بسام مقداد
حذرت وكالة “Stratfor” المعروفة بقربها من المخابرات الأميركية، من أنه “إذا لم تتمكن الحكومة والقوى المنتفضة في سوريا من توقيع إتفاقية وقف إطلاق نار جديدة، فقد يؤدي تصعيد العمليات العسكرية في الجنوب إلى إضطرابات في المناطق الأخرى الواقعة تحت سلطة النظام، وإلى تدفق جديد للمهاجرين إلى الأردن”. ذكرت هذا التحذير صحيفة “NG” الروسية في سياق نص بعنوان “جنوب سوريا يخرج عن سلطة الأسد” نشرته في 3 من الشهر الجاري، وقالت فيه بأن “مهد الثورة ” تذكر الماضي الثوري. وفي حين تقول الصحيفة بأن نائب قائد مركز المصالحة في سوريا الأدميرال فاديم كوليت وصل إلى المنطقة مع وفد عسكري روسي لتسوية الوضع، يقول موقع التلفزة والإذاعة التركي الرسمي “TRT” الناطق بالروسية بأنه جاء إلى المنطقة ممثل المخابرات العسكرية الروسية ألكسندر زورين المتعارف على إعتباره “المبعوث السري” للكرملين للمفاوضات مع المنتفضين.
تقول الصحيفة في نصها الذي كتبه معلقها لشؤون الشرق الأوسط إيغور سوبوتين بأن الأدميرال كوليت أعلن عن تمكن الجيش السوري من إعادة تثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة، إلا أن المواقع الإعلامية المحلية تتحدث بين الحين والآخر عن تجدد العمليات الحربية بين القوات النظامية والمنتفضين السابقين المعارضين.
الموقع التركي الرسمي الذي نشر نصه في 2 من الشهر الجاري، وهو لهيئة التحرير، قال بأن موسكو إقترحت معادلة جديدة لتسوية الوضع المتأزم في الجنوب. وتتضمن المعادلة هذه نقل بعض القوى المنتفضة بعيداً عن مدينة درعا البلد؛ حل مسألة السلاح الخفيف بأيدي المعارضة؛ إقامة الحواجز العسكرية وفتح أوتوستراد دمشق ــــــ عمان. وتلقي المعادلة على عاتق الفيلق الخامس الخاضع للقيادة الروسية دوراً خاصاً في تنفيذ المعادلة. لكن الموقع يقول بأنه، وكما في السابق، ليس من ضمانات بأن الخطة الروسية سوف تنجح.
ويقول الموقع بأن الموقف الروسي في الفترة الحالية يقوم على الإعتراف بأن قوات النظام ليست قادرة على السيطرة على جميع مناطق البلاد، وذلك بسبب النقص في الموارد البشرية، وتأثيرات الأزمة الإقتصادية وتدخل الدول الأجنبية. والحل المؤقت لهذا الوضع بالنسبة لوجهة النظر هذه يقوم في تقسيم مناطق النفوذ. وهذا يفترض حواراً مع تركيا بشأن المناطق الشمالية؛ التواصل مع الأميركيين بشأن ما وراء الفرات؛ الإتفاق مع المقاتلين السابقين في الجيش السوري الحر في الجنوب، وتوزيع الصلاحيات مع القوات الإيرانية في المناطق التي تسيطر عليها دمشق.
لكن الموقع يرى أن أخطر ما في الأمر هو أن لدى دمشق حسابات مختلفة كلياً. فالمشاركة “الكثيفة” في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، وإعلان الأردن عن إستعداده لفتح الحدود مع سوريا، إثر زيارة الملك عبدالله إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى الإستعداد المتزايد للدول العربية التخفيف من آثار العزلة الدبلوماسية لسوريا، لم يكن بوسع كل ذلك إلا أن يرسل إشارات خاطئة إلى النظام السوري بأنه في موقع قوي، وأن بوسعه تحقيق إنتصار عسكري في عدد من المناطق المتنازع عليها. لا شك في أن الحكومة السورية وأتباع إيران المحليين يبالغون في تقدير قواهم الذاتية لتحقيق رغبتهم في سحق المعارضين. لكن هذا الإعتداد بالنفس يؤدي إلى وقوع “ضحايا جديدة وجديدة” والإساءة إلى الجهود التي بذلتها روسيا العام 2018، والتي تعهدت بموجبها بأن ينفذ النظام ما إلتزم به.
الكاتب السياسي في موقع RT الناطق بالعربية وفي غير موقع روسي رامي الشاعر الذي يصف نفسه بالمصدر “وثيق الصلة بمؤسسات صناعة قرارات السياسات الخارجية الروسية”، وفي رد على أسئلة مواطنين سوريين له عن الوضع في درعا، قال في 31 من الشهر المنصرم ” أود أن أطمئن الجميع بأنه، وعلى الرغم من الإحتكاك العسكري الذي جرى خلال اليومين الماضيين، وتسبب في وقوع بعض الضحايا من الطرفين، إلا أن الوضع قد أصبح تحت السيطرة بالكامل، ولن تدور أي عمليات قتالية في درعا بعد اليوم. لن تسمح روسيا ومجموعة أستانا والمجتمع الدولي بذلك”.
كان هذا التأكيد بالإمساك الكلي بالوضع، وبأن ليس من عمليات قتالية بعد اليوم في درعا في نهاية الشهر المنصرم. لكن العمليات القتالية وحصار درعا البلد لا يزال قائما”، ولذلك ورأت “المدن” أن تتوجه إلى الشاعر بالسؤال عن فشل الجهود الروسية في تسوية الأمر سلماً، وما إن كان ذلك يهدد بإنتقال إنتفاضة درعا إلى بقية مناطق سيطرة الأسد.
كما رأت أن تسأله أيضاً عن رأيه في ما تقوله المعارضة السورية من أن نصوصه التي ينتقد فيها الأسد، وهو المصدر”وثيق…”، ما هي إلا محاولة من روسيا لبيع المعارضة أوهاماً، في حين أن موقفها من الأسد ونظامه لم يتغير، بل هي باقية على دعمها الثابت له.
رفض الشاعر القول بفشل الجهود الروسية، وأكد “أنه بفضل هذه الجهود تم تفادي حرب أهلية في جنوب سوريا” كانت ستسفر عن عشرات الآلاف من الضحايا ودمار المنشآت السكنية والعامة وآلاف المهجرين، و”بالطبع احتمال كبير جدًا ان تمتد العمليات القتالية الى مناطق اخرى في سوريا تعتبر تابعة لسيطرة النظام”. ورأى أنه من الطبيعي، في الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعانيها الشعب السوري وفقدان هيبة الدولة وسيادة القانون، أن يبدأ الشعب بالتذمر وأن تنشأ ظواهر سلبية مختلفة تؤثر على الأمن والإستقرار النفسي لعامة أبناء الشعب، وهذا ما أدى الى الإنتقال من حالة الإنتظار والصبر إلى الإنفجار العلني ضد النظام في دمشق الذي أصبحت غالبية الشعب السوري مقتنعة بأنه لا يريد التجاوب مع متطلباتها ومشاركتها في الإنتقال إلى نظام آخر على أساس تعديل أو تغيير دستوري. ويقول بأن ما يجري في درعا هو “ثورة شعبية واسعة”، أراد النظام في دمشق إخمادها بالقوة، وهو “ما لا يمكن تحقيقه أبداً بهذا الأسلوب”.
أما بشأن سؤاله عن إستخدام روسيا نصوصه المنتقدة للأسد لبيع أوهام للمعارضة بتغيير في الموقف منه، فقد أحال الشاعر الرد إلى تفسير موقف روسيا من الأزمة السورية منذ اندلاعها وموقفها من قرار مجلس الأمن 2254.
قال الشاعر بأن من ينتقد روسيا ويعتبر أن موقفها من الأسد لم يتغير، وأن دورها في الجنوب “يهدف إلى بيع المعارضة الأوهام والخداع”، وبأنها لن تتخلى عن دعمه تحت اي ظرف، “أريد أن اوضح من جديد بأن موقف روسيا واضح منذ بداية الأزمة السورية”، لروسيا الدور الأساسي في صياغة قرار مجلس الأمن 2254، وتحديد خريطة طريق لتنفيذه أثناء انعقاد مؤتمر الحوار السوري في سوتشي العام 2018. ويقول بأنه وضع كتاباً حول طريق السلام الذي رسم في سوتشي، وشارك “بأكثر من ألف” لقاء مع السوريين في جنيف وموسكو تمت خلالها الاجابة عن الأسئلة و توضيح سياسة روسيا بخصوص الازمة السياسية على جميع المعنيين، بما في ذلك شخصيات مهمة من الدول المختلفة و ممثلي الامم المتحدة، لكن “وللأسف الى الان هناك من يعتقد ان روسيا تلجأ الى أسلوب زرع الأوهام”.
إن من شارك في “أكثر من ألف” لقاء وهو يشرح ويفسر سياسة روسيا حيال الأزمة السورية لا بد أنه قد تعب من الشرح، لذلك يقول “أكرر وأوضح” بأن روسيا دولة عظمى، ولا تبني مواقفها وسياساتها الخارجية إستناداً إلى دعم رئيس معين أو طرف سياسي، بل “تستند إلى الأعراف والقوانين الدولية في التعامل مع ممثلي الشعوب واحترام سيادة الدول.
وينهي الشاعر رده على سؤال “المدن” بإنذار من لم يفهم حتى الآن من السوريين وسواهم من “التكرار والتوضيح”، بأن البديل عن دور روسيا في سوريا هو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ويقول بنبرة حاسمة جازمة جازرة “نعم الأسد هو رئيس الجمهورية العربية السورية، والدستور الحالي هو الدستور الرسمي، ووقف إطلاق النار في سوريا سائد ونظام التهدئة أيضأ. فعلى السوريين تغيير دستورهم واختيار رئيسهم، وهذا ليس من شان اي دولة أخرى، والبديل عن الدور الذي تقوم به روسيا ومجموعة أستانا هو حرب أهلية شاملة مدمرة لا يعلم ويلاتها إلا الله”.
المصدر: المدن