعل محدد ومَعيب على الهيمنة الأوروبية، خاصة في الدول الجديدة لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي تخلصت من أغلال الحكم السياسي الاستعماري، لكنها فشلت، كما يقول، في “إنهاء استعمار عقولها”، باستخدام عبارة نغوغي وا ثيونغو (1)، ووقعت بدلاً من ذلك في الفخاخ المعرفية الأوروبية للتحديث والتطوير. في أعمال مينولو السابقة، كان الاستعمار مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بما يعتبره سرداً غربياً للحداثة. وكان الوكلاء الرئيسيون لهذه القصة، وللاستعمار والإمبراطوريات، الذين روجوا لها هم هؤلاء الأوروبيون، وخاصة في الأمريكيتين، الذين فرضوا نسخهم الخاصة المغرقة في المحلية على المجتمعات التي لديها وجهات نظر مختلفة جدًا تجاه هذه الأشياء. كانت حكاية الحداثة هي القوس الموحد لهذه العالمية العدوانية، وكانت أطروحة مينولو الرئيسية هي أن أي مجموعة من الحجج الماركسية التي تركز بشكل أساسي على الرأسمالية والطبقة والاستغلال المادي تغفل أشكال القوة التي جاءت من خلال هذه الهيمنة الثقافية والمعرفية. ولمقاومتها واستبدالها بنظرة معرفية أخرى للعالم، توصي والش ومينولو بإنهاء الاستعمارية، بنظرة تتبنى أنماط تفكير السكان الأصليين وترفض تلك التعبيرات الغربية عن الحداثة التي فُرضت على الكثير من العالم من خلال الاستعمار والإمبراطورية.
يتلزم كل من والش ومينولو بشدة بالفرق بين “الديكولونية” decoloniality وإنهاء الكولنيالية/الاستعمار decolonization. بالنسبة لهما، ليست “الديكولونية” خليفة للاستعمار والاستعمارية، كما أثبتت الدول القومية التي ظهرت من المستعمرات الغربية في أميركا اللاتينية. إنها تعرض، بدلاً من ذلك، إنهاء “الديكولونية” كبديل متجذر في فكر السكان الأصليين وممارساتهم حول الطبيعة والمجتمع والتضامن. وبهذه الطريقة، فإن الديكولونية، على عكس إنهاء الاستعمار، تفلت من الفخين التوأمين لقومية الدولة والشركات المعولمة. بالنسبة لكل من والش ومينولو، تنبع فكرتهما عن الديكولونية من رؤيتهما لتاريخ أميركا اللاتينية، ولكنها أيضًا بمثابة نموذج لبقية العالم -نموذج للسياسة يسعى إلى استبدال استغلال الطبيعة بالانسجام مع الطبيعة، واستبدال الترتيب الهرمي للبشر بالعيش المشترك والمتساوي. وهذه الرؤية مغرية، ومن الصعب الاختلاف مع مفاهيم الانسجام والعيش المشترك، لكنها تستند أيضًا إلى إحداث نقض للأثر التاريخي للرأسمالية والاستعمار. إنها تسعى إلى إعادتنا إلى فترة سابقة من رونق ما قبل الاستعمار، حيث يكون ما نحتاج إلى تخيله، كما يجادل مبيمبي، هو مستقبل بديل.
*Arjun Appadurai: (مواليد 1949) عالم أنثروبولوجيا هندي-أميركي معروف كمنظر رئيسي في دراسات العولمة. يناقش في عمله الأنثروبولوجي أهمية حداثة الدول القومية والعولمة. وهو أستاذ الأنثروبولوجيا ولغات وحضارات جنوب آسيا سابقًا بجامعة شيكاغو، وعميد العلوم الإنسانية بجامعة شيكاغو، ومدير مركز المدينة والعولمة في جامعة ييل، وأستاذ دراسات التعليم والتنمية البشرية في كلية ستينهاردت للثقافة بجامعة نيويورك. من أهم أعماله “العبادة والصراع تحت الحكم الاستعماري” (1981)؛ “الانفصال والاختلاف في الاقتصاد الثقافي العالمي” (1990)؛ و”الخوف من الأعداد الصغيرة” (2006). انتخب زميلاً للأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم في العام 1997.
*نشرت هذه المراجعة تحت عنوان: Beyond Domination: The future and past of decolonization.
هامش:
- نغوغي وا ثيونغو، بلغة الكيكويو Ngũgĩ wa Thiong’o أو جيمس نغوغي: كاتب كيني، كان يكتب بالإنجليزية ثم اتجه إلى الكتابة بلغته القومية (الكيكويو). كتب الرواية والمسرحية والقصة القصيرة والمقالات الأدبية والاجتماعية، وفي أدب الطفل. هاجر إلى الولايات المتحدة بعد تعرضه للسجن في بلاده لأكثر من عام، حيث درَّس في جامعة ييل بضع سنين، ثم عمل أستاذًا للأدب المقارن ودراسات الأداء في جامعة نيويورك، وأستاذًا بجامعة كاليفورنيا في إرفاين، ومديرًا للمركز الدولي للكتابة والترجمة بالجامعة.
المصدر: الغد الأردنية/(ذا نيشن)