ومقاتلو المعارضة أثبتوا حنكة عسكرية وسياسية
حسام محمد
تشير سياسة العقاب الجماعي التي يتبعها النظام السوري ضد درعا- جنوب البلاد، إلى عجز واضح من قبل دمشق عن تجاوز ربيع عام 2011 وفتح صفحة جديدة مع مهد الثورة، رغم اتفاق التسوية الذي خولهم مع الروس استعادة السيطرة على غالبية المحافظة، في حين تحمل المطالب الشعبية والاحتجاجات عزفا واضح المعالم من قبل الأهالي باستساغة الأسد ونظامه مجددًا والعودة لفترة ما قبل آذار/مارس عام 2011.
النظام السوري ومن خلفه إيران وفق عدة مصادر، هما الجهات المسؤولة عن انزلاق الأوضاع في درعا منذ 29 تموز/يوليو، وكذلك محاصرتهم لأحياء درعا البلد، عقب رفض الأخير لإعادة تدوير بشار الأسد في رئاسة سوريا في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الشهر الخامس من العام الحالي والتي وصفت بـ «الشكلية».
وهي تطورات أدت إلى إتباع دمشق وطهران سياسة عدوانية ضد المنطقة وسط مساعيهم الحثيثة لإرضاخ درعا البلد وريفي المحافظة الشرقي والغربي، باستخدام القوة العسكرية، ورفض كافة المسارات السلمية للحل، الأمر الذي أدى إلى انزلاق الأوضاع إلى مواجهات موسعة بين مقاتلي المعارضة السورية وبين تلك الأطراف التي شهدت دورًا عسكريًا للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وتدعمها إيران.
إلا أن هذه القوات تكبدت خسائر فادحة وأُسر لها العشرات من العناصر، فيما أدت هجمات النظام الصاروخية إلى مقتل 7 مدنيين وإصابة العشرات، وسط شح كبير في المواد الطبية والغذائية وانقطاع الكهرباء والماء، وفقدان حليب الأطفال.
من الذين يدافعون عن درعا؟
المتحدث باسم تجمع أحرار حوران أبو محمود الحوراني، قال لـ «القدس العربي»: «الذين يدافعون عن أحياء درعا البلد اليوم، هم أبناء تلك المناطق، فالعسكريون هم من كانوا ضمن قوات الجيش السوري الحر سابقًا وهم في الوقت الراهن يحاولون التصدي لقوات النظام السوري بواسطة الأسلحة الفردية والخفيفة التي بحوزتهم.
أما الذين يدافعون عن مطالب الأهالي على الصعيد السياسي والتفاوضي، فهم شخصيات مدنية تمثل الأهالي، ويعرفون باسم لجنة التفاوض، وهي تضم ممثلين عن أحياء درعا البلد وريفي المحافظة الشرقي والغربي، بالإضافة إلى قيادات تمثل مجموعات الجيش الحر، وكل هؤلاء يحملون مسمى لجنة التفاوض».
هذه اللجنة وفق المصدر، تفاوض اللجنة الأمنية التابع للنظام السوري، والتي تتعنت في المفاوضات وتعرقلها وتفرض شروطًا لا يمكن للأهالي القبول بها.
درعا البلد مهد الثورة
تكمن أهمية درعا البلد بحسب المتحدث باسم تجمع أحرار حوران، بكونها مهد الثورة السورية، فمنها خرجت أولى أصوات الحرية والمطالبة بالتغيير في سوريا، وفيها يوجد المسجد العمري الذي يحظى برمزية خاصة لدى السوريين منذ ربيع عام 2011.
وكذلك مسجد الحمزة والعباس، الذي خرجت منه أولى الاحتجاجات السلمية في البلاد، وشهدت لاحقًا استشهاد كلا من محمود الجوابرة وحسام عياش في أول يوم من المظاهرات الشعبية بتاريخ 18 من شهر آذار/مارس 2011 برصاص مخابرات النظام السوري التي تعاملت بالعنف والقتل منذ الساعة الأولى لانطلاق المظاهرات، ليصبحا أول شهداء الثورة السورية، ليبقى شعار «الموت ولا المذلة» هو المعادلة التي يرفض الأهالي التنازل عنه.
فيما تحتضن درعا البلد عدة أحياء سكانية، منها الأربعين، والعباسية، والمنشية، وسجنة والكرك، بالإضافة إلى مناطق محاذية لدرعا البلد كالبحار والشياح، وقال الحوراني لـ «القدس العربي» وعند ولادة الجيش السوري الحر، كان معظم أبناء درعا البلد ضمن تشكيلاته.
أطراف الصراع
القيادي في المعارضة السورية، العقيد فاتح حسون، أشار إلى وجود ثلاثة أطراف في الصراع الدائر في الجنوب السوري، وهي النظام السوري والميليشيات الإيرانية المساندة له وهؤلاء يواجهون أهالي المنطقة وثوارها الذين يرفضون التهجير، إضافة إلى روسيا التي يقتصر دورها الحالي على «الوساطة».
القيادي في تصريحات لـ «القدس العربي» نوه إلى سيطرة فصائل المعارضة على أجزاء من مدينة درعا، أي درعا البلد وطفس، وفي الريف الغربي يتمتعون بسيطرة كاملة، وهي مواقع محمية بالضمانة الروسية، وتحتفظ الفصائل في هذه المناطق بهيكليتها وأسلحتهم الخفيفة.
في حين يسيطر اللواء الثامن، التابع للفيلق الخامس، بقيادة أحمد العودة، على بصرى الشام، ويفرض سيطرته على المناطق القريبة.
ويسيطر حزب الله اللبناني على بعض مناطق اللجاة، ومناطق بريف درعا الشرقي من خلال الميليشيات التي صنعها في تلك المناطق من أبناء القرى، وتشهد هذه المناطق صراعات حادة مع قوات أحمد العودة.
وفي مناطق شمال درعا، التي تتصل بريف القنيطرة، أي الحارة وجاسم وإنخل، وهي مناطق تشهد صراعا بين الأجهزة الأمنية للنظام السوري والمدعوم من «حزب الله» من جهة، وبين عناصر مقاومة كانت سابقًا في صفوف فصائل الجيش الحر المنحلة التي لا تزال تعمل بنشاط في تلك المناطق.
فيما تسيطر الفرقة الرابعة على ريف درعا الغربي وحوض اليرموك، وهي منطقة محاذية للأردن وإسرائيل، وينشط «حزب الله» في هذه المناطق.
يوجد في درعا البلد مقاتلون سابقون ينتمون لجبهة ثوار سوريا التي كانت منضوية سابقا في صفوف الجيش الحر ممن رفضوا التهجير إلى الشمال السوري وأجروا تسوية مع قوات النظام برعاية روسية، إضافة إلى بعض المقاتلين المحليين. قائدها محمد المسالمة الملقب بـ «الهفو» وهو قيادي ينحدر من مدينة درعا البلد، وغادر درعا البلد مؤخرا وفق تسجيل مصور.
خلافات محورية
روسيا وفصائل المعارضة وفق العقيد فاتح حسون، يرغبون بإتمام التسوية وهذا ما ظهر من خلال إرسال روسيا مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين، ألكسندر زورين، إلى درعا حاملاً رسالة حيث وصل سرا إلى بصرى الشام، ونقل عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الحل في درعا، يكمن بتسوية سياسية، وليس بعملية عسكرية، وهو ما لم تلتزم به قوات النظام.
بالإضافة إلى غياب الدعم الجوي من قبل روسيا للعمليات البرية التي تقوم بها قوات النظام، ومن خلفها إيران وميليشياتها. إلا أن الدور الروسي لا يبدو أنه يلقى ترحيباً من النظام ومن خلفه إيران وميليشياتها، الذين يعتقدون أن من حقهم السيطرة الكاملة على منطقة الجنوب، ويرغبون بالتنصل من الالتزامات التي يفرضها الاحتلال الروسي عليهما وإعادة تغلغل الأجهزة الأمنية في المنطقة، والاستفادة من ورقة ضبط الجنوب وبيعها لإسرائيل، لا أن تستفرد روسيا بعوائد هذه الورقة لوحدها.
حسابات نبيهة
الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني، يرى أن مقاتلي المعارضة السورية في درعا، كانوا نبيهين للغاية بعد التسوية التي أبرمت في عام 2018.
ومرد ذلك لعدة أسباب أهمها الإصرار على بقاء أسلحتهم الخفيفة معهم، وإدراكهم نكث النظام بوعوده معهم، ومنهم من عمل في صفوف ميليشيات الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية.
وهؤلاء سربوا المعلومات عن النظام لأصدقائهم الذين أبقوا على سلاحهم بحوزتهم ممن بقي خارج تلك الميليشيات، وراحوا يستهدفون مصالح النظام بناء على تلك المعلومات المسربة، لذلك عمل النظام على اغتيالهم رغم تواجدهم في صفوف ميليشياته.
فيما تساند الفئة السابقة الحاضنة الشعبية ممثلة بالوجهاء واللجان المركزية التي انعكست ثوريتها وصدقها بوحدة موقفها وعدم القدرة على اختراقه.
الباحث حوراني، قال في تصريحات خاصة بـ «القدس العربي» إن أبرز القوى المحورية الراغبة بالحل العسكري، هم الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري، وكذلك إيران وميليشياتها، وهما الجهات التي أفشلت الاتفاق والمفاوضات.
في حين أن أبناء درعا ومفاوضيهم، قدموا نموذجا حضاريا يجمع بين حنكة المفاوض وفطرة الإنسان الميال إلى العيش بسلام. واستطاعوا من خلال مفاوضاتهم الظهور كرقم صعب وقادر على التفاوض، وقادر كذلك على الحرب حتى الرمق الأخير في سبيل نيل حقوقهم، وهو ما أكده أحد وجهاء درعا عبر تسجيل صوتي.
واعتبر المصدر، أن جنوب سوريا وشرقها، نقاط استراتيجية لإيران التي سعت لوجود نفوذ لها فيهما، وحققت ذلك، لأنها تعمل على التصعيد من خلالها ضد إسرائيل وأمريكا، ونفذت ذلك التصعيد انطلاقا منهما في مرات متعددة، فهي تتخذ هاتين النقطتين لخدمة سياستها المتمثلة بالتصعيد إلى أقصى حد، رغبة منها بتحقيق مطالبها السياسية تحت تأثير التهديد بالقوة.
أما قوتها العسكرية، من الناحية التقليدية يمكن الوقوف عليها في المعركة الأخيرة في درعا التي لم يكن لها تأثير فيها، ناهيك عن ارتباكها في الداخل ومواجهة ثورة الأحواز، وتمدد طالبان في أفغانستان، كلها عوامل تحد من قوتها.
ولدرعا رمزية معنوية في نفوس السوريين، الذين لبوا نداءها منذ العام 2011 وهذه الرمزية ظهرت عند الطرفين السوريين الموالي للنظام الذي هدد بهدم المسجد العمري. وعند الطرف السوري الثائر الذي تفاعل داخليا وخارجيا مع محاولات النظام السيطرة عليها، وندد بهمجية النظام، وأوصل وضع درعا إلى كل المحافل الدولية حتى رأينا كيف أدانت الأمم المتحدة وأمريكا وفرنسا والاتحاد الأوروبي ما يجري في درعا مطالبة بضرورة الحفاظ على حياة المدنيين.
المصدر: القدس العربي