أمين العاصي
انتبه الإيرانيون باكراً إلى أهمية مدينة حلب، مركز محافظة حلب، شمالي سورية، في إطار الصراع على هذا البلد، والذي انتقل في العام 2012 إلى المستويات العسكرية، فدفعوا بمليشياتهم إلى هذه المدينة العريقة، التي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، بتسهيل من نظام بشار الأسد. ومع انسحاب المعارضة المسلحة من المنطقة، تحوّلت حلب إلى ميدان تنافس بين طهران وموسكو، التي تملك هي الأخرى نفوذاً كبيراً فيها. وفي سياق ترسيخ النفوذ، افتتحت إيران، أول من أمس السبت، قنصلية لها في مدينة حلب، وضعتها في سياق رغبة في الحضور الفاعل خلال عملية إعادة إعمار سورية.
وافتتح وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، عن طريق تقنية الفيديو كونفرانس، القنصلية في حلب السبت بحضور السفير الإيراني في دمشق، مهدي سبحاني. وبحسب صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، اعتبر المقداد افتتاح القنصلية بأنه “يعكس رغبة البلدين في تعميق العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ويعطي دفعة جديدة للعلاقات الثنائية”، بينما أشاد ظريف بالتسهيلات التي قدّمها النظام لافتتاح القنصلية “في حلب الثقافة والتاريخ والاقتصاد”، معتبراً أن هذه الخطوة “تمثل الرغبة في الحضور الفاعل في سورية خلال مرحلة إعادة الإعمار”.
وتعد حلب العاصمة الاقتصادية لسورية، إذ تتركز فيها فعاليات اقتصادية وتجارية تعتبر الأهم في البلاد. ويساند أغلب تجار ورجال أعمال المدينة، النظام السوري، وذلك منذ انطلاق الثورة السورية، ربيع العام 2011 وحتى اليوم. وكانت المعارضة السورية المسلحة قد سيطرت خلال العام 2012 على العشرات من أحياء حلب، خصوصاً في قسمها الشرقي، والذي ارتكب فيه طيران النظام مجازر كبرى، وتحديداً أواخر عام 2013 وبداية 2014، وشنّ حملة عُرفت بـ”حملة البراميل”، أدت إلى تهجير أكثر من مليون مدني في حينه. ولاحقاً، ارتكب الطيران الروسي هو الآخر مجازر تعد الأكبر بحق السوريين لإجبار فصائل المعارضة على الخروج من حلب، وهو ما تحقق أواخر عام 2016.
وقبيل الثورة، كان للإيرانيين نفوذ كبير في ريف حلب الشمالي، حيث تقع بلدتا نبّل والزهراء اللتان تسكنهما غالبية من السوريين الشيعة. ولعبت المليشيات المحلية التي يدعمها الحرس الثوري الإيراني دوراً حاسماً في صدّ فصائل المعارضة التي حاولت أكثر من مرة، خصوصاً في 2015 و2016، انتزاع السيطرة على كامل مدينة حلب، لكنها فشلت.
ورأى الصحافي المتابع للشأن الإيراني، رئيس تحرير موقع “إيران إنسايدر”، أيمن محمد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الهدف من افتتاح القنصلية في حلب “هو ترسيخ الوجود الإيراني شمالي سورية، في محاولة للاستحواذ على عملية إعادة إعمار حلب، إضافة إلى دعم المليشيات المحلية وجذبها للانضمام للحرس الثوري الإيراني”. وأوضح محمد أن محافظة حلب “تحظى بأهمية خاصة بالنسبة لإيران”، مضيفاً أنه “منذ بداية تدخل إيران العسكري في سورية، قاد الحرس الثوري الإيراني حملة برية واسعة لاستعادة السيطرة على كامل المدينة، والوصول إلى بلدتي نبل والزهراء”.
ولفت محمد إلى أن “إيران خسرت مئات المقاتلين من الحرس الثوري في معركة خان طومان على أعتاب حلب الجنوبية الغربية، وهي الخسارة الأشد إيلاماً للحرس الثوري منذ تدخله المباشر في سورية أواخر 2012”. وأوضح أن “ريف حلب الجنوبي بالكامل بات قاعدة عسكرية متقدمة لإيران في الشمال السوري، حيث تحتفظ بأقوى قواعدها العسكرية في جبل عزان ومعامل الدفاع في السفيرة”، مشيراً إلى أن الإيرانيين بدأوا أخيراً الانتشار في ريف حلب الشرقي من بلدة دير حافر وصولاً إلى بلدة مسكنة. كما لفت إلى أن الإيرانيين افتتحوا أخيراً مكتباً للتطوع في صفوف المليشيات الإيرانية في حي الحمدانية داخل حلب، مقابل راتب شهري يصل إلى 200 دولار أميركي. ورأى أن إيران “تريد السيطرة على كامل حلب وريفها، وهو ما يشكل خطراً على النفوذ التركي في شمال سورية”.
ويتعاظم الدور الإيراني في مدينة حلب مقابل الدور الروسي، إذ تنشر موسكو عناصر من الشرطة العسكرية يتحدرون من الشيشان التي أخذ رئيسها رمضان قديروف على عاتقه إصلاح الجامع الكبير في حلب، بعد تضرره خلال العمليات العسكرية. وتحاول إيران التغلغل في النسيج الاجتماعي للمجتمع الحلبي، من خلال الدفع لاعتناق المذهب الشيعي، خصوصاً في الأحياء التي خرجت منها فصائل المعارضة وتُركت لمليشيات مرتبطة بالجانب الإيراني، منها “لواء الباقر”، “حزب الله السوري”، و”لواء القدس”، وفق مصادر محلية. وتنشط طهران في إقامة الحسينيات في حلب وخلق مزارات لترسيخ النفوذ.
ولفت الصحافي فراس ديبة، وهو من أبناء مدينة حلب، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن مبنى القنصلية الإيرانية في مدينة حلب “يقع في حديقة بستان القصر المسماة حديقة الشهباء، وهي الحديقة التي تفصل بين حيي بستان القصر والزبدية”. وأوضح أن الحديقة “كانت سابقاً نقطة تماس بين قوات النظام وفصائل الجيش السوري الحر (قوات المعارضة السورية)”، مبيناً أن القنصلية “تبعد 300 متر فقط عن مسجد الحسين (النقطة)، أهم المزارات الشيعية في حلب”. ولفت إلى أن مفتي حلب محمود عكام، كان في الصف الأول في افتتاح القنصلية”.
وأشار ديبة إلى أن “النفوذ العسكري الإيراني كبير في مدينة حلب وريفها، لا سيما الجنوبي والشرقي وجانب من الشمالي، والغالبية العظمى من فصائل الشبيحة (مليشيات النظام والإيرانيين) تتبع للإيرانيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”. وأوضح ديبة أن “النفوذ المذهبي لا يقل حجماً عن النفوذ العسكري مع انتشار حسينيات علنية في العديد من الأحياء، لكن لا يوجد تحوّل واضح إلى المذهب الشيعي في مدينة حلب سوى عند فئة قليلة لأسباب لها علاقة بالمصلحة، ولدى بعض أبناء العشائر القاطنين في بعض أحياء حلب الشرقية، والمنضوين في مليشيا لواء الباقر التابعة للإيرانيين لجهتي التمويل والتوجيه. ورأى ديبة أن الإيرانيين “غير قادرين على طمس هوية مدينة حلب، وهذا الأمر صعب جداً في مدينة بحجم حلب بشرياً وتاريخياً”.
المصدر: العربي الجديد