عماد كركص
على وقع الرفض الدولي عالمياً، والشعبي محلياً، للانتخابات الرئاسية التي يجريها النظام وسط ظروف استثنائية تعيشها البلاد، يجهد النظام في إقناع العالم أن الانتخابات باتت آخر طريق الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام حتى اليوم.
ويأمل النظام طي صفحات جرائمه من خلال الانتخابات، ومن ثم فتح صفحة جديدة عنوانها “ما بعد الحرب” وإعادة الإعمار، بإعادة العلاقات مع المحيط العربي والخليجي على وجه الخصوص، لتمويل العملية وكسب غطاء سياسي بعد المقاطعة والعزلة التي يحاول النظام كسرها منذ حوالي ثلاثة أعوام بضغط ونصائح حليفته موسكو التي تساعد في ذلك.
وتأتي زيارة محمد رامي رضوان مارتيني وزير السياحة في حكومة النظام على رأس وفد من الوزارة، إلى العاصمة السعودية الرياض، ضمن هذا المسعى، وإن كان العنوان المعلن للزيارة يحمل مشاركة الوزير والوفد المرافق له بالاجتماع الـ 47 للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، والمشاركة في افتتاح المكتب الإقليمي للمنظمة في الرياض، وكذلك المشاركة في عقد مؤتمر “إنعاش السياحة”، الذي انطلق الأربعاء، ويستمر حتى يوم غد الخميس.
ورغم أن صحيفة “الوطن” الموالية للنظام قالت، إن الزيارة تأتي بدعوة من وزارة السياحة في المملكة ومنظمة السياحة العالمية، إلا أن المملكة السعودية لم تؤكد ذلك، وربما تشهد الأيام القلية القادمة توضيحات في هذا السياق، كما حصل قبل أسابيع بادعاء زيارة وفد سعودي رفيع المستوى إلى دمشق للقاء الأسد تمهيداً لفتح السفارة، ليكون النفي السعودي حاضراً بعد أيام، بعدم صحة ما تم تداوله من أنباء.
اليوم، كانت مغازلة النظام السوري للرياض أكثر حميمية عما بدر في السابق، إذ تطرقت المستشارة السياسية لبشار الأسد، بثينة شعبان إلى زيارة الوزير للمملكة، وقالت في حديث لإذاعة سورية محلية، إن “هناك جهوداً تبذل لعلاقات أفضل بين دمشق والرياض، وقد نشهد في قادم الأيام نتائج بهذا الموضوع”، مضيفةً أن “زيارة وزير السياحة للرياض خطوة إيجابية، ولم تكن ممكنة قبل سنوات”.
ولا يمكن التخمين بماهية النتائج التي ألمحت إليها شعبان في حديثها، لا سيما أن الخارجية السعودية كانت قد نفت على لسان مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية، السفير رائد قرملي، ما تم تداوله حول زيارة رئيس الاستخبارات السعودية إلى دمشق الشهر الماضي في خطوة تطبيع العلاقات بين النظام والمملكة، قائلاً إن المعلومات التي تم تناقلها مؤخراً عن العلاقات بين المملكة ونظام بشار الأسد “غير دقيقة”، مشيرًا إلى أن السياسة السعودية تجاه سورية “لا تزال قائمة على دعم الشعب السوري، ودعم حل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة ووفق قرارات مجلس الأمن، من أجل وحدة سورية وهويتها العربية”.
وكانت مصادر مقربة من المملكة السعودية، قد أفادت في وقت سابق لـ”العربي الجديد”، أن الزيارة التي أشيع من خلالها عن وصول رئيس المخابرات السعودية إلى دمشق، إن تمت فعلاً، فهي لها دوافع أمنية بحتة وليست سياسية بالمطلق، معتقداً أن الملف اليمني هو الذي دفع أو سيدفع مسؤولين سعوديين للتواصل مع دمشق لترتيب بعض الأمور، وليس أي شيء غيره، مشددًا على أن الرياض ستحافظ على ثبات موقفها من الوضع السوري.
وعلى إثر تلك الزيارة “المزعومة” أخرج النظام سفيره في لبنان علي عبد الكريم، الذي يحمل صفة أمنية، للقول بأن السعودية دولة “شقيقة وعزيزة”، في خطاب يختلف بشكل جذري عما كان عليه في السابق، وتحديداً منذ اندلاع الثورة وقطع المملكة لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع دمشق صيف العام 2011.
ويحاول النظام إطلاق بالونات اختبار لعودته إلى الحاضنة العربية من البوابة السعودية، الأقوى خليجياً وعربياً، لهدفين، أولهما يتعلق بالاحتماء بنفوذ المملكة في حال تم التطبيع لدفع باقي الدول العربية والخليجية على هذه الخطوة، والثاني، يكمن في وضع النظام عينه على الأموال السعودية والخليجية عموماً، اللازمة في عملية إعادة الإعمار.
لكن السعودية تعي تماماً، أن مسألة إعادة التطبيع، وإن أرادتها فعلاً، لن تكون ميسرة وسهلة نظراً للعقوبات الغربية والأمريكية تحديداً على النظام، إذ يضع “قانون قيصر” على سبيل المثال، حاجزاً بين النظام وأي دولة أو فرد أو شركة أو أي كيان، يحاول إمداد النظام مادياً وحتى التواصل دبلوماسياً، ما يجعل المسؤولين في الرياض يفكرون ملياً قبل الإقدام على هذه الخطوة، في حال مناقشتها من الأساس.
ويستدل على ثبات موقف السعودية من القضية السورية، الإجابات غير المرضية التي تلقاها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في جولته قبل أشهر إلى ثلاث عواصم خليجية، بعد أن يئست موسكو في إقناع الغرب بتعويم النظام والأسد، أو إهمالهما على الأقل، بتركهما مع المعارضة وجهاً إلى وجه دون تدخل، إذ هدفت جولته إلى طرح أفكار من قبيل إعادة النظام إلى الحاضنة العربية من خلال العواصم الثلاث التي زارها، الرياض والدوحة وأبوظبي، إلا أن ما سمعه لافروف من السعوديين والقطريين كان حاسماً بأن أي حل سيكون وفق المرجعيات الدولية والقرار 2254 وأن لا سبيل لحل لا تكون المعارضة جزءاً منه، وجاءت الإجابات المرضية على طرح لافروف في أبوظبي، دون وزن حقيقي في سياق القضية السورية وتشعباتها، لعدم قوة النفوذ الإماراتي فيها.
وعلى ذلك، لا يمكن انتظار نتائج حقيقية، كما وعدت مستشارة الأسد، بل يمكن قراءة تصريحاتها على أنها حجر في المستنقع الراكد، لكن لا يمكن أن يغير رميه شيئاً نظراً للظروف الدولية المحيطة بالقضية السورية، التي باتت خارج النطاق الإقليمي والعربي، ويتطلب أي تغيير حقيقي فيها العودة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، المستمرين بمواقف قوية رفضاً لتعويم الأسد ونظامه.
المصدر: العربي الجديد