أكدت أحداث النصف الثاني من شهر رمضان المبارك جملة حقائق كاد بعضها أن يغيب عن أذهان البعض منا تحت ضغط الإعلام الكثيف الموجه إلى صلب قضايانا الوطنية والقومية وفي مقدمتها قضية فلسطين المركزية.
١ – سقوط وتعرية كل دعوات الواقعية السياسية والتي كانت الغطاء التبريري لكل عمليات التطبيع مع العدو الصهيوني والتعاون المشترك في استثمارات إقتصادية أو في مواقف وأنشطة سياسية متنوعة.ها هي الطبيعة العدوانية الإجرامية لدولة العدو الإسرائيلي تؤكد نفسها مجددًا مع كل حدث وكل موقف.
فمن اقتلاع المدنيين العزل من بيوتهم دون أي مسوغ أمني أو قانوني في حي الشيخ جراح، إلى اقتحام المسجد الأقصى في غمرة تواجد المؤمنين المصلين في داخله والإعتداء عليه وعليهم ثم مصادرة مفاتيحه كافة وطرد المصلين منه بالقوة ثم بعد ذلك العدوان اليومي الإجرامي العسكري على الأحياء المدنية في غزة هاشم والتسبب باستشهاد ما يزيد عن مئة مدني أعزل بينهم عشرات الأطفال والنساء والشيوخ؛ كل هذا يعيد التأكيد على الطبيعة الإجرامية العدوانية لهذا الكيان الغاصب مهما تبدلت الظروف والمعطيات ومهما استجد من أحداث. وبالتالي فقد خاب كل من طبَّع مع هذا العدو أو بشَّر بآمال سلموية بالتطبيع والركون إلى التعاون معه.
٢ – تكشف للمرة المليون زيف ما يسمى بالديمقراطية في ” إسرائيل ” في وسط قحط من الإستبداد العربي المحيط بها. وهي الأكذوبة التي تشدق بها بعض المتهالكين المتهافتين من العرب. فما هي إلا عنصرية حاقدة ليس على العرب والمسلمين وإنما على الإنسانية بذاتها أيًا كانت صبغتها. وهي العنصرية المستمدة من العقيدة الصهيونية ذاتها والتي لا تعترف بألآخر إلا بوصفه من الأغيار ” الغوييم ” ممن يحق استباحة دمه خدمة لبني صهيون.
٣ – يمثل المسجد الأقصى ركنًا مقدسًا عند جميع المسلمين في العالم وبالتالي فإن الإعتداء عليه يمثل إعتداء شخصيًا مباشرًا على كل مسلم أينما كان. إعتداءً متعمدًا عامدًا. ألا يشمل هذا الإعتداء العرب المسلمين الذين طبعوا علاقاتهم وفتحوا استثمارات في الأرض المحتلة وراحوا يبشرون بمستقبل واعد للتطبيع الذي لجأوا إليه مع العدو الصهيوني ؟؟ فإذا لم يكن يمثل بالنسبة إليهم اعتداءً مباشرًا عليهم فهذا يعني تخليهم أيضًا عن انتمائهم الديني وهويتهم الإسلامية وعليهم والحال كذلك تحمل مسؤولية تاريخية ستبقى تلاحقهم زمنًا طويلًا.
٤ – الدعم الغربي الأميركي لكل ممارسات الكيان الصهيوني مهما كانت عدوانية وإجرامية والدفاع عنها وتبريرها بحجج واهية إنما يكشف للمرة المليون أيضًا حقيقة الإرتباط العضوي بين الولايات المتحدة الأميركية ودولة الإسرائيلي المحتل الغاصب. مما يثبت مرة جديدة استحالة الإحتكام إلى الولايات المتحدة من قبل أي طرف فلسطيني كما من قبل أي طرف عربي نهضوي يسعى في سبيل الحرية والعدالة.
وتحديدًا أكثر، استحالة إقدام أميركا على أية خطوة من شأنها تمكين الشعب السوري من التخلص من نير النظام الإستبدادي الذي باع سورية للإحتلالات الأجنبية مقابل استمراره في السلطة والتسلط على أبناء سورية جميعًا. سقط وهم الحياد الأميركي وكل إمكانية لأن تكون وسيطًا يسعى لحل النزاعات وتحقيق أي نوع من السلام. أميركا طرف في العدوان الصهيوني على العرب جميعًا وشريك فاعل فيه.
٥ – الانتفاضة الشعبية العارمة التي شملت كل فلسطين المحتلة ومنها مناطق ٤٨ التي بقيت ساكنة هادئة لمدة طويلة، تبين استحالة أي أمل بالتعايش السلمي تحت مسميات ديمقراطية وسواها بين شعب فلسطين والمحتل الإسرائيلي. وحتى لو رغب بعض الفلسطينيين بذلك فإن العقل الصهيوني لا يحتمل وجود ناس آخرين إلى جانبهم. وهذا درس إضافي للمطبعين اللاهثين للتعاون مع الصهاينة. وتؤكد بالتالي أن عداءهم يشمل جميع العرب أيًا كانوا ولن يسلم منهم من يتوهمون صداقتهم أو تنسيقًا معهم من أي نوع.
٦ – بينت الأحداث أن أية مواجهة مع المحتل الصهيوني لا يمكن إلا أن تكون شعبية عامة متخطية كل انتماء حزبي أو فئوي أو حتى ديني. فالوحدة الشعبية الوطنية للشعب الفلسطيني تجاوزت كل الأطر الحزبية والفصائلية وكل انقسام ديني بين المسلمين والمسيحيين. وما مشاركة المسيحيين في الداخل في فعاليات الإنتفاضة والدفاع عن المسجد الأقصى إلا تأكيد على وطنية المواجهة وتلاحم أبناء الشعب الفلسطيني وهذا هو السبب الأهم في تحقيق الصمود الرائع المستمر حتى الآن والمتصاعد رغم التضحيات الجسيمة والخسائر الكبيرة.
٧ – سقوط تجربة السلطة الفلسطينية فقد تجاوزتها الأحداث وأسقطها الصمود الشعبي والمشاركة الجماهيرية الواسعة والشامة ولا سيما في مناطق تواجد السلطة. وهذا يؤكد استحالة نجاح أية تسوية مع العدو الصهيوني وسقوط إتفاف أوسلو عمليًا وواقعيًا. فهو لم يحقق للشعب الفلسطيني أية مكاسب من أي نوع.
٨ – إن رفع أعلام الثورة السورية في كثير من مظاهرات الداخل الفلسطيني يؤكد مدى التجاوب الشعبي الحقيقي مع أصدائها المعنوية البعيدة الأثر على عكس ما حاولت بعض الأسماء المضللة أو المأجورة من تصوير الموقف الفلسطيني كداعم للنظام السوري والمعارض لتطلعات الشعب السوري. التظاهرات الشعبية وهتافات وأغاني الساروت المجلجلة فيها أسقطت هذا الإدعاء وبينت الإنتماء الأصيل إلى العروبة وإدراكه لحقيقة وحدة المصير الفلسطيني – السوري – العربي رغمًا عن كل إنكار أو مزايدات فارغة.
٩ – تعرية ما يسمى محور المقاومة والممانعة الذي يتزعمه النظام الإيراني وميليشياته المذهبية المتعددة؛ من آخر ورقة توت يستر بها خداعه ومتاجرته بقضية فلسطين وشعب فلسطين. حيث لم تطلق واحدة من تلك الأذرع الإيرانية ولو طلقة واحدة دفاعًا عن فلسطين وشعبها المحاصر المنكوب. سقطت كل ادعاءات ذلك المحور ومعها كل عنتريات حزب ” الله ” اللبناني /الفارسي الذي برع في إظهار قوته العسكرية وحقده المذهبي على شعبنا العربي في سورية.
١٠ – انطلاقًا من هذه الحقائق بات لزامًا على قوى الشعب الفلسطيني إجراء مراجعة شاملة عامة لكل أساليب العمل الوطني السابقة ومدى مواءمتها للواقع الراهن وتطويرها بعد توحيد الصفوف وإحياء وتفعيل مؤسسات العمل الوطني وأولها منظمة التحرير الفلسطينية ووضع استراتيجة محددة للصمود والمقاومة والمواجهة تضع في أول إعتباراتها مهمة تعزيز صمود الإنسان في الداخل وتدعيم مقومات حياته وبقائه فيه.
ما ينطبق على الساحة الفلسطينية يسري أيضًا على الساحة الوطنية السورية فبات ملحًا على ضوء دروس الإنتفاضة؛ توحيد قوة العمل الوطني السوري وفق القواسم المشتركة التي يتفق عليها الجميع ووضع برنامج مرحلي للعمل الوطني يعتمد على الطاقات الوطنية الذاتية. فهي التي يمكنها – بصمودها وفعاليتها الميدانية – تحريك الوضع الدولي لصالح الشعب السوري وليس العكس.
إننا في ملتقى العروبيين السوريين نجدد ونكرر نداءنا لكل فعاليات وقوى وتجمعات وتنسيقيات العمل الوطني السوري للإلتفاف حول برنامج عمل واحد يضمن فعالية وطنية تحمي الشعب وتحقق مصالحه ومطالبه. ها هي الهبة الفلسطينية التي طرحت مصير الكيان الصهيوني على المحك بوحدة أبنائها ومشاركتهم الواسعة وصمودهم الرائع وتمسكهم بأهدافهم الوطنية. وهو بالذات ما يحتاجه شعبنا من نخبه الوطنية. وحيث أنه لم يبخل بالعطاء والتضحية والتصميم على أهدافه، باتت المسؤولية على النخبة الوطنية التي ما تزال حتى الآن تعاني من الفرقة والتشتت ما يجعلها غير فاعلة ويمكن التدخلات الدولية من عرقلتها أو التلاعب بها أو مخادعتها واستنزاف طاقاتها تحت رايات التسويف والمماطلة والإنتظار.
تضحيات شعبنا العظيمة تستحق من الجميع تجاوز الذاتية والحزبية والفئوية تحقيقًا لوحدة العمل الوطني.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين