عمر كوش
لا يوفر أغلب المسؤولين في أحزاب المعارضة التركية فرصة إلا ويستهدفون فيها اللاجئين السوريين في تركيا، وذلك في إطار توظيف مسألة وجودهم فيها سياسياً خدمة لحسابات المصالح والأجندات الحزبية، وخاصة في مناسبات الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية وسواها، حيث تعهد مؤخراً زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في حال وصول حزبه إلى السلطة، ضمن خطة زعم بأنها جاهزة لديه، وتقضي بإعادتهم إلى سوريا خلال عامين فقط، بعد فتح السفارات والتصالح مع نظام الأسد.
ولا تخرج تصريحات كلجدار أوغلو عن استراتيجية أحزاب المعارضة التركية التي تقود حملات ضد اللاجئين السوريين، إذ بالرغم من أنه لفت إلى أن “هذه ليست عنصرية، السوريون هم أقرباء لنا”، إلا أنه استدرك بالقول “لكنهم سيكونون سعداء في الأراضي التي ولدوا فيها، لذلك، سوف نرسل إخواننا السوريين إلى بلدهم في سلام”، الأمر ينعكس سلباً على أوضاع اللاجئين السوريين في الشارع التركي المحتقن ضدهم، في ظل تزايد الحملات العنصرية الكارهة لهم.
وبالرغم من أن قضية اللاجئين، بشكل عام، هي قضية إنسانية في جانبها الأساسي، إلا أن أنها باتت تخضع للتوظيف السياسي في الحالة التركية، وذلك في إطار التنافس والتجاذب السياسي لقوى وأحزاب المعارضة والسلطة، ويجري استغلالها في الصراعات الحزبية الداخلية، حيث تستغل أحزاب المعارضة التركية مسألة اللاجئين لتوظيفها سياسياً من باب الطعن بسياسات حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، واتهامها بسوء إدارة الملف السوري، فيما تنفي الحكومة ذلك، لكن مسؤوليها لا يتوقفون عن القول إنهم صرفوا على اللاجئين السوريين أكثر من 40 مليار دولار، دون ذكر المليارات التي تقدمها دول الاتحاد الأوروبي والمنظمات الأممية والدولية، إلى جانب استغلال مسألة اللاجئين كورقة ضغط وتهديد للخارج، وخاصة مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل الإيفاء بالتزاماتها بتقديم مساعدات مالية بموجب اتفاقية الهجرة الموقعة 2016 وسوى ذلك.
وتأتي تصريحات كلجدار أوغلو في سياق الاستعدادات المبكرة لانتخابات 2023 التي تقوم بها مختلف الأحزاب التركية، ومحاولة لاستمالة الناخب التركي، واستثمار تراجع الأوضاع المعيشية في تركيا في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وزيادة نسب التضخم والبطالة، وانخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية وسواها، والإيحاء المزعوم بأن تبعات كل ذلك يتحملها المواطن التركي بسبب عشرات مليارات الدولارات التي صرفت على اللاجئين، وأفضت إلى استنزاف الخزينة التركية، في حين أن وزيرة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية التركية، زهراء زمرد سلجوق، أقرّت بأن جميع المساعدات المقدمة إلى اللاجئين السوريين ممولة من قبل الاتحاد الأوروبي، ولم تنفق الدولة التركية شيئاً من الموارد المالية المخصصة للمواطنين الأتراك.
وإذا كانت تصريحات كلجدار أوغلو تدخل في سياق الدعاية الانتخابية التي تستهدف اللاجئين السوريين بوصفهم الحلقة الأضعف، إلا أنها أثارت ردود فعل عديدة في الأوساط السياسية والإعلامية التركية، أبرزها جاء على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تعهد بأنه ما دام في السلطة مع حزبه “فلن نلقي بعباد الله الذين لجؤوا إلينا في أحضان القتلة”، وربط عودة اللاجئين السوريين بالعودة الطوعية والآمنة، وبمقتضى القواعد التي حددتها الأمم المتحدة.
ومن جهته اعتبر رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، أن “السوريين هنا ليس لديهم فرصة للذهاب إلى بلادهم ما لم يتحقق السلام والاستقرار في سوريا”، لذلك “يجب أن تكون هناك استراتيجية بشأن سوريا، وتحتاج تركيا إلى التحدث مع الجميع في سوريا، والانسحاب من كونها طرفا في الشؤون الداخلية في تلك البلاد، وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان السلام والاستقرار في سوريا”. أما البرلماني التركي والقيادي السابق في حزب “الجيد” التركي، أوميت أوزداغ، المعروف بعدائه للاجئين السوريين، فقد لجأ إلى تزييف كل الإحصاءات التركية والأممية حول تعدادهم، زعماً أن هناك نحو خمسة ملايين و300 ألف لاجئ سوري مسجل وغير مسجل في تركيا، من دون أن يذكر أي مصدر لهذه الأرقام، لأن غايته هي التحريض وتلفيق الأكاذيب العنصرية، ثم وجه سؤالاً إلى الشعب التركي يضعه أمام خيار منح الجنسية التركي لهم أو خيار ترحيلهم إلى بلادهم!
ويبدو أن آثار وإرهاصات وجود اللاجئين السوريين في تركيا تتفاعل على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية، لكن الحل ليس باستهدافهم بحملات عنصرية، خاصة أن السوريين وبعد مرور عشر سنوات على ثورتهم، وغياب أي أفق حقيقي لحل سياسي في بلادهم، لم يعودوا مجرد لاجئين ينتظرون نهاية نظام الاستبداد الأسدي في بلادهم، كي يعودوا إليها، بل تحولوا إلى مهاجرين يحاولون التأقلم والتكيف مع الأوضاع الجديدة في المجتمع التركي الحاضن لهم، وأسهموا بشكل كبير في دورة الاقتصاد التركي منذ البداية، حيث إن العائد الاقتصادي لاستثماراتهم وخبراتهم وقوة عملهم في تركيا كان أكبر من أي تبعات أخرى، ومع ذلك تحولت مسألة الوجود السوري في تركيا، نتيجة الصراعات السياسية الداخلية التركية، إلى مسألة سياسية ذات بعد قومي، بعد أن جرى تجريدها من أي بعد قانوني أو إنساني وأخلاقي، مع أن مسألة اللاجئين السوريين، يجب النظر إليها من جهة اختبار نموذج الدولة التركية، وممكنات استيعابه لمنظومة قانونية تحمي حقوق الإنسان، بصرف النظر عن جنسيته، طالما أنه يوجد على الأرض التركية، خاصة أن اللاجئين السوريين جاؤوا إليها هرباً من الملاحقة والحرب التي خاضها النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون ضدهم.
وتعلم قيادات أحزاب المعارضة التركية أن الفوز بأي استحقاق انتخابي ليس مرده إلى الحملات العنصرية على اللاجئين السوريين، كونه يتعلق بالبرامج المقدمة للناخب التي تقدم حلولاً مقنعة للمشاكل الأساسية التي تواجهها تركيا في الاقتصاد، وخاصة البطالة والتضخم وانخفاض سعر صرف الليرة التركية وسوء الإدارة والتعليم ومواجهة كورونا وسوى ذلك، والأهم هو أن المعارضة حين فازت في انتخابات البلدية عام 2019 في إسطنبول وأنقرة وأنطاليا وسواها لم يقدم مرشحوها في هذه البلديات أي خطاب كاره أو معاد للسوريين، ولم يطالبوا أو يتعهدوا بترحيلهم، وذلك بالتضاد مع ما يطرحه قادة أحزاب المعارضة. ويبقى العامل الأساس هو أن مسألة اللاجئين السوريين في تركيا وسواها، مرتبطة بشكل أساسي بالحل السياسي للقضية السورية، الذي يبدو أنه بعيد المنال وفق المعطيات الراهنة، وبالتالي، فإن استهداف اللاجئين السوريين لن يتوقف.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا